بَاعِثُ الإِجَـابَة

بَاعِثُ الإِجَـابَة
إن الأصل الأولفي إجابة الدعاء هو التزام الداعي بالأدب الباطن الواجب عليه ملاحظته مع الله ويكونذلك بالتوبة وردِّ المظالم والإقبال على الله بكنه الهمَّة فقد روى الإمام الغزاليفي الإحياء عن كعب الأحبار أنه قال :أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول اللهعليه السلام فخرج موسى ببني إسرائيل يستسقى بهم فلم يُسْقَوْ حتى خرج ثلاث مرات ولميُسْقَوْ فأوحى الله إلى موسى عليه السلام : أني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيكمنمَّام فقال موسى : يا ربِّ ومن هو حتى نخرجه من بيننا ؟ فأوحى الله إليه : يا موسىأنهاكم عن النميمة وأكون نمَّاماً فقال موسى لبني إسرائيل : توبوا إلى ربِّكمأجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله تعالى عليهم الغيث وقال سفيان الثوري : بلغنيأن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة مـن المزابل وأكلوا الأطفال وكانواكذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله إلى أنبيائهم عليهم السلام : لومشيتم إليّ بأقدامكم حتى تحفى ركبكـم وتبلغ أيديكـم عنان السماء وتكلَّ ألسنتكم عنالدعاء فأني لا أجيب لكم داعياً ولا أرحم لكم باكياً حتى تردوا المظالم إلى أهلهاففعلوا فمُطِرُوا من يومهم وقال مالك بن دينار :أصاب الناس في بني إسرائيل قحطفخرجوا مراراً فأوحى الله إلى نبيهم : أن أخبرهم أنكم تخرجون إليّ بأبدان نجسةوترفعون إليّ أكفَّـاً قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام الآن قد اشتدَّغضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بُعْداً وقال أبو الصديق الناجي : خرج سليمان عليهالسلام يستسقى فمرَّ بنملة ملقاة على ظهـرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقولاللهم إنَّا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا فقال سليمانعليه السلام ارجعوا فقد سيقتم بدعوة غيركم وقال الأوزاعي : خرج الناس يستسقون فقامفيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر من حضر ألستم مقرينبالإساءة ؟ فقالوا : اللهم نعم فقال : اللهم إنا قد سمعناك تقول{مَا عَلَىالْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا اللهمفاغفر لنا وارحمنـا واسقنا فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا … ورُوِىَ أن عيسىصلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلمَّا ضجروا قال لهم عيسى عليه السلام : منأصاب منكم ذنباً فليرجع فرجعوا كلهم ولم يبق معه في المفازة إلا واحد فقال له عيسىعليه السلام : أما لك من ذنب ؟ فقال : والله ما عملت من شئ غير أني كنت ذات يومأصلِّي فمرَّت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلمَّا جاوزتني أدخلت إصبعي في عينيفانتزعتها واتبعت المرأة بها فقال له عيسى عليه السلام : فادع الله حتى أؤمِّن علىدعائك قال : فدعا فتجللت السماء سحابا ًثم صبَّت فسقوا وقال يحي الغسَّاني : أصابالناس قحط على عهد داود عليه السلام فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوابهم فقال أحدهم : اللهمَّ إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا اللهم إنا قدظلمنا أنفسنا فاعف عنا وقال الثاني: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنااللهم إنا أرقاؤك فاعتقنا وقال الثالث : اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نردَّالمساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا تردَّ دعاءنا ؛فسقوا وقال عطاء السلمي : منعنا الغيث فخرجنا نستسقى فإذا نحن بسعدون المجنون فيالمقابر فنظر إليّ فقال : يا عطاء أهذا يوم النشـور أو بعثـر ما في القبور؟ فقلت : لا ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقى فقال : يا عطاء بقلوب أرضية أم بقلوب سماويةفقلت: بل بقلوب سماوية فقال: هيهات يا عطاء قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقدبصير ثم رمق السماء بطرفه وقال : إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولكنبالسرِّ المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك إلا ما سقيتنا ماءاً غدقاًفراتا تحيي به العباد وتروي به البلاد يا من هو على كل شئ قدير قال عطاء : فمااستتمَّ الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجاءت بمطر كأفواه القرب فولَّى يقول :

أفلح الزاهدونا و العابدونا \ إذ لـمولاهم أجاعواالبطونا
أسهروا الأعين العليلة حبَّا \ فانقضى ليلهم وهم ساهرونا
شغلتهمعبادة الله حتى \ حسب الناس أن فيهم جنونا
وقال ابن المبارك : قدمتالمدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم : إذ أقبل غلام أسود عليهقطعتا خيش قد ائتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول : إلهي أخْلَقَت الوجوهَ عندك كثرةُ الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنَّا غيث السماءلتؤدب عبادك بذلك فأسألك يا حليماً ذا أناة يا من لايعرف عباده منه إلا الجميل أنتسقيهم الساعة الساعة فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبلالمطر من كل جانب ويروى أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس فلما فرغ عمر من دعاءه قالالعباس :اللهمَّ إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقدتوجَّه بالقوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنتالراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورقَّ الكبيروارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوافيهلكوا فأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فما تَّم كلامه حتى ارتفعتالسماء مثل الجبال .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى