النقود… الوقود.. الدقيق.. الدواء… عندما تصطف الازمات..

السودان اليوم:

عندما تصْطفُّ الأزمات!!
منذ أن خلق الله السودان لم (تحاصره) أربع أزمات في آن واحد: الأولى في السيولة ما جعل الثقة في النظام المصرفي تهتزُ – ربما لدرجة الفقدان -، الثانية في الوقود حيث لم (يتعايش) الناس من نقص (الجازولين) ليفاجأهم (البنزين) بصفوفٍ تتمدَّدُ كل يوم، الثالثة في الدقيق الذي بسببه أيضاً تطاولت الصفوف وتعطَّلت حياة الكثيرين، والرابعة الدواء وفي هذا يكفي قول وزير الصحة الاتحادي عن نفاد (34) صنفاً بالمخزون (الاستراتيجي) -الصندوق القومي للإمدادات الطبية- والكارثة أن جميع هذه الأصناف من الأدوية مُنقذة للحياة.

النقود.. والصف الممدود!!
إنْ جاز لنا البداية بأزمة السيولة التي أطلَّت برأسها منذ شهر فبراير الماضي بعد أن نفَّذت الحكومة إجراءات غير معلنة بتحجيم السيولة لدى المواطنين، وقد كان الغرض من ذلك إيقاف تدهور العُملة المحلية أمام الدولار، وشملت تحديد سقوف لسحب الودائع المصرفية وتجفيف الصرافات الآلية. لكن بحسب مواطنين وموظفين فإنَّه بجرد حساب للتجربة التي مرَّت عليها حوالي عشرة أشهر لم تأتِ بأيِّ نتائج إيجابية، بل على النقيض تماماً مضت الأمور حيث ازدادت المشكلة تعقيداً.
يقول (أ/ع) موظف بالبنك الزراعي بإحدى الولايات، إن ابنه يدرس بجامعة في ولاية كسلا ونسبةً لقُرب موقعها من فرع بنك العُمال، فتح له حساباً وظل يرسل له مصاريف الدراسة عبره، لكن عدة متاريس ظلت تقف في طريق ابنه مؤخراً بسبب عملية السحب، واستدلَّ بآخر مشكلة واجهتهما حيث قال: أرسلت لابني مبلغ ألف ومائتي جنيه، وعندما أدخل بطاقة الصرَّاف الآلي لسحبها لم يجد مليماً واحداً، بعد ذلك ذهب للبنك و(استجدى) الموظفين قبل أن يُخبرهم بأنه (طالب) وبالتالي فهو في أمسِّ الحاجة إليه، لكن رغم (رجاءاته) لم يصرفوا له جنيهاً واحداً وحُجَّتهم أنه لا توجد لديهم سيولة.
قِصَّة أخرى (حكاها) تجار قال إنه كان يقود عربته بشارع الوادي بأم درمان، فأوقفه شُرطي المرور وسجَّل له ثلاث مُخالفات، فأذعن الرجُل للأمر وأخرج من (دُرج) العربة دفتر شيكات وحرَّر منها واحداً بمبلغ (300) جنيه ثم سلَّمه للشُرطي لكن الأخير رفضه جُملة وتفصيلاً وتمسَّك بـ(الكاش الذي يُقِّلل النقاش)، فما كان منه إلا أن ترك عربته مع (الناس الحركة) في الشارع العام، وذهب للبنك طالباً منهم سحب المبلغ حتى يتمكَّن من (تحرير) عربته، لكن (ناس البنك) ردُوا عليه بالعبارة الشبيهة بالرد الآلي للهاتف (لا توجد لدينا سيولة). فقال الرجُل: (والله أنا مشكلتي مشكلة.. قروشي في البنك وعربيتي عند ناس الحركة والاتنين رفضوا يدُّوني ليهن).
الوقود.. أزمة (مُشتعلة) باستمرار
ولم يبعُد تاريخ أزمة الوقود كثيراً عن (رفيقتها) – السيولة – بل إن الأولى هي الوليد الشرعي للثانية بحسب كثيرين، لكن الجديد فيها الآن هو تمدد صفوف الجازولين والبنزين معاً، حيث يقول أحد العاملين بمحطة وقود النحلة ببري لـ(السوداني)، إن أزمة الجازولين موجودة منذ أشهر وقد اعتاد الناس على (التعايُش) معها، لكن الجديد في أزمة الوقود الآن هو دخول (البنزين) في (مصفوفة) المشكلات.
ويبدو أن ضحايا أزمة الوقود ليسوا هُم المواطنون وأصحاب المركبات العامة والخاصة وحدهم، بل حتى (الكماسرة) لم يسلموا منها، حيث يقول أحمد (جَخ) –كمساري في حافلة كبيرة تعمل في خط الجرَّافة العربي – لـ(السوداني): لقد ظللنا نتعرَّض بسبب أزمة الوقود إلى مشكلات لا حصر لها مع المواطنين، إذ نقضي نصف يومنا في الصفوف وبالتالي نضطرُ إلى زيادة التعرفة لتعويض (فاقد الزمن) مع غلاء الإسبيرات وضغوط المعيشة التي يعرف تفاصيلها كل الناس، لكن المواطنين (يتحجَّجون) بالتعرفة القديمة ويتمسَّكون بها رغم علمهم أنها لا تُسمن ولا تُغني من جوع. وناشد (جخ) الحكومة بوضع حل جذري لهذه المشكلة حتى لا يقع ما لا يُحمد عُقباه بين المواطنين من جهة، والكماسرة وسائقي المركبات من الجهة الأخرى.
من ناحيته قال محمد عبد الرازق سائق حافلة روزا بخط الخرطوم بحري لـ(السوداني)، إن أزمة الوقود وتحديداً الجازولين هي في الأصل موجودة منذ بداية هذا العام، وأضاف: من الخطأ أن نقول عودة الأزمة لأنها أساساً موجودة وبكثرة، بدليل أن المركبات الخاصة والعامة تقف بالمئات أمام المحطات، وأكد أنهم في بعض الأوقات “ينامون بالمحطات”، وبسبب البنزين ازداد تكدّس العربات أمام المحطات حتى أغلقت بعض الشوارع الرئيسية وأعاقت حركة المرور.
الخُبز.. صفوف الساعات الأولى من الصباح
سالم السماني خير الله قال لـ(السوداني)، إن منظر الصفوف بالمخابز رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً، منذ طلوع الشمس وحتى المساء، ظل مألوفاً لدرجة أنه لا يُلفت انتباه أحد، لكن ما هو غريب حقاً أن تجد مواطنين يقفون في صف طويل جداً، وفي تمام الواحدة صباحاً فهذا ما لم نكن نتوقعه مُطلقاً، وأضاف أنه أتى من مناسبة اجتماعية، وبينما كان يستقلّ حافلة صغيرة (مواصلات) مرَّ بشارع الوادي وتحديداً محطة المهداوي فوجد صفاً طويلاً من المواطنين يقفون أمام مخبز (العالمي)، ما جعل كل الرُّكَّاب يتساءلون: هل وصل بنا الحال لهذه الدرجة؟ علماً بأن سعر الرغيف زاد قبل أقل من عام بنسبة 100% ومضى أحدهم بصريح العبارة قائلاً: حكومة ما قادرة توفِّر رغيف القاعدة ليها شنو؟!
من ناحيته قال صاحب مخبز ببحري حي الدناقلة مالك عبد الله لـ(السوداني): إن هناك تجدداً في الأزمة منذ أسبوع نتيجة للنقص الكبير في الكمية الموجودة من القمح بالمطاحن –حسبما قال لنا- بعض الوكلاء إن “إنتاج دقيق القمح ضعيف”، ولفت إلى أن إنتاج شركتَي ويتا وسيقا للدقيق الآن (50%) ولا يوجد أحياناً. أما شركة سين فحصتها كاملة لكن بسبب الضغط عليها لا يحس الناس بإنتاجها في بعض الأحيان، مشيراً إلى أن العمل بالمخابز تراجع إلى (65%)، بسبب أزمة الدقيق، نافياً وجود مصالح لأصحاب المخابز من وراء تخزينه أو عدم صناعته كله خاصة أن عليهم التزامات مصروفات تشغيل وعمال.
واعترف رئيس اتحاد المخابز بدر الدين الجلال تراجعاً في حصص دقيق المخابز لكن وصفه بـ(الطفيف)، نافياً في حديثه لـ(السوداني) انعدام القمح بالمطاحن، وأوضح أنهم جهة مسؤولة من الحصص فقط، أما الوفرة وعدمها في القمح فيتم تحديدها من قبل المطاحن وهي مسؤوليتهم، وأكد أنه لم يخطروهم بأن هناك إشكالية في القمح.
مُفارقات الدواء!!
أما الحديث عن أزمة الدواء فقد لخَّصها وزير الصحة الاتحادي محمد أبو زيد حين أقرَّ أمام البرلمان في الأسبوع المنصرم عن توقف (33) شركة تعمل في الدواء، من التعامل مع الإمدادات الطبية لحين سداد المديونية السابقة البالغة (34) مليون يورو، والتي تراكمت منذ بداية العام 2018م، وكانت تُورَّدُ بالدفع الآجل.
وبينما سُئل الوزير عن انعدام مصل التياتنوس، زاد الرجُل (السادة نُوَّاب البرلمان)، زادهم من الشعر بيتاً حين قال: ليس هذا المصل وحده، بل أُخبركم بنفاد عدد الأصناف من الوزارة لدى مخزونها بالصندوق القومي للإمدادات الطبية حيث بلغت (34) صنفاً وجميعها من الأدوية المنقذة للحياة، إضافة إلى (27) صنفاً يكفي مخزونها لمدة شهر واحد فقط، و(41) صنفاً يكفي مخزونها لمدة شهرين، مؤكداً أن الأصناف المتأثرة بالموقف بلغت (97) صنفاً. وقال الوزير إن المبلغ المطلوب لاستيراد الأدوية التي لا يقبل موردوها إلا بالدفع المقدم (19) مليون يورو.
المُحزن جداً في أمر الدواء هو أن إجمالي المبلغ المطلوب بصورة عاجلة لتوفير الدواء (53) مليون يورو، وهو مبلغ – ربما – يحتاج التجار إلى ضعفه؛ فقط لاستيراد (كريمات تبييض البشرة).
لكن رئيس شعبة الصيدليات السابق د.حمدي أبو حراز قال لـ( السوداني)، إن مشكلة الدواء (أعقد) بكثير مما قال وزير الصحة الاتحادي بالبرلمان. وأكد أبو حراز أن الأصناف التي حدثت فيها نُدرة وانعدمت منذ بداية هذا العام تجاوزت الـ(400) صنف دوائي، وفشلت حتى الإمدادات الطبية في إحداث الاكتفاء منها، وأهمها أدوية الأمراض النفسية والعصبية ومرضى الصرع والشلل الرعاش. ولفت أبو حراز إلى أن الأزمة التي أقرت وزارة الصحة على لسان الوزير بدأت منذ العام 2016م، حينما رفع بنك السوداني المركزي يده عن توفير دولار للشركات للاستيراد وتركها تصطلي بنيران السوق الأسود الذي لا يستقر فيه السعر يومين على التوالي ويمضي نحو الصعود بلا كوابح. ووصف أبو حراز في حديثه لـ(السوداني) أزمة الدواء بالحادة والتي تهدد الأمن القومي الصحي بالبلاد، مشيراً إلى أن الحل أمر واحد لا ثاني له وهو أن تضطلع الدولة بدورها في توفير ميزانيات للدواء ودولار للشركات للاستيراد وضمان وصوله للمواطن بأسعار مناسبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى