النجاة فى طاعة الله ورسوله هي الأمن والأمان الخطيب صالح آل طالب

آثار الذنوب والمعاصي

صالح بن محمد آل طالب

مكة المكرمة

28/5/1425

المسجد الحرام

ملخص الخطبة
1- الأمن ثلث المعيشة. 2- أهمية الأمن والأمان. 3- نقصان الأمن بنقصان الدين. 4- ضرورة المحاسبة والمراجعة. 5- النجاة في طاعة الله ورسوله . 6- دعوة للمخلِّين بالأمن.

الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، اتقوا اللهَ وراقبوه، وأطيعوا أمرَه ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، فمن اتَّقى الله وقاه، ومِن كلِّ ما أهمَّه كَفاه.
وبَعد: معاشرَ المسلمين، إنَّ ممّا جاء في مشكاةِ النبوَّة قولَ النبيِّ : ((مَن أصبحَ منكم آمنًا في سِربه معافًى في جَسَده عنده قوتُ يومِه فكأنّما حِيزَت له الدّنيا)) رواه الترمذي وابن ماجه[1]. فجعلَ النبيُّ أصولَ حيازة الدنيا ثلاثةَ أشياء: الأمنَ في الأوطان والمعافاة في الأبدان والرزقَ والكفاف، ففَقدُ الأمن فقدٌ لثُلُث الحياة، والثلثُ كثير.
ولما كان الأمنُ ثلُثَ العَيش امتنَّ الله به على الأسلافِ مِن قُريش: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3، 4].
أيّها المسلمون، الأمنُ والأمان والطمأنينة والاستقرار مطلبٌ ضروريّ من مطالبِ الإنسان، ففي ظلِّ الأمن يرغَد العيشُ وينتشر العِلم ويتفرَّغُ الناس لعبادةِ ربهم ومصالح دنياهم وتنبُت شجرةُ الهناء؛ لذا كانت دعوةُ إبراهيمَ الخليل عليه السلام: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ [إبراهيم:35-37]. فانظر كيف قدَّم الأمنَ على طلب الرزق؛ لأنه لا يهنَأ عيشٌ بلا أمان.
وقد امتنّ الله تعالى على عباده بالأمنِ في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، منها قوله سبحانه: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26]. قال قتادةُ بن دِعامة السّدوسيّ رحمه الله في هذه الآية: “كان هذا الحيُّ من العرب أذلَّ الناس ذُلاًّ وأشقاهُ عيشًا وأجوَعَه بُطونًا وأعراه جُلودًا وأبيَنه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات منهم رُدِّي في النار، يُؤكَلون ولا يَأكلون، واللهِ لا نعلم قبيلاً من حاضِر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرَّ منزلاً منهم، حتى جاءَ الله بالإسلام، فمكَّن به في البلاد، ووسَّع به في الرزق، وجعلهم به مُلوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطَى الله ما رأيتُم، فاشكروا اللهَ على نعَمه، فإن ربَّكم منعمٌ يحبُّ الشكر، وأهلُ الشّكر في مزيدٍ من الله” انتهى كلامه رحمه الله[2].
أيّها المسلمون، ولا زالت هذه النِّعمةُ متواليةً من الله، وما انتُقِصت إلاّ حين انتقَصَ الناسُ من دينهم، فبدَّلوا وغيَّروا، وما ضاقت الأرزاقُ ووقعَت القلاقلُ والفِتن واستُضعِفَ المسلمون في أرجاء الأرض إلاَّ حين خَبطَ الشركُ والمعاصي في بعضِ نواحي بِلاد المسلمين، ولم تكُن جزيرةُ العرب بمنأًى عن ذلك، ففي عهدٍ قريب كانت مرتعًا للسَّلب والنّهب والقتل والخوف، حتى مَنَّ الله عليها بدعوةِ التوحيد واتّباع سنّةِ سيِّد المرسلين ، فعادت آمنةً مطئِنّةً، تُجبَى إليها الثمرات من كلِّ مكان، وتفجَّرت كنوزُ الأرض، وعَمَّ الخيرُ، حتى صارت مهوَى الأفئدةِ دينًا ودُنيا، وما ذاك والله إلا ببركةِ دعوةِ التوحيد واتِّباع السنةِ وطاعةِ الله ورسوله، فللّه الحمد كثيرًا، كما يُنعِم كثيرًا.
أيّها المؤمنون، إلاَّ أنه ليس بين الله وبينَ أحدٍ نسبٌ، فبِقدر الإيمان والتّقوى تكون النِّعَم والخيرات، نَعم الإيمانُ والتقوى بهما تُفتَح بركاتُ الأرض والسماء، بهما يتحقَّق الأمنُ والرخاء، وصدقَ الله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى