الكعبة المشرفه و الحِجْر , الحِجْر تاريخ وأحكام

قال ياقوت الحموي : ولقد سمي حِجْرًا ؛ لأن قريشًا في بنائها تركت من أساس إبراهيم عليه السلام ، وحجرت على المواضع ، ليعلم أنه من الكعبة .

وقال الأزهري : الحِجْر : حطيم مكة ، كأنه حجرة مما يلي المثعب من البيت.
وقال الجوهري : الحِجْر هو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال ، وكل ما حجرته من الحائط فهو حِجْر .
الحِجْر تاريخ وأحكام :
من المعلوم أن قريشًا حينما بنت الكعبة استقصروا من بنيان الكعبة المشرفة ، كما روت عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : « إن قومك استقصروا من بنيان البيت ، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه ، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي ما تركوه ، فأراها قريبًا من سبعة أذرع » رواه مسلم.
وروى مسلم في صحيحه عن عطاء قصة هدمها وبناء عبد الله بن الزبير لها على ما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يريده ، فقال : « لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام ، فكان من أمره ما كان ، تركه ابن الزبير ، حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام ، فلما صدر الناس ، قال : يا أيها الناس أشيروا علي في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها ؟ أو أصلح ما وَهَى منها؟ قال ابن عباس : فإني قد فرق لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وَهَى منها وتدع بيتا أسلم الناس عليه ، وأحجارًا أسلم الناس عليها ، وبعث عليها النبي ? . فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يُجِدَّه ، فكيف بيت ربكم !! إني مستخير ربي ثلاثًا ، ثم عازم على أمري ، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها ، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء ، حتى صعده رجل ، فألقى منه حجارة ، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا ، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض ، فجعل ابن الزبير أعمدة ، فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه ، وقال ابن الزبير : إني سمعت عائشة تقول :
إن النبي ? قال : لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر ، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه ، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع ، ولجعلت لها بابًا يدخل الناس منه ، وبابًا يخرجون منه .
قال : فأنا اليوم أجد ما أنفق ، ولست أخاف الناس ، قال : فزاد فيه خمس أذرع من الحجر ، حتى أبدى أسًّا ، نظر الناس إليه ، فبنى عليه البناء ، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعًا ، فلما زاد فيه استقصره ، فزاد في طوله عشر أذرع ، وجعل له بابين : أحدهما يدخل منه ، والآخر يخرج منه . فلما قُتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسٍّ نظر إليه العدول من أهل مكة ، فكتب إليه عبد الملك : إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء ، أما ما زاد في طوله فأقره ، وأما ما زاد فيه من الحِجْر فرده إلى بنائه ، وسد الباب الذي فتحه ، فنقضه وأعاده إلى بنائه »اهـ .
وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها « أن النبي ? قال لها: يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت ، فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه ، وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا ، فبلغت به أساس إبراهيم . فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه . قال يزيد : وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحِجْر ، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل ، قال جرير : فقلت له أين موضعه؟ قال أُريكَه الآن ، فدخلت معه الحِجْر ، فأشار إلى مكان ، فقال : ها هنا . قال جرير: فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها » .
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ? : « يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك ، لهدمت الكعبة ، فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا ، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر ، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة » .
وفي رواية : « وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشًا اقتصرتها حين بنت الكعبة » .
وفي رواية : « خمس أذرع » .
وفي رواية : « قريبا من سبع أذرع » .
وفي رواية : « قالت عائشة سألت رسول الله ? عن الجدار أمِنَ البيت هو ؟ قال : نعم » .
وفي رواية : « لولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكره قلوبهم لنظرت أن أُدخل الجدر في البيت » .
وعليه فمن هذه الروايات يُعلم أن الحِجْر ليس كله من البيت ، بل منه ما يساوي خمسة أذرع أو ستة أذرع أو سبعة أذرع ، وكل هذه الروايات صحيحة ثابتة ، ولا تعارض بينها فإن الأقل داخل في الأكثر .
قال ابن الصلاح : « قد اضطربت الروايات ففي رواية الصحيحين : الحجر من البيت ، وروي ستة أذرع من الحجر من البيت ، وروي ستة أذرع أو نحوها ، وروي خمسة أذرع ، وروي قريبًا من سبع ، قال : وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها ليسقط بيقين » .
ورَدَّ الحافظ ابن حجر هذا الكلام بقوله :
« وإن الجمع بين المختلف منها ممكن كما تقدم ، وهو أوْلَى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب ، كما جنح إليه ابن الصلاح وتبعه النووي ؛ لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ، ولم يتعذر ذلك هنا ، فيتعين حمل المطلق على المقيد كما هي قاعدة مذهبهما ، ويؤيده أن الأحاديث المطلقة والمقيدة متواردة على سبب واحد وهو أن قريشًا قصروا على بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأن ابن الزبير أعاده على بناء إبراهيم ، وأن الحجاج أعاده على بناء قريش ، ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى