بحث عن التفكير الدينى وعلاقته بالإدمان

المقدمة:
قد يبدو في الآونة الأخيرة التفكير الديني نوعًا من الوجاهة الاجتماعية وخصوصًا بعد انتشار العديد من التيارات المختلفة والتي تدعو كل منها إلى توجه قائم بذاته، متجاهلين في ذلك الحديث الشريف القائل بأننا في النهاية يجب أن نتبع الشعبة الرابحة عند الله ورسوله – عليه الصلاة والسلام- وننتهج نهج أهل السنة والجماعة.

وعند دراسة الفكر الديني وتوجهاته الحديثة تلك يجب أن نبحث في فلسفة العلم ذاته، فالدين كفلسفة مختلف تمام الاختلاف عن أي منظور آخر للدين بوجه عام، وسنتناول الفلسفة الدينية بوصفها نهج تفكير كما أسلفت الذكر، وعلاقتها بسيكولوجية الإدمان في المجتمع، حيث أن تلك الفلسفة هي النهج الذي يُقدم التفسيرات المختلفة لمعظم الظواهر التي تدور حولنا من خلال طرح الأسئلة العميقة حول ماهية الأشياء وكيفية حدوثها.

ولنبدأ بالطريقة الفلسفية الصحيحة سنقوم بطرح عدد من التساؤلات التي سأجيب عليها خلال بحثي هذا:
1- ما هو التفكير الديني السليم في ظل التحديات الراهنة وتنوع الاتجاهات؟
2- كيف يُعالج التفكير الديني مشكلة الإدمان في المجتمع؟

من هنا سنبدأ بتفصيل كل تساؤل وسأُجيب عليها خلال السطور القادمة.

التفكير الديني:
يُعرف التفكير الديني بأنه إيديولوجيا تتكون من الرؤى والمعتقدات الثابتة بالنصوص القطعية أو الشرعية أو حتى الاجتهادات الشخصية من عُلماء وباحثي الدين.

الدين أم التديّن؟!!!
عندما نتساءل عما إذا كنا نبحث في الدين، أم عن التدين في مجتمعاتنا سنجد أننا أمام مفترق طرق مشتت الروافد، حيث أن الإنسان العادي سيقوم بالإجابة المتوقعة من الجميع بأن الدين هو الانتماء إلى فئة أو ديانة أو اتجاه عقائدي معين، والذي من خلال اعتناقنا إياه سنكون ملزمين بالقيام بطقوسه وشعائره طبقًا لكل توجه قمت باختياره دون الآخر.

من خلال هذا المدخل سننطلق تجاه ما يجب أن نُفكر به من الجوانب الدينية، وإلام يمكن أن يُؤدي التوجه الديني والعقائدي للمجتمع لأبنائه.

النواهي والموجبات:
عند التفكير في العقيدة الإسلامية نجد أنها ظهرت في أرض قاحلة، تعامل فيها الإسلام مع أقسى أنواع المجتمعات وهي مجتمع قريش، والتي كانت تذخر حرفيًا بكل ما يمكن أن تجده من مساوئ مجتمعيه ومنحدرات ثقافية وانهيارات قيمية وأخلاقية.

كل هذا تعامل معه الإسلام في بداياته وانتصر لدين الحق وقام بتقويم المجتمع حتى يستطيع النهوض مرة أخرى بحضارة قوية جاسرة مشرقة بعيدة عن كل ما كان يشوب هذا المجتمع من شوائب عالقة من قديم الأزل.

أتى الإسلام وكانت الخمر مثلًا من الثوابت الرسيخة في المجتمع القريشي، وكان يقف لها بالمرصاد، ولكن عندما ننظر إلى هذه القضية بالذات سنجد أنها من القضايا العميقة التأثير، حيث أن الإسلام أخذ مواقف متنوعة عديدة تجاهها، وذلك بالتدريج من المنع عند الصلاة وإقامة الشعائر الإيمانية، ثم التعريف بأضرارها وتأثيراتها المُغيبة لعقل الإنسان ووعيه، وكيف أنها تأخذك لطريق الهلاك إلى آخره من التأثيرات التي من أجلها مُنع المسلمون من تناول الخمر.

وإنتهاءًا بتحريمها المُطلق والذي تم فيه تحريم تناولها تمامًا، بل ولُعن من يقوم بتناولها وسقايتها وصناعتها وتقديمها، كل ذلك تم بالتدريج، فما بالك بقوم قد اعتادوا تناول هذا السائل ويتم منعه عنهم بعد ذلك!

في الآونة الحالية تطل علينا مشكلات عديدة مثل مشكلة الخمر وتناوله، قامت الشريعة الإسلامية بوضع ضوابطها ولكن مع الانحدار العقائدي والتزعزع الثقافي والخلل في التوجهات الدينية وأيضًا فقدان الوعي الديني والافتقار إلى التفكير الديني الذي ذكرته آنفًا، تظهر هذه المشكلات بشكل سافق على سطح المجتمع، ولا يستطيع هذا المجتمع أن يتخلص من عورته أو حتى يواري سوءته.

الإدمان من الناحية الطبية:
يُعرف الإدمان بأنه الاعتياد على شيء ما سواء بتناوله أو باستخدامه أو بتكرار فعل ما بشكل زائد عن المُعدل الطبيعي، وهو ما أدى إلى انتشار ما هو سيء في المعظم خلال طبقات المجتمع. ونُشير هنا إلى أن الإدمان الطبي هو تناول عقار ما بشكل مُتكرر بدون وصف الطبيب إلى الدرجة التي لا يتمكن الإنسان من الاستغناء عن هذا العقار بها. ويكون في تناوله هذا الضرر البالغ على الصحة.

ومن أمثلة العقاقير التي يتم إدمانها في هذه الآونة والتي اتفق على منع استخدامها إلا بوصفات طبية مُحددة المدة من خلال وزارات الصحة ومنظمات الصحة المنتشرة حول العالم، وهي كالآتي:

حسب تأثيرها:
المنومات: مثل السلفونات، والكلورال، والباريبورات، وبرموميد البوتاسيوم.
مُسببات النشوة: مثل مشتقات الأفيون والأفيون ذاته.
المُهلوسات.
المُسكرات: مثل الكحول والبنزين.

أما حسب طريقة إنتاجها فهي كالآتي:
– مخدرات طبيعية أصلًا: مثل القات، والحشيش، ونبات القنب، والأفيون.
– مخدرات مركبة: والتي تصنع من عناصر كيماوية مختلفة ومركبات أخرى، وتؤثر نفس تأثير باقي المواد المخدرة المسكنة، والمهلوسة، والمنومة.
– مخدرات مصنعة: وهي التي يتم استخراجها من المخدر الطبيعي بعد أن تتعرض للعمليات الكيماوية التي تحولها إلى صورة أخرة مثل الهروين والمورفين والكوكايين.

وطبقًا للونها فهي تنقسم إلى:
– مخدرات بيضاء: مثل الهيروين والكوكايين.
– المخدرات السوداء: مثل الحشيش، والأفيون ومشتقاته.

وبحسب التركيب الكيميائي فهي تنقسم إلى ثماني مجموعات وهي:
أ‌. الحشيش.
ب‌. الأفيونات.
ت‌. المثيرات للأخابيل.
ث‌. الكوكا.
ج‌. الأمفيتامينات.
ح‌. القات.
خ‌. الباربتيورات.
د‌. الفولانيل.

وحينما نأتي على ذكر المخدرات يجب أن نذكر معها أعراض تعاطيها، والتي تظهر في المدمنين على تناولها، وهي تظهر على المُتعاطي للمخدر طبقًا لنوع المُخدر الذي يتناوله، وهي كالآتي:

• أعراض إدمان الإبر المُخدرة:
– خدر في الأطراف.
– ضعف الإحساس بالألم.
– الاضطراب والقلق المزمن.
– الشعور المستمر بالكآبة.
– التنفس البطيء.
– الإمساك الدائم.
– ظهور علامات الإبر على جسد المتعاطي.

• أعراض إدمان حبوب الهلوسة:
– ارتفاع معدل نبضات القلب.
– صعوبة الإدراك وترجمة الأحاسيس والاستيعاب.
– الرجفان.
– ارتفاع ضغط الدم.

• أعراض إدمان عقارات النظام المركزي العصبي:
– الكلام المبهم.
– الخمول.
– الاضطراب.
– التنفس ببطء وهبوط ضغط الدم.
– ضعف الذاكرة.
– الشعور بالدوران والدوخة.

ومن الواضح أن قوله عليه السلام: “كلُّ مُسكرٍ حرامٌ”. لا يُقصد به مجرد التسمية؛ لأن الرسول ليس واضعَ أسماء ولُغات، وإنما القصد منه: أنه يأخذ حُكم الخمر في التحريم والعقوبة.

والمعروف للناس جميعًا، أن تلك المواد المعروفة الآن “بالمخدرات”، مثل الحشيش والكوكايين والأفيون، لها من المَضار الصحية والروحية والإجتماعية والأدبية والعقلية والاقتصادية فوق ماللخمر، فكان من الضروري تحريمها في نظر الإسلام، وذلك إن لم يكن بحَرْ فِيَّةِ النصِّف بمعناه برُوحه، وبالقاعدة العامة الضرورية التي هي أولا لقواعد التشريعية في الإسلام، وهي دفْعُ المَضَارِّ،وسَدُّ ذرائعِ الفساد.

يوجد العديد من العوامل التي تؤثر على التفكير الديني وتُسبب تعاطي المخدرات، وأذكر أن المسؤولية الكُبرى تقع على عاتق الأسرة والمجتمع، والذي يؤثر ويُشكل شخصية الفرد ويحفر تفاصيلها، وإذا كان المجتمع حصين بتفكير ديني قويم وسليم بالطبع لن تتواجد به مشكلة إدمان إلا بأشكال طفيفة، وليس بذلك الشكل الفج الذي قد نراه في أيامنا الحالية، ومن أسباب تعاطي المخدرات:

1- ضعف الوازع الديني لدي المُتعاطي ومجتمعه.
2- غياب الأدوار التوجيهية والإرشادية التي تقوم بها المؤسسات التربوية والدينية.
3- رفقاء السوء.
4- التفكك الأسري.
5- الهروب من الفشل والمشاكل.
6- الفراغ والبطالة.
7- سهولة الحصول على تلك المخدرات.
8- وجود سابقة اضطرابات نفسية لدى المتعاطي.
9- الاغتراب.
10- سقوط المثل الأعلى.
11- التمرد السلبي والذي ينتج عن الفراغ المعنوي.
12- صدمة الوعي بالسلب عند الانهيارات النفسية.
13- فقدان الرقابة.
14- فقدان قيمة الجماعة.
15- فقدان المؤسسة التي لها مصداقية.
16- البعد الديني في تشكيل الشخصية، حيث أن الدين قد يكون طرفًا أو عاملًا لدفع الأفراد إلى الإدمان وذلك في حالة التعبئة المشوهة: مثل الانتماءات للجماعات المنحرفة التي تتستر بالدين واجهة لها.
17- فقدان الشعور بالبعد القومي.
18- الفضول أو الرغبة في التجربة.
19- المشكلات الاجتماعية والنفسية.

كل هذه الأسباب وغيرها تتسبب في الإضرار بالمجتمع وأفراده كل على حدة وفي الإجمال، وحينما نبحث في مُعالجة الدين والشريعة لمشكلة الإدمان سنجد في سرد مخاطر الإدمان في الشريعة وكيف قام المشرعون وعُلماء الدين والباحثين بالاستدلال بالنصوص الصريحة في هذا الشأن.

حيث تتضح أضرار الخمر في الآتي:
1. أنها تصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة:
حيث قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة:91].

وقد قال القرطبي–رحمه الله تعالى-: “أي: إذا سكرتم لم تذكروا الله ولم تصلوا، وإن صليتم خلّط عليكم”.

2. أنها تسبِّب البغضاء والعداوة:
حيث قال القرطبي–رحمه الله-: “أعلَمَ اللهُ –تعالى- عبادَه أن الشيطان إنما يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بيننا بسبب الخمر وغيره، فحذرنا منه ونهانا عنه”.

3. أن فيها إثماً عظيماً والذي يُسببه تغييب العقل:
حيث قال تعالى: {يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة:219].

ويضيف ابن عباس في تفسير هذه الآية: (يعني ما ينقص من الدين عند من يشربها).

ونستعرض قول السدي: “فإثم الخمر أن الرجل يشرب فيسكر فيؤذي الناس”.

وأضاف ابن جرير: “وإنما كان ذلك لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض، وقاتل بعضهم بعضاً”.

4. لها ضرر عظيم على العقل والبدن:
حيث يقول علماء الطب: أن الخمر توهن البدن وتجعله أقلَّ مقاومةً وجلَداً في كثير من الأمراض مطلقاً، وتؤثر في جميع الأجهزة، وخاصة الكبد، وهي شديدة الفتك بالمجموعة العصبية في جسد الإنسان، لذلك لا يستغرب أن تكون من أهم الأسباب الموجبة لكثير من الأمراض العصبية ومن أعظم دواعي الجنون والشقاوة والإجرام، لا لمستعملها وحده بل وفي أعقابه من بعده.

5. لها مضاراً اقتصادية على البلدان:
فيقول علماء الاقتصاد: إن كلَّ درهم نصرفه لمنفعتنا فهو قوة لنا وللوطن، وكل درهم نصرفه لمضرتنا فهو خسارة علينا وعلى وطننا، فكيف بهذه الملايين من الليرات التي تذهب سدًى على شرب المسكرات على اختلاف أنواعها.

6. الأضرار الصحية كثيرة جداً، منها:
أ‌. اضطراب الجهاز التنفسي ومسالكه والتهاب الشعب.
ب‌. هبوط عام في الجهاز المركزي.
ت‌. تصلب الشرايين.
ث‌. الضعف الجسمي.
ج‌. حرمان الجهاز العظمي من الكميات المطلوبة للجسم.

7. أضرار نفسية وهي كثيرة أيضا ًفمنها:
أ‌. يكون في حالة بكاء تتسبب في شلُّ الجسدَ عن الحركة حين تجيء هذه النوبة إلى أن يتعاطى المخدِّر.
ب‌. عند اقتراب موعد التعاطي يحدث أن تنتاب المدمن أعراض تشتد تدريجياً وهي مثل التوتُّر والشعور بقلق شديد والانقباض والهبوط العصبي لا يستقر المدمن معه.
ت‌. المدمن يكون دائماً ذليل في تهيُّج شبه دائم وتذلُّل حتى في شرائه لهذا المخدِّر، وقد يتألم إذا لم يتعاطاه.
ث‌. اعتقاد المتعاطي أنه قادر على كل شيء وقد يصل إلى اختراع أفكار وهمية أحيانًا.

8. أضرار اجتماعية ومنها:
أ‌. التسبب في حوادث السيارات؛ حيث أن تناوله يقرِّب البعيد في النظر والعكسفيبعِّد القريب أحياناً، ولهذا يقع الحادث ولا يشعر السائق.
ب‌. المخدرات غالبًا تعمل على تجسيم المشاعر والانفعالات، ومن أكثر المتعاطين يتأثرونبتهيُّؤاتهم والتي تتضخَّم إلى أقصى درجة، حيث يؤدِّي ذلك إلى عدوانه على الآخرين، لذلك هي باعث للجريمة.
ت‌. التفكّك الأسري وهو بسبب ما يحصل من المدمن من العدوان على قرابته وأهله وأولاده، بل قد تصل إلى والده ووالدته، ويكون هذا التعدي لدرجة العدوان بالقتل، أو إلى العرض بالهتك، فتفكَّك الأسر بذلك، وبهذا يؤدي بدوره إلى تفكّك المجتمع.

———————————————————————–

التفكير الديني ومعالجة مشكلة الإدمان في المجتمع
ويسمى في الشريعة جزء: التدابير الشرعية لحفظ العقل في باب العقوبات.

حفظ العقل:
إن العقل هو الذي ميز الإنسان واستحقَّ به الإنسان أن يكون خليفةً في الأرض، وأيضًا أن يُسخَّر له ما في السماوات والأرض بل والكون جميعه، وهو أيضاً مناط التكليف، حيث جعله الفقهاء شرطاً لصحة العمل، حيث لا يصحُّ العمل إلا به؛ ولذلك حرَّم الإسلام تناولَ الخمر ومشتقاته وكل مخدِّر، وشرع في ذلك الحد أو التعزير تأديباً لمتعاطيها وراحةً لغيره وحمايةً للمجتمع من خطرها ومحافظةً على أمن الأمة.

حُكم الإدمان والخمور في الشريعة الإسلامية:
قال الإمام البخاري–رحمه الله- في صحيحه: “باب ما جاء في ضرب شارب الخمر”، ثم أخرج بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-:أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين.

وأيضًا عن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر فصدراً من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا أو فسقوا جلد ثمانين.

وقال ابن حزم: “واتفقوا أن من شرب نقطة خمر وهو يعلمها خمراً من عصير العنب وقد بلغ ذلك حدَّ الإسكار ولم يتب ولا طال الأمر وظفر به ساعةَ شربها ولم يكن في دار الحرب أن الضرب يجب عليه إذا كان حين شربه لذلك عاقلاً مسلماً بالغاً غيرَ مكرَه ولا سكران، سكِر أو لم يسكر”.

وأضاف ابن قدامة: “يجب الحد على من شرب قليلاً من المسكر أو كثيراً، ولا نعلم بينهم خلافاً في ذلك في عصير العنب غير المطبوخ”.

وقال ابن حزم أيضاً: “واتفقوا أن الحد أن يكون مقدار ضربه في ذلك أربعين، واختلفوا في إتمام الثمانين، واتفقوا أنه لا يلزمه أكثر من ثمانين”.

عقوبة ترويج المخدرات:
وقدأدركت الأمم المختلفة التي وصلت إليها هذه المواد وما لها مِن آثار سيئة مدمرة تُقوِّض المجتمع، ومن هنا قامت الحكومات الساهرة على مصلحة شعوبها بمُكافحتها، حيث رصدت الأموال الطائلة،وبذلتِ الجهود المُضنية وذلك كله في سبيل القضاء عليها وعلى المُتاجرين بها، مما يجعلها في مصافِّ الجرائم الكبرى والتي قد تصل إلى أن تفتك بالمجتمع، وتقضي على جميع معاني الإنسانية فيه.

ومن أمثلة ذلك فقد قرَّرت هيئة كبار العلماء والتي مقرها المملكة العربية السعودية بالإجماع الآتي:
قتلَ مهرِّب المخدرات لما يسبِّبه تهريب المخدرات من فساد عظيم لا يقتصر على المهرِّب نفسه، وأضرار جسيمة وأخطار بليغة على الأمة بمجموعها، ويلحق بالمهرِّب الشخصُ الذي يستورِد أو يتلقَّى المخدرات من الخارج فيمون بها المروِّجين.

من النتائج التي ستترتب على تطبيق العقوبة على المدمنين لردعهم عن الإدمان:
1. صيانة العقول:
قال محمد بن عبد الرحمن البخاري: “وأما حدّ الشرب فهو مشروع لصيانة العقول، فإن العقل أعز الأشياء، به الثواب والعقاب والخطاب، فمن جنى عليه استحق العقوبة، فليس عقله ونفسه بخالص حقِّه، بل لله تعالى فيه حق التخليق، وللعبد حق الانتفاع، فإذا جنى على حق الله تعالى شرع الزاجر، فالله تعالى شرَّفه بالعقل وألحقه بالملائكة، بل فضل بعضهم عليهم، فهو بشرب الخمر ألحق نفسه بالبهائم، فجوزي بالعقوبة زجرًا له عن هذا الصنيع”.

2. قال الحافظ ابن حجر: “فيه علة تحريم الخمر”.

3. حفظ أرواح الناس وممتلكاتهم وأعراضهم من عبث أهل الخمور:
عن علي رضي الله عنه قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدتُ رجلا صواغا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجلٍ من الأنصار حتى جمعت ما جمعت فإذا أنا بشارفي قد أُجبَّت أسنمتهما، وبُقرت خواصرهما، وأُخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت المنظر، قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب، وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار عنده قينة وأصحابه، فقالت في غنائها: ألا يا حمزُ للشُّرُف النواء.
فوثب حمزة إلى السيف فأجبَّ أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما. قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت، فقال: ((ما لك؟)) قلت: يا رسول الله، ما رأيتُ كاليوم، عدا حمزة على ناقتيَّ فأجبَّ أسنمتهما وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيتٍ معه شرب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعتُه أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيتَ الذي فيه حمزة، فاستأذن عليه فأذن له، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمِل محمرَّة عيناه، فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعَّد النظر فنظر إلى ركبتِه ثم صعَّد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟! فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمِل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا معه.

خاتمة:
تبقى مشكلة الإدمان هي محور اهتمام الفكر الديني والذي يذهب دائمًا إلى إعمال ما هو في صالح الأمة، ويجعل محط اهتمامه هو الناتج القويم الذي يبني المجتمعات القوية التي لا يستطيع مع قوتها أي عادي أن يقوم أو حتى يُفكر في الاعتداء عليها.

ومع استعراضي لما سبق سنجد أن الأمة الإسلامية قد تكاتفت للحد من هذا الخطر المُحدق والذي يتربص بأبناء أمتنا وشبابها مما يُهددنا بكارثة نسأل الله السلامة والعافية من حدوثها.

وقد استعرضت في بحثي هذا العديد من العناصر الهامة التي تتمحور حولها قضية التفكير الديني وعلاقته بالإدمان كمشكلة عصرية لا تحتاج إلى مجرد مقالة أو بحث مكتبي، بل تحتاج إلى جيش مرصود لها حتى يقوم بالصد والانزواء بالمجتمع عن أركانها المترامية المدمرة للمجتمعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى