الكنه والكهنوت.. بقلم علي بلدو

السودان اليوم:

إن الشك في كل شيء أو تعليق الحكم مؤقتاً على أي شئ هو منهج عقلي صحيح ولا غنى عنه لطرح كل الأوهام والأباطيل التي تصيب العقول فتعبث بها وتشل حركتها، وتفسد عليها رؤية الموضوع المراد معرفته ونقاشه بوضوح ودون شوائب، فتعجز من ثم عن التفكير والنقد وعن الحكم وعن اتخاذ القرار ويبدأ التخبط وخبط عشواء، ومن ثم ينعكس ذلك على واقع الحال وحياة الناس ومعاشهم وطبعاً أسعارهم والتي تتطاير ارتفاعاً للسماء، بينما تهوي القيم والمبادئ للأرض السفلى.
وما نراه من انتشار للدجل والشعوذة وستات الزار والفقراء المضروبين وشيوخ الدولار والتنزيل وغيرها من الأباطيل، ومشيها بين الناس إلا كنتيجة حتمية لغياب العقل كميكانيزم نقدي وشكي، وليس العقل العملي والذكاء الفطري.
فنحن نحتاج في بلادنا إلى ذكاء نظري واستنارة، فكم وقع أصحاب الذكاء الأول في حبائل الدجالين وكم سمعنا أن فلانا الحاصل على الدكتوراة قد فقد الملايين على يد مشعوذ أمي، أوهمه بمضاعفتها عن طريق التنزيل، تصديقاً لمقولة أهلنا الغبش أن (القلم ما بيزيل بلم).
وليس هذا فحسب بل يتعداه للإشاعات وتصديق كل شيء يسمعه أو يراه، وذلك لأن ذكاءه فطري وليس استنارياً.
إن ممارسة الشك المنهجي ضرورة لتطهير العقل من الأوهام والآراء الباطلة أو الأفكار الأخرى التي لم يتحصل عليها الفرد بالقناعة واليقين وإنما بالتقليد. وهي مهمة عسيرة وتحتاج لمزيد جرأة وشجاعة، فالتنوير هو استخدامك لعقلك بشجاعة، أي بكل حرية دون إملاء من أحد كائناً من كان، ودون خوف من سلطة أوعقاب ودون وعد بالثواب أوالتحفيز، ودون خوف من املاءات التقاليد البالية والثقافات البائدة وتراتبية البيئة الاجتماعية والقهر السياسي والاستعلاء الفكري وسياسات الغاء الآخر وتوازي العقل ومحق الفكرة ونهب الحضارة:
إذا بلغ الصبي لنا فطاما تخر له الجبابرة ساجدينا
ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا
فنحن المانعون لما أردنا ونحن النازلون بحيث شينا
وكأني بعمرو بن كلثوم التغلبي قد بعث فينا من جديد في أمرائنا وولاتنا ومعتمدينا والذين أجادوا هذا الضرب من فن التنافر وتصادم الأفراد وسحق المجتمعات وبصورة مبهرة وجديرة بالدراسة.
فكم اعتقدنا أن أشياء كثيرة تدور حولنا هي من الثوابت والخطوط الحمراء والتي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وغنينا لها وأنشدناها، ونافحنا عنها المشككين ووصفناهم بالجنون والغباء والعمالة والتآمر والارتزاق، ولكنها تكشفت عن حقيقتها عند أول سؤال نقدي واختبار للحقيقة، وتناثر ورق الشجر لتتبدى سوءات الواقع ثقافة وفكراً وشعراً وسياسة، ونتحول من خانة الأصدقاء للأعداء في ثوانٍ والعكس، وتتوارى المبادئ لتأتينا المصالح، ونعلم حينها بأننا لسنا بأفضل من غيرنا وأن الأمر موضوع تواريخ ليس إلا، وأننا لسنا سوى تجار في سوق نخاسة الثقافة والفن، ويا له من سوق.
وما نراه وننسمعه من أنباء السرقات والاختلاسات والخيانات وسيء الأعمال غيرها، يدرك ما قاله ئ
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته وأصبح في ليل من الشك مظلم
والغريب أن ما حل بنا لم يكن من حبيب ولا رفيق مقنع، ولكن من آخر معمم، وحتى العمة ليست من صنع بلادنا، رغم أنه يدعي أنه من الوطنيين، ولكن على الأقل فإن عمامته ليست من هذا الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى