انطلق من كبوة الإحباط

* د. سمير يونس

في إحدى المحاضرات رفع المحاضر ورقة مالية ثمينة وسأل تلاميذه: من يرغب في هذه الورقة فليرفع يده؛ فرفع الجميع أيديهم.

فقال لهم: انتظروا، ثمّ أخذ الورقة وطبقها حتى “تكرمشت”، وتغيّر شكلها 

ثمّ سألهم: هل ما زلتم تريدونها؟

فأجابوا: نعم نريدها، فرمى النقود على الأرض في التراب،

وسألهم: مَن يريدها يرفع يده، فرفع الجميع أيديهم.

فقال الأستاذ المحاضر: لقد أردت بهذه الاستهلالة أن تتعلّموا درساً فهل 

أدركتموه؟

رفع أحد الطلّاب النجباء يده يريد الإجابة، فأذن له الأستاذ،

فقال: لقد تعلمت أنّ قيمة النقود ثابتة، لم تقل مهما سقطت النقود، وهكذا الإنسان منا، في مرّات عديدة يُسقطنا الآخرون أو نسقط على الأرض، فننكمش على أنفسنا، ونتراجع بسبب أخطائنا، أو كيد الآخرين، أو بسبب 
الظروف التي تحيط بنا، وحينها يشعر اليائسون منا أنّهم سقطوا ولن يرتفعوا بعد ذلك، وأنّهم لا 
قيمة لهم..


والآن أقول لهؤلاء اليائسين القانطين: قيمتكم هي هي، لم تفقدوها، ولم تنقص، لا تنسوا ذلك أبداً، لا تدعوا خيبة الأمل تصيبكم، ولا تسمحوا لليأس أن يتغلغل في نفوسكم، فقيمتك لا تقل بِنَيْلِ الآخرين منك كذباً وافتراء.

تذكر دائماً أنّه لو تحول الناس جميعاً – في بقاع الأرض بأسرها – إلى كناسين في الشارع، كي يقلّلوا من قدر الشمس أو يخفّفوا ضوء القمر فلن يفلحوا في ذلك أبداً، ولن يستطيعوه، وهكذا لو لاموك بألسنتهم، ولم تسلم من كيدهم.. فإن قدرك سيظل هو هو، بل ستزيد رفعة وشرفاً بصمودك وثباتك وصبرك، والأمل الذي يدفعك قدماً إلى طريق العلا، أجل سيرتفع قدرك لا في الأرض فحسب، بل في الأرض والسماء، وليس عند البشر أو عند ذاتك فحسب، بل سيزيد قدرك عند ربّ البشر جميعاً.

 لا تحقرن نفسك:

في كثير من الأحيان، عندما تدعو الناس إلى الإيجابية وإلى الإصلاح والتطوير، يرد كثير منهم:

وهل أنا من سيصلح هذا الكون؟ وماذا عساي أن أفعل؟ هي “خربانة.. خربانة”
فماذا نقول لهذا الشخص 
الذي يكرّر هذا القول ويستمرئ السلبية والإستسلام لواقعه لا أن يقول:

هل أنا أستطيع إصلاح الكون؟

إنّ الأحرى بهذا الشخص أن يقول: ما دوري في إصلاح الكون؟

لو أن كل شخص قال هذه العبارة الإيجابية وعمل بها بعد أن يمحو من معجم حياته السلبية التي عاش في شرنقتها لتغيرت أحوالنا تغيراً عظيماً في شتى المجالات: الإقتصادية، والإجتماعية، والعلمية، والأخلاقية، والسياسية.. 

وغيرها.

إنّ عبارة: “أنا لن أصلح شأن الكون” عبارة تعكس سلبية، وفقداناً للثقة بالنفس، وفيها تحقير من الشخص لذاته، واستهانة منه بقدراته وإمكاناته التي وهبه الله عزّوجلّ إيّاها.

.. إنّ هذه العبارة السلبية لو أدرك قائلها معناها.. لكفَّ تماماً عن ترديدها.

إنّك عندما ما تردد هذه العبارة تتهم نفسك بالضعف، وتقلّل من شأنك.. إنك عندما تردد هذه العبارة وتعمل بها إنما تكون بذلك قد وضعت قدميك على بداية طريق اليأس، ولا تدري ماذا بعد اليأس، 

فـ (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87)..

فلا تضع قدميك على طريق اليأس 

وتحقير الذات، بل أحسن النية بخالقك ورازقك وراعيك سبحانه، وتضرع إليه بالدعاء، وخذ بجميع 

الأسباب التي في استطاعتك، واستجمع قدراتك ووظف مواهبك، وتحول من بداية طريق تحضير 

الذات واليأس إلى طريق آخر مشرق مُنْج سارٍّ هو طريق الثقة بالذات والأمل في النجاح.

تذكر دائماً أنّك مخلوق كرّمه الله، فأنت مُكَرّم من خالقك:

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ 
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70).

تذكر دائماً أنّك موجود، أجل.. والله عزّوجلّ هو مَنْ أوجدك، فليس المطلوب منّك إيجاد نفسك، بل المطلوب أن تؤدِّي رسالتك لتكوين ذاتك، وأداء دورك الذي من أجله أوجدك ربُّك سبحانه.

يقول “جورج باتون“: إنّ الله عزّوجلّ منحك الحياة لتكوّن نفسك، لا لأن توجد ذاتك، لأنّ الله هو الذي أوجدك.

إنّ تاريخ الأنبياء وأحداث الحياة لتؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الفرق – بين مَن أفادوا البشر 

وأصلحوا البشرية وبين مَن عاشوا وماتوا ولم يشعر بهم أحد – هو أنّ الفريق الأوّل كان يثق بذاته ويملؤه الأمل بعد أن طرد الضعف واليأس من داخله.

إياك أن تحقر من ذاتك، فرسولنا الكريم يقول:

لا تحقرن من المعروف شيئاً” (رواه البخاري ومسلم).

إذن، ماذا يجب أن تقول؟

قل: نعم.. أنا سأسهم في إصلاح الكون بعون ربّي، وقل لنفسك دائماً: 

إنّ لي دوراً في إصلاح هذا الكون الفسيح، فلا يصح أن أُخمِدَه بكلماتي أو نظراتي أو تصرُّفاتي السلبية، إنّك بذلك تستطيع أن تنجح، وأن تنقل نفسك من محطة الإحباط إلى طريق الأمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى