العكليت.. بقلم علي بلدو

السودان اليوم:

منذ ان كان صغيرا ، كان معتدا برايه واثقا من نفسه, قوي الارادة و مطمئن البال، حتى و لو ضربوه ووصفوه بأنه( ما بيسمع الكلام).
كما كان زملاءه في الصف يصفونه بأنه( عوير) لالتزامه التام بتعليمات الاساتذة و المعلمات ، في مظهره و سلوكه و انضباطه.و حضوره باكرا و نظافته الشديدة.
تحدث البعض عن ان انه ايام دراسته الجامعية كان يلتزم بتعليمات اللافتات من عدم مشي على الحشائش و عدم اطعام الحيوانات في الحدائق و غيرها ، و كان جزاءه او وصفوه بأنه( زول ما طبيعي).
عمل موظفا بعد التخرج ، ليحضر في السابعة و ينصرف عند الثالثة و لم يتغيب و لم ياخذ اذنا او اجازة، و كالعادة وصله ان زملاءه ينعتونه بانه( زول ما نصيح).لانه لم يختلس و لم يقبل الرشوة و لم يتحرش باحد.
عندما تغيرت االاوضاع , و بدل الله قوما مكان اخرين، نصحه الجميع و بدون استثناء ان يركب الموجة بدل ركوب راسه و ان يقوم ببعض التغييرات المورفولوجية على شكله، ليترك ما يشاء ينقص و ما نشاء ينمو و يلحق بركب القوم الجدد و لكنه كان عكليتا من الطراز الاول اذ ظل على حاله و مبادئه لم يغيرها و لم يبدلها كطود شامخ و بناء راسخ، مصرا على مقولته، و التي قالوا له عنها انها بلهاء:
صلابة المداومة
مع جسارة المقاومة
بلا مساومة
نتج عن ذلك ان احالوه للمعاش و هو لم يبلغ الاربعين بعد.و اضاعوا الفايل الخاص به و لم يعطوه حقوقه حتى، لكونه لم يقدم القرابين لنسيبة السلطان و التى ولوها المناصب ظلما و جورا.
رغم ذلك اصر على عدم احضار معلم خصوصي لابنه او اشراكه في درس المساء، مصرا على ان ابنه ما محتاج، و حاول البعض افهامه انه ان كان ابنه غير محتاج ، فالاخرون محتاجين و لم يستمع لهم ، قبل ان يرسب ابنه رغم اجتهاده و يصاب بانهيار عصبي تطور لمرض نفسي مزمن.
بعدها و في طريقه لاجراءاءت حكوميه نصحه اهل الحي ان يجامل من يجده من مقدمي الخدمات و لو بالقليل, و كعادته رفض رفضا باتا ذلك الامر و خسر بذلك فرصة الارض و المنزل و العلاج و السفر و حتى الحج كذلك.
في اواخر ايامه و السماء تنهمر مطرا مدرارا و كانها دموع بلادنا و هي تبكي على المستقبل في هذه الايام النحسات, ظل واقفا منتظرا حافلة تقله لبيت الايجار الذي انذره صاحبه باخلائه، و حضرت حافلة اخيرا ينادي كمساريها بان الراكب بضعف القيمة ،و ركب الناس ما عدا صاحبنا ذو الراس القوي و الذي اصر على ان التعريفة هي جنيهان فقط ( المعتمد ذاتوا قال كده) و هنا قهقهه القوم وهم يقولون له( معتمد شنو! هو ذاتوا عمروا ما ركب ليهو مواصلات ، اركب مشي حالك) و لكن و هم يتحركون ظل صاحبنا واقفا و الماء يقطر من فوقه، و ظل عل تلك الحال حتى الصباح حيث دفع جنيهان كما اراد و عاد للمنزل بالتهاب رئوي حاد، ادت مضاعفاته اللاحقة و ضيق ذات اليد الى وفاته حسرة و الما.و لم يحضر جنازته الكمساري و لا المعتمد الذي تعلو كتفه النياشين و قالوا انهم توجوه بنجمة سموها الانجاز و لربما قصدوا انها الاجهاز على مواطني محليته سئية الحظ.
لاحظ من يقرأون الصحف وجود نعي اليم به كلمات النعي المعروفة و لكن بها جملة( كان رحمه الله عكليتا) و نحن نسال الله له الرحمة و ان يبعثه في زمرة العكاليت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى