السُّكّر المُـر!!.. بقلم عبد اللطيف البوني

السودان اليوم:

(1)
أستاذتنا الكبيرة سمية سيد كتبت هذا الأسبوع وفي هذه الصفحة من هذه الجريدة مقالين عن السُّكّر (زَي السم)! أوضحت فيهما بجلاء أنّ الجماعة المستوردة للسكر هي التي قامت وتقوم بتدمير الصناعة المحلية، فجماعة المصلحة هذه امتطت صهوة الدولة وأصدرت القرارات التي تُكبِّل الصناعة المحلية للسكر وتسرج خُيُول المُستورد ولم تَكتفِ بذلك، بل استغلت الأخطاء التي لازمت صناعة السُّكر مثل تعثر مصنع سُكّر النيل الأبيض وتَراجع كنانة للوقوف بهذه الصناعة في محطة التجريم وعدم مُبارحتها، فطالبت سمية الدولة بالالتفات لمصنع النيل الأبيض والتسريع به نحو الإنتاج لما فيه من تقنيات عالية ولما له من قابليةٍ للتّوسُّع في زراعة القصب لتدارك الأموال التي صبت فيه وعلى طريقة (الجفلن خلهن أقرع الواقفات).
أما عن التلاعب في تكاليف نشأته فلتمضي فيها التحقيقات وتقصي الحقائق.. وفي النهاية هاجمت سمية، أعضاء البرلمان وطالبتهم بالوقوف ميدانياً على هذا المصنع والعمل على كيفية جبر الضرر الذي حَدَثَ بدلاً من الوقوف في مَحطة التجريم هذه التي تَذهب بريح المصنع وبكل الأموال التي سُكبت فيه وتخدم المُستوردين..!
(2)
من كلام سمية أعلاه بدا لنا أنّ كارتيل السكر في السودان يتوزّع الى عدة كارتيلات، فهناك كارتيل المُستوردين وهؤلاء هم الذين لهم الغلبة في هذه اللحظة، لأن السكر المستورد أموره مسهلة من السماح له بالدخول في أيِّ وقتٍ وإعفاءات جمركية والذي منه، بينما السكر المُصنّع عليه الأتاوات والضرائب وللأسف هناك كارتيل المصنعين وهذا الدور التي قامت به كنانة.. فهذه الكنانة التي كانت رمزاً للاستثمار الإقليمي والمختلط بالمحلي الناجح أصبحت في سنواتها الأخيرة مسرحاً للبذخ الإداري والصراعات الشخصية، ثُمّ تمدّدت بصورة غير مدروسة فزرعت الفول السوداني في مشروع الرهد وفشلت!! وكنانة هي التي تَسَبّبَت في كارثة سُكّر النيل الأبيض وابتلعته كما وصفها البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، فكان الفارق في تَكلفة الإنشاء أكثر من مليار دولار وفي رواية أخرى ثمانمائة ألف دولار (كُلّها كثيرة) ليس هذا فحسب، بل كنانة مُمثلةً في إدارتها القديمة أسهمت في إجهاض سُكّر مشكور، وسُكّر مشكور هذا الذي كان سيتولى أمر نشأته أحمد هيكل (نجل الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل) كان سيكون فتحاً غير عادي في عالم السكر بالسودان، ولكن أخطاء إدارية من الذين قاموا عليه، ثم المُستوردين، ثُمّ كنانة وكل هذا التّآمر تَمّ عبر الكباتن المحليين، وما أُشيع عن فَسَادٍ عبر الشركة الهندية كُل هذا جعل (ود هيكل يَمْرُق بجلابيته) ويترك آلياته ومُسوحاته وآماله العراض التي بناها.!
بتعثُّر مشكور منذ بدايته وسُكّر النيل الأبيض عند نهايته، تكون ولاية النيل قد فَقَدت فُرصة أن تكون ولاية السُّكّر على مُستوى العالم وليس السُّودان (المضروب في رُكَبِهِ)!!
(3)
قبل أن نُبارح عوالم السُّكّر التي (تقطع القلب)، لا بُدّ من أن نذكر أيقونة السُّكّر السُّودانية وهو سُكّر الجنيد و(الله فوق الجنيد)، هذا المشروع الذي اُقتطع من مشروع الجزيرة في العام 1962 لزراعة قَصَب السُّكّر بدلاً من القطن وإقامة أول مصنع للسُّكّر في السُّودان وَغَنّى له الكابلي (سُكّر سُكّر) هو اليوم أحسن مصنع سُكّر في السُّودان وصاحب أعلى إنتاجية أتدرون لماذا؟ لأنه يقوم على الشراكة مع المُزارعين ورغم بعض الضيم الذي يشكو منه المُزارعون أحياناً إلا أنّهم هم الأحسن على مُستوى السُّودان من حيث الدخل والرفاهية والقُرى المُتطوِّرة.
الشراكة يا جماعة الخير فيها إحقاقٌ للحق وفيها رضاء المواطن المُنشأة في منطقته، وليت كل الاستثمارت التي قَامت وسَتقوم في السُّودان تقوم على شراكة مع المُواطن كما حَادِثٌ في الجنيد، هذا المشروع الذي يقف شامخاً في وقتٍ تراجع فيه كل شيء..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى