بسبب امتحانات الشهادة السودانية.. (6) آلاف مقعد شاغر بكُلِّيات الهندسة!!

السودان اليوم:

نباءٌ مُجلجل مرَّ (وسط الزحام) بين أخبار مُحبطة كثيرة أمسكت بتلابيب بلدنا في الفترة الأخيرة، يقول النبأ الصادرُ عن وزارة التعليم العالي إنَّ (6) آلاف مقعد شاغر بكليات الهندسة بالجامعات السودانية، أما السبب فهو تدني نتيجة طلاب الشهادة الثانوية بمادتي (الفيزياء ــ الرياضيات)، الوزارة قالت إنها سوف تستعيض بمادة الأحياء للدخول للكليات الهندسية حلاً للمشكلة.
عُقدة السنين
محمد الحسن طالب بكُلية الآداب يحكي لـ (السوداني) قِصة حُبِهِ لمساقهِ العِلمي وحُلمهِ الذي يُخطط لهُ اليوم تُلو الآخر بأن يُصبِح لهُ شأن في المجال الهندسي بهذهِ البلاد، محمد شكا لـ (السوداني) أن مادة الرياضيات وقفت أمام آمالهِ العِراض وأصبحت بمثابة حائط صد لها، مُشيراً إلى أنهُ لتدارك مِحنتهِ استعان بِمُدرسين خصوصين مشهود لهُم بالكفاءة بمنزل أُسرتهِ لكن باءت كل مُحاولاتهِم بالفشل في تيسير فهم وتبسيط تلك المادة التي استعصت عليهِ تماماً، محمد يتحسر على نفسهِ بأنهِ إحدى ضحايا منهج وأساتذة مادة الرياضيات بعد ماضاعت آمالهِ سُدًى بدخول كلية الهندسة، بعدِ ما استقر بهِ المقام أخيراً بكلية الآداب وتخصص في الترجمة، محمد يرجح بأن الخلل يكمُن في المُعلم وكيفية توصيل فهم المعلومة للطالب ومدى المرونة في تذليل صعابِها.

طُرق تدريس:
يقول “إمام الخليفة” طالب جامعي بكلية الهندسة لـ (السوداني) إنهُ بفضلِ أساتذتهِ في مرحلتي الأساس والثانوي نال مُبتغاه ودخل كلية الهندسة، وأضاف الخليفة أن مُدرسي مادة الرياضيات كانوا على قدر عالٍ من المسؤولية، الأمر الذي جعل الطُلاب يتعلقون بالمادة وأساتذتِها حتى وصلوا مرحلة (القريفة) ، مُبيناً أنها أصبحت المادة المفضلة لجميع طُلاب الفصل، مُنوهاً إلى أن الأساتذة لهم أسلوب جذاب والقدرة والصبر على التلاميذ المتعثرين ومساعدتهم بالتكرار ووضع حلول مُبسطة يسهل على الطالب الفهم دون حرج من أقرانهِ .
الخليفة يُقِر بالاختلاف في مادة الرياضيات بين المستوى الثانوي والجامعي ومدى التعقيد بينهُما لذلك يعتقد بأن ولوج كليات الهندسة يحتاج لطُلاب مُتميزين فيها، مؤكداً بأن هنالك الكثيين من رِفاقهِ بالكلية يعانون الأمرين فيما يختص بحمل مواد الملاحق وينتهي بهِم الأمر بالإعادة أو الفصل.
أخطاء منهجية:
من جانبهِ أكد الخبير التربوي إبراهيم سعيد لـ (السوداني) وجود أخطاء بمنهج مادة الرياضيات الحالي، وطالب سعيد بترميم أو إلغاء هذه الطبعة التي تُدرس، وإعادتها بطبعة جديدة مُنقحة، واقترح الرجل على الدولة الاستعانة بخبرات خارجية مؤهلة، كما يُمكن الاستعانة بمناهج الدول المُجاورة، وأردف الرجل بأن الطُلاب يحتاجون إلى مناهج متسلسلة منطقية تراعي الأعمار ومستوى فهم الطُلاب، مُشيراً إلى أنه في عهد تدريسهم للمادة كانوا يقومون بتدريس (حصة) رياضيات وحيدة يقوم الطالب باستيعابها، أما الآن يقوم الأساتذة بتدريس (4) حصص خلال الأسبوع الواحد لمادة الرياضيات ومستوى الفهم لدى الطُلاب أدنى من طُلاب الحصة الواحدة في السابق.
ونوه الرجل إلى أن مادة الرياضيات لها ارتباط وثيق بمادة الفيزياء، لافتاً إلى أن بعض الطُلاب يهربون منها ويستعيضون بمواد أُخرى كمادة العلوم العسكرية لسهولة الفهم وزيادة نسبة التحصيل فيها. وعاب الرجل على المُعلمين طرق التدريس التي يتبعونها التي تعتمد على (الحِفظ والتلقين) وانتشار عدوى المدارس الخاصة التي جعلت الطالب عبارة عن ذاكرة حفظ فتقوم بتحفيظهِ المسائل في مواد الرياضيات والفيزياء مثل حِفظهِ لمادة القرآن. ووصف الرجل طرق التدريس بأنها فاشلة وسبب رئيسي في تدني مُستوى الطُلاب. وعن الاستعاضة بمادة الأحياء فيقول لا يُمكن لها أن تُصبِح حلاً نسبة لبُعدها عن الدراسات الهندسية، وأردف إذا تقطعت السُبل يُمكن وضع امتحان تكميلي لمادة الرياضيات لدخول الكليات الهندسية أو كورسات لتعديل المستويات بعد دخول الكليات عوضاً عنها بمادة الأحياء.
مُعالجات مشروطة:
ويقول عميد كلية الهندسة بجامعة إفريقيا السابق بروفسير الزين أحمد الزين لـ (السوداني) لا يوجد ما يمنع من معالجة شواغِر كُليات الهندسة واستعاضتِها بمادة الأحياء بشرط أن أن يكون مُستوى الطالب يوحي بأنهُ سوف يتدرج للأمام في كليات الهندسة، مُشيراً إلى أنه إذا بلغت نِسبة الكلية للطالب 90% ونسبة الرياضيات 50% هنا تظهر المُشكلة ، لذلك لا بد من وجود نِسبة مُعتدلة تسمِح لهُ بولوج كُليات الهندسة بكل شفافية، ويمكن بعدها تعويض فرق النسبة بزيادة جرعة التدريس من (كورسات) في الفرقة الأُولى والثانية حتى يجد نفسهُ تأقلم مع المنهج الدراسي بالكلية، وفيما يختص بأساتِذة الرياضيات فهم نواة الكليات الهندسية وإحدى ركائزها لذلك يجب اختيارهم بدقة مُتناهية وتأهيل عالٍ يُراعى فيهِ كيفية النقلة بين طالب الثانوي وطالب الجامعة في طرق التدريس ووضع المادة الخام التي يجدها أمامهُ لأن نجاح الطالب يتطلب أُستاذاً كُفؤاً في كيفية توصيل الفهم ووضع الامتحانات، وأقر بأن مادة الرياضيات تحتاج التعمق في التدريس واختصار كُثير من المسائل والبُعد عن المسائل المُستهلكة التي تؤدي إلى إرهاقهِ دون جدوى.
قرار خاطئ:
ويقول أُستاذ الرياضيات بجامعة غرب كُردفان خليل عبدالله لـ (السوداني) إن قرار استعاضة التعليم العالي بمادة الأحياء بديلاً لمادتي الرياضيات والفيزياء في دخول كُليات الهندسة غير صائب، وحسب قولهِ لا بديل لمادة الرياضيات إلا الرياضيات ، ونوه إلى أن مُشكلة مادتي الرياضيات والفيزياء سوف تظل قائمة طالما هُنالك نظريات ومُعادلات رياضية، مُشيراً إلى وجود مُشكلة أكاديمية تواجه جميع الطُلاب في المُستويات الجامعية المُتقدمة حتى أصبحت عُقدة نفسية للكثيرين مِنهُم، مؤكداً عدم توفر أساتِذة أكفاء للرياضيات في الولايات عكس العاصمة التي تضج بهِم مما أثر على ضعف تحصيل الطُلاب في الأقاليم ، موضحاً أن من يبحثون عن حلول عليهم إرجاع نظام (الجذر التربيعي) السابق فهو أجدى من مادة الأحياء.
فوق الخيال
وقال مُعلِّمٌ مُتقاعد – فضَّل حجب اسمه- لو كان الخبر يتحدث عن الكليات الأدبية ربما كان معقولاً، ولكن الكليات الهندسية وستة آلاف شاغر هذا فوق الخيال ، مضيفاً أن هنالك جامعات ليس بها (معامل) في ولايات السودان يأتون بالطلاب إلى العاصمة لمدة شهر للدخول في الدراسة العملية لأنها تمثل 50% من الدراسة، ويمضي بقوله إن الأساتذة في المدارس هم سبب رئيسي لعدم تفوق أو فهم الطلاب للمادة لأنهم يعتمدون على الدروس الخصوصية، يأتون للمدارس صباحاً يقضون بها ساعات ويخرجون لقضاء معظم أوقاتهم بالدروس الخصوصية لأن المرتبات كما يقول البعض بسيطة جداً وأن إدارة المدارس تعلم بذلك لا تجبرهم على البقاء وتطلق سراحهم ويعملون (قدر المرتب) ، وعندما يحتاج الطالب لفهم مسألة استعصت عليه لا يجد المعلم بالمدرسة، لذلك أرجع وأقول إن انهيار التعليم عام وغير مرتبط بمادتي (الفيزياء ـــ الرياضيات) .
من المُحررة:
أخيراً اتجهنا صوب وزارة التعليم العالي حيث اتصلنا على المكتب الإعلامي للوزارة للحديث معهم في الأمر وتوجيهنا للإدارة المختصة لكن بعد عدة اتصالات طلب مسؤول الإعلام الرجوع إليه مرة أخرى نسبةً لانشغاله باجتماع، وبعد الرجوع إليه طلب أخذ خطاب من الجريدة لهم حتى يتم التحويل للمختص وبالفعل توجهنا بخطاب لهم وهو إلى الآن داخل المكتب الإعلامي بغرض التنسيق –حسبما قال- ، لكن رغم ومحاولاتنا وانتظارنا الذي امتد لأسبوعين إلا أنهم لم يفيدونا ولو بكلمة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى