المؤامرة على الإسلام , الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

عناصر المؤامرة على الإسلام

1 – ذكر منشأ الصراع بين الحق والباطل

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعــد:
فإن خير الحديث كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وبعد:
المؤامرة على الإسلام قديمة قدم الحق والباطل، وكلكم تعلمون أول صراع نشأ بين الحق والباطل، وقد حدثنا الله -تبارك وتعالى- عنه في كتابه العزيز، وكان هذا الصراع منذ نشأة الجنس الإنساني، منذ أن خلق الله – تبارك وتعالى- آبانا آدم عليه السلام، وقام الشيطان بمعاداته، وكان الصراع بين الحق وبين الباطل، وأهبطوا إلى الأرض.
ومن هناك استؤنفت العداوة من جديد، وظهر منهجان متعارضان: نور وظلام، فحيثما فقد النور وجد الظلام، وكلما اشتد النور وقوي كلما ضعف الظلام أو اضمحل، ولابد أن يظهر أحدهما، ولا يمكن أن توجد حالة لا نور فيها ولا ظلام! أو لا حق فيها ولا باطل! ولا يمكن أن يوجد قلب بشري إلا وهو إما على حق وإما على باطل، ولا توجد أمة من الأمم إلا وهي إما على الحق وإما على الباطل، ولا توجد عقيدة من العقائد إلا وهي إما على الحق وإما على الباطل.. وهكذا إلى الأبد.
فهي عداوة أزلية كونية جعلها الله -تبارك وتعالى-. وهي أيضاً مستمرة أبدية بين الحق وبين الباطل، وكلما قويت شوكة الحق؛ كلما كانت عداوة أهل الباطل أكثر، وتعاونهم أعظم لإبادته.
2 – أعظم ظهور للحق

وتعلمون أن أعظم ظهور للحق هو ما كان على يد سيد ولد آدم ورسول الله إلى العالمين كافة محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا النبي العظيم الذي أظهر الله -تبارك وتعالى- به الدين، ونصر به الأنبياء السابقين أجمعين، وأبان الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- برسالته أن كل من سبقه من الأنبياء ومن دعوات الحق؛ أنها فعلاً على الحق، وأن كل من عادى الحق؛ فإنه مخذول مرذول إلى أن تقوم الساعة.
هذا الرسول العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جرت عليه وعلى دعوته تلك السنّة الكونية -العداوة بين الحق وبين الباطل- أي أن أهل الباطل لم يقفوا مكتوفي الأيدي لمواجهة هذا الرسول ودينه الجديد الذي جاء به، بل حاربوه أشد الحرب وأشد الأذى مما تعلمونه جميعاً، آذوه واتهموه بأشنع التهم، وحاصروه في الشعب هو وأصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم، بل أرادو قتله.

لم يتخلوا عن وسيلة يستطيعون أن يؤثروا بها عليه إلا استخدموها لكبت هذا الدين ولغمط هذا الحق، حتى الترغيب استخدموه: إن كان يريد ملكاً ملكناه! وإن كان يريد امرأة زوجناه! وإن كان مريضاً عالجناه! عرضوا عليه جوانب الترغيب مع جوانب الترهيب، كل ذلك ليطمسوا هذا النور الذي جاء به هذا النبي العظيم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتآمرت قوى الشر منذ عهده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك.
3 – موقف أعداء الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته

وتعلمون جميعاً سيرته الزكية الطاهرة – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تعلمون ما وقع في يوم الأحزاب ونقوله لأن السنة فيها أوضح الدروس والمثال فيها أظهر، واجتمعت الطوائف الشريرة الثلاث التي ما فتئت إلى يومنا هذا تكيد للإسلام، وهي هي التي تكيد له هذا اليوم، اجتمع حقد المشركين وتألب عباد الأصنام والمشركون من قريش وغطفان، ومن استجاب لهما من قبائل العرب، فجاءوا إلى المدينة ، وتعاون معهم الحقد اليهودي والضغينة اليهودية التي تمثلت في بني قريظة، وتعاون معهم ما يسمى في العرف السياسي أو الحربي المعاصر -الطابور الخامس- ونعني به المنافقين الذين هم أعداء هذا الدين في كل زمان ومكان، والذين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخلص هذا الدين من عداوتهم بالكلية، ولكنه إذا ظهر وقوي خف أمرهم، وإذا ضعف أمره؛ ظهروا وأظهروا تعاونهم مع أعداء الله تبارك وتعالى.
والنفاق باب واسع، ضعوا تحته ما شئتم من فرق النفاق، ومن طوائف الضلال، وكل من انتسب إلى هذا الدين ظاهراً وهو يعمل لهدمه باطناً، ولكن الله تعالى أظهر دينه، وأنجز وعده، وهزم الأحزاب وحده، وكفى الله المؤمنين القتال.
ولكن أعداء الله لم يسكتوا إلى الأبد، بل استمرت السنة الكونية، فبعد أن أظهر الله -تعالى- نبيه ودينه في جزيرة العرب أجمع، حتى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاد الجيش بنفسه إلى تبوك لمنازلة أعظم قوى الأرض وهي الامبراطورية الرومانية، وقبض رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بعد ما أكمل الله له الدين، وأقام به الحجة، وترك خلفه الرجال الذين تربوا بتربيته النبوية الكريمة الطاهرة، وزكاهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتربية القرآنية، وأصبحوا أهلاً لأن يحملوا هذا الدين وأن ينشروه للعالمين، وحدثت المؤامرة وبرزت رءوسها من جديد بوفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ حصلت ردة جماعية، ونجم النفاق والكفر، وظهر من جديد في جزيرة العرب ، ولم يبق على الإسلام إلا المدينة ومكة والطائف وبنو عبد القيس في البحرين وبعض القبائل، وظهر المتنبئون الكذابون، وظهرت العداوات والأحقاد الكامنة في قلوب كثير من الناس، والضغائن التي لم يخفها إلا الخوف من قوة الإسلام وبطشه.

4 – جهود الخلفاء الراشدين في ردع الحاقدين على الإسلام وأهله

وقاد الصديق -رضي الله عنه- الحرب من جديد، وخرج أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة بجيوش متعددة، كل منها إلى جهة من الجهات، ونصرها الله -عز وجل- وأخضعت تلك القبائل والمناطق جميعاً، ولم تقف عند ذلك، بل انطلقت شرقاً إلى الامبراطورية الفارسية، وغرباً إلى الامبراطورية الرومانية.
وجاء الفاروق عمر رضي الله عنه فأكمل فتح البلاد، وكان مما عمله ذلك العمل الجليل العظيم وهو من أجل أعمال الفاروق -رضي الله عنه- أنه أجلى يهود خيبر لما رأى منهم العداوات والضغائن، فأجلاهم إلى أطراف الشام وإلى حيث شاءوا.
وهنا بدأ المكر يتجمع من جديد، فإن هذا الدين الذي نشره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على أيدي هؤلاء الرجال؛ قد قوض الشرك وأقام لواء التوحيد، وهدم البدع والضلالات والخرافات، وأقام السنّة على المحجة البيضاء، وهدم عروش الظلم والطغيان والفساد، وأقام حكم الله عز وجل حكم العدل والإنصاف، وهدم مجد طواغيت الشر في العالم، من القياصرة والأكاسرة، ومن دجاجلة الأديان وكهنوتها، الذين كانوا يفرضون على الناس باسم الدين التحكم في أموالهم وأعراضهم، بل وفي قلوبهم، فيملون عليهم مايريدون أن يعتقدوه.
وهدم العقائد جميعاً: اليهودية والنصرانية والمجوسية وهي أشهر وأوضع العقائد، وما تفرع عنها، وهنا كان لابد أن تكون المؤامرة، ولابد أن تتحرك الأفاعي الشريرة في الظلام، وكان مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بيد أعداء الإسلام، وأعداء الدين أولئك يرتكبون خطأ يكررونه دائماً ولا يتعظون منه، فهم يظنون أن هذا الدين مرتبط بشخص ما، قالوا: إذا قتلنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب الدين، ولهذا وضعت اليهودية له السم -كما في الحديث الصحيح- وظنوا أنه إذا مات سيموت دينه، بعد ما حاولت بنو النضير اغتياله، وغير ذلك من المحاولات.
ولما أن فتحت تلك البلاد في عهد الفاروق عمر ، ظن أعداء الإسلام من فرس وروم ويهود ونصارى ومجوس وجميع تلك النحل أنه إذا قتل الفاروق انتهى الدين، وهكذا دائماً، كل من يرونه يحمل لواء الدين ولواء السنة يظنون أنه إذا حورب في ذاته انتهى الأمر، ونحن نعلم جميعاً أن هذا النظر خاطئ تماماً، إن الأمر أمر الله عز وجل والدين دينه عز وجل وماهؤلاء الرجال إلا أناس اصطفاهم الله تعالى بالقيام بأمر دينه، فهم ينالون الشهادة، ويخلف الله بعدهم من يقوم بهذا الدين، لأنه قد وعد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أهل دينه، وتوعد أعداءه بأن يظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون.. ولو كره الكافرون.
مقتل الفاروق عمر رضي الله عنه

فكيف قتل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
الثابت في مقتله أنه كان بمؤامرة مجوسية نصرانية ، ويقال إن لليهود ضلعاً في ذلك، ولكن الثابت أن جفنة النصراني شاهده بعض الصحابة هو وأبا لؤلؤة المجوسي ، الذي تولى عملية القتل، رأوهما ليلة اغتيال الفاروق وهما واقفان في الظلام، ولم يشعرا إلا وهؤلاء الناس يمرون عليهما، فسقط من بين أيديهما نصل عريض له حدان. وفي صباح تلك الليلة يغتال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا بذلك النصل نفسه هو الذي نفذ الجريمة الشنعاء في أمير المؤمنين رضي الله عنه وبضعة عشر نفراً من الصحابة في الصلاة، طعنهم هذا الفاجر المجرم يميناً وشمالاً لكي يهرب، فمنهم من استشهد ومنهم من جرح وأصيب، وكانت هذه مؤامرة، وكان هناك طرف ثالث هو الذي حرك أبا لؤلؤة وهو الهرمزان وكان ملكاً من ملوك الفرس، جيء به إلى المدينة فأظهر الإسلام، وأراد أن يهدمه، وهو الذي لقن أبا لؤلؤة المجوسي ، واتفق معه على مقتل الفاروق رضي الله عنه ولهذا قتل الهرمزان فوراً حال مقتل الفاروق رضي الله عنه.
الفتوحات في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى