(بقينا واحد).. بقلم عبد اللطيف البوني

السودان اليوم:

جاء في صفحة (كوكتيل) بصحيفة (السوداني) الصادرة يوم الثلاثاء 20 نوفمبر المنصرم، وفي مقابلة مع مأذون متقدم في العمر، وُصِفَ بأنه أقدم مأذون في الخرطوم، أن دفتر الزواج عنده أصبح يُقابل ثلاثة دفاتر طلاق، بمعنى أنه مقابل كل زيجة واحدة هناك ثلاث حالات. لا أدري إلى أيِّ مدى يمكن تعميم هذه الإحصائية؟ فقد يقل المعدل أو ربما يزيد من مأذون لآخر، فشبه المؤكد أن حالات الطلاق كادت تُماثل حالات الزواج. هل يُمكن أن نقول (فيفتي فيفتي)؟ طيب بلاش، فلنقل إن الطلاق أقل من الزواج، ولكن هذا لا يمنعنا من الجزم بأن حالات الطلاق أصبحت كثيرة جداً مُقارنةً بسنوات مضت، لا بل يُمكننا أن نجزم بأنها في حالة تزايد من عام لآخر، وقد عبَّرَ أحد الأصدقاء عن الظاهرة قائلاً: (الزمن دا كلما تلاقي ولد عرّس ليه سنة أو سنتين وتسألوا تقول ليهو: ما بقيتوا تلاتة؟ يقول ليك: بقينا واحد)، عليه يُمكننا القول إن هذا الأمر يحتاج إلى وقفة وتأمل ثم تحرٍّ واستقصاء، ومن ثم محاولة العلاج للحدِّ منه، فقد أصبح ظاهرةً مُقلقة (ولا في زول شايف الطلاق حاجة كويسة؟).
(1)
قرأت عدداً من المقالات وسمعت برامج إذاعية وتلفزيونية تتحدث عن موضوع الطلاق، ولكنني لم أقف على دراسة علمية تقوم على الإحصاءات والأرقام، تتناول هذا الموضوع، لا بل لم أقف على ورشة أو سمنار أكاديمي عقدته جهة مختصة أو مؤسسة بحثية، لكن حسب علمي فإن وزارة الرعاية الاجتماعية الاتحادية وبصورة أكبر الولائية العاصمية، لها مسوحات ودراسات ميدانية حول هذا الأمر، ولكن الأمر المؤكد أن أياً من هاتين الوزارتين لم تشرع في تفعيل علاج لهذه الظاهرة (ولا أنا غلطان يا دكتورة أمل البيلي؟). على العموم وللإحاطة بهذه الظاهرة، لا بد من دراسات مناطقية تفصيلية علمية ثم بعد ذلك محاولة الحد منها بالحلول الناجعة، وليس هناك مستحيل، فكثير من الظواهر الاجتماعية تلاشت بالوعي والمعرفة، فوضع الظاهرة في بؤرة الضوء يقطع نصف الطريق لمُعالجتها وأخشى ما أخشاه أن يحدث إنكارٌ لها بأن يقول أحدهم إن في الأمر تهويلاً و(الشغلانة بسيطة) والأسرة السودانية العاصمية ما زالت مُتماسكة و(القشة ما عترت ليها).
(3)
أكثر من الإنكار، أخاف من الكسل الذهني واستسهال الحلول، وكان يكتب أو يصرح أحدهم بأن انتشار الطلاق راجعٌ للحالة الاقتصادية والأزمة التي نعيشها، بدليل أن الحالات التي تَصدر من المحاكم سببها الإعسار والغياب، كما يأتي في الصحف. نعم للأوضاع الاقتصادية تأثيرها دون شك، لكن ماذا أنتم قائلون إذا ثبت أن حالات الطلاق في الأسر ذات الحالة الميسورة أكثر من تلك الفقيرة؟ فقط لأن الفقيرة مُعرّضة لـ(شيل الحال).. هاك يا محاكم وهاك يا مُجابدة، فميسورو الحال يذهبون للمأذون، ويفكّون الارتباط من سكات. قبل عدَّة سنوات أمدَّني الصديق العزيز الأستاذ/ عبد الماجد عليش بمكتوب جاء فيه أنه في بعض الأحياء الراقية في العاصمة من يعتزمن الطلاق قبل الزواج، بمعنى أن الواحدة لا تؤمن بمُؤسَّسة الزواج أصلاً، ولكنها تُريد طفلاً أو طفلين، فتختار من سيطلقها، وبعد تحقيق الهدف (تركبوا التونسية)، وأخشى وخشى ما أخشاه أن يكون هناك اتفاق على الطلاق قبل الزواج، أما عن المعالجات فقد سمعت ومن خلال التلفاز ذات مرة شيخاً يُدعى علي الجاك، قال إنهم قاموا بدراسة ميدانية، فوجدوا أن أقل حالات الطلاق موجودة في منطقة شرق النيل (سوبا شرق العليفون و..)، وبعد تقصٍّ أرجعوا السبب إلى أن العرسان لا يَزفُّون عروساتهم بل يمكثون مع مع نسابتهم سنين عددا، بمعنى أن الآباء يبنون لبناتهم عندهم، وبعد أن تلد الواحدة عدداً من الأطفل ترحل إلى بيتها الخاص. سمعتُ أحدهم ذات مرة يقول إن استقلال المرأة اقتصادياً زاد مُعدَّل الطلاق. على العموم، إياكم والكسل الذهني، وعلينا إعمال العقل للإحاطة بالظاهرة، ومن ثم علاجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى