الخرطوم وأسمرا.. قمة الانعاش

لعل موجة إنهاء الحروب والصراعات المكتومة التي تخلف توترًا بين بعض دول القارة الإفريقية بين وقتٍ وآخر سُتلقي بظلالها هذه المرة -بحسب المراقبين- على العلاقات السودانية الإريترية التي اكتنفتها العديد من محطات التوتر على مدى تاريخ الدولتين وتصاعدت حدتها مطلع العام الحالي، لتخفت بعدها لكن دون أن يُزال ما رَسب على السطح بين البلدين؛ فمن المنتظر -وفق وسائل إعلامية- انعقاد لقاءٍ بين الرئيس عمر البشير والرئيس الإريتري أسياس أفورقي على هامش القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي لعملية الإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا التي تنطلق اليوم.

تفاصيل القمة

الرئيس البشير وصل أديس أبابا عصر أمس مترئساً وفد السودان المشارك في قمة الاتحاد الإفريقي الطارئة يومي 17 و18 نوفمبر الحالي.
ويرافق البشير وفد يضم وزير رئاسة الجمهورية فضل عبد الله فضل، وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي مسلم الأمير.
وتبحث القمة القضايا المتعلقة بعملية الإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي بما في ذلك إصلاح مفوضية الاتحاد الإفريقي وهيكل ومناصب القيادة العليا للمفوضية واختيار القيادة العليا للمفوضية فضلاً عن الإصلاحات اﻹدارية والمالية.
وبحث وزراء الخارجية الأفارقة على مدار يومين مختلف القضايا المدرجة ضمن جدول أعمال القمة الاستثنائية الحادية عشرة لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي.
وسبق الاجتماع الوزاري اجتماع الممثلين الدائمين للاتحاد الإفريقي، الذي عقد يوم الخامس من نوفمبر، وبحث القضايا المتعلقة بعملية الإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي.

توقعات سابقة

التوقعات بخصوص عقد قمة بين البشير وأفورقي ليست الأولى إذ سبقتها ذات التوقعات في سبتمبر الماضي، وقد كان من المُقرر مشاركة أفورقي في القمة الرئاسية لإيقاد لأول مرة بعد غياب امتدَّ لـ(20) عامًا. التوقعات -وفق وسائل إعلامية- أشارت إلى مبادرة للتوسط يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإنهاء التوتر بين الخرطوم وأسمرا، ورغم التوقعات بحضور أفورقي، إلا أنهُ غاب عن القمة ليُشكل ذلك مفاجأة للبعض، فيما لم يصدر وقتها أيّ تعليقٍ رسميّ عن غياب أفورقي.
لكن تقارير إعلامية نقلت حينها عن وسائل إعلام إريترية إلى أن إريتريا لن تشارك في قمة الإيقاد، لأنها تحتاج إلى تفكير عميق وإعداد جيد من أجل منظمة فعالة، وفيما قلل الكاتب والباحث في الشأن الإفريقي محمد مصطفى جامع في حديثه لـ(السوداني) أمس من فرص حضور الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لجهة غيابه في آخر اللحظات عن قمة الإيقاد دون عُذرٍ واضح، مشيرًا إلى أنهُ ثمة اعتقاد أنهُ وقتها غاب لتفادي لقاء البشير والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي، ولم يستبعد جامع في ذات الوقت حال حضور أفورقي انعقاد قمة بينه وبين الرئيس البشير.
ورغم التوتر الذي اكتنف العلاقات بين البلدين مؤخرًا، يرى جامع أنهُ لا يُمكن وصف العلاقة بين السودان وإريتريا بالسيئة أو كما ينعكس في وسائل الإعلام، معتبرًا أن القنوات الدبلوماسية مفتوحة بين البلدين كما يمارس السفراء عملهم بصورةٍ طبيعية في الخرطوم وأسمرا، وأضاف: “فقط الحدود هي المغلقة منذُ التوتر الأخير مطلع العام الماضي ولا توجد قطيعة بالمعنى الحرفي”.

انخفاض التوتر

في منتصف مايو من العام الجاري، اتهمت الحكومة الإريترية في بيانٍ لها السودان التنسيق مع إثيوبيا لدعم المعارضة الإريترية المسلحة وتسهيل حركتها على الحدود بين البلدين، وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السودان بداية مايو، وقتها اعتبرت الحكومة السودانية في بيانٍ صدر عن وزارة الخارجية أن الاتهامات الصادرة تستند إلى معلومات “ملفقة” داعيةً حكومة أسمرا إلى حل خلافاتها الداخلية دون إقحام اسم السودان في قضاياها ومشاكلها.
ورغم ذلك البيان وما تبعهُ من ردٍّ من الحكومة السودانية، يرى جامع أن أفورقي خفف من لهجة الهجوم على السودان في حديثه الأخير الأسبوع الماضي على شاشة التلفزيون الإريتري، لافتًا إلى أنهُ لم يتهم الحكومة السودانية بتمويل المعارضة أو فتح معسكرات جهادية كما زعم مرتين خلال هذا العام، واقتصر حديثه عن السودان على انتقادات لإهدار الفرص وعدم استغلالها حسب وصفه، معتبرًا تلك النبرة المهادنة نوع من الاستعداد لتحسين العلاقات مع الخرطوم في ظل أنباء ربطت زيارة مساعد الرئيس موسى محمد أحمد بتحسين العلاقات.

خلافات أمنية

من جانبه لم يستبعد المتخصص في نزاعات القرن الإفريقي سراج الدين عبد الغفار في حديثه لـ(السوداني) أمس، حضور أفورقي لقمة الاتحاد الإفريقي، وذلك عطفًا على المتغيرات الحالية في إفريقيا ولجهة الطرح الجديد الذي يقودهُ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد واتجاهه لإنشاء كونفدرالية جديدة بالمنطقة الغنية بمواردها التي إذا تكاملت فيما بينها يمكن أن تُحدث أثرًا كبيرًا.
جديرٌ بالذكر أن التوتر بين البلدين بلغ ذروتهُ مطلع العام الحالي؛ إذ قامت الحكومة بإغلاق المعابر الحدودية مع إريتريا وذلك على خلفية وجود تهديدات محتملة على الحدود الشرقية محتملة من قبل /76مصر وإريتريا، كما تم إعلان الاستنفار والجاهزية لتأمين الحدود ووصول تعزيزات من الجيش وقوات الدعم السريع إلى ولاية كسلا.
وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن السودان بحاجة إلى إزالة التوتر بينهُ وبين إريتريا، خصوصًا عقب المصالحة التي تمت بين إثيوبيا وإريتريا التي وُصِفت بأنها ضرورة لتحقيق الأمن بالقرن الإفريقي، إلا أن جامع يرى أن أفورقي هو من ينبغي أن يكون حريصًا على علاقاته مع السودان لأن الأخير لم يتضرر كثيرًا من توتر العلاقات مع أسمرا، لافتًا إلى حاجة إريتريا للسودان للتعاون من أجل مساعدة الحكومة الإريترية في رفع العقوبات المفروضة عليها من مجلس الأمن، ومن أجل انسياب السلع الغذائية السودانية عبر الحدود.

صراع سياسي

على الرغم من أن العلاقة بين الخرطوم وأسمرا، منذ استقلال الأخيرة، ظلت متأرجحة بين التوتر والتحسن؛ إلا أن أستاذ العلاقات الدولية راشد محمد علي اعتبر في حديثه لـ(السوداني) أمس أن الخلافات بين البلدين ليست خلافات عميقة، أي لا قضايا حقيقية وأنها خلافات على الحدود ولا تعدو في حقيقتها سوى صراع سياسي بين مكونين في الإقليم، ويرجح راشد حدوث مصالحة بين البلدين لجهة التغييرات الجذرية بالأقليم واتجاه كل الدول نحو التكامل الاقتصادي والسياسي.
في ذات السياق، يرى عبد الغفار أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين البلدين وأن المسائل المتعلقة بالتوترات بالمنطقة قادمة من ضغوط خارجية وإشكالات أمنية يمكن تجاوزها في ظل ما شهدهُ الإقليم مؤخرًا من مصالحة بين إثيوبيا وإريتريا، معتبرًا أنهُ عامل إيجابيّ إلى جانب الدور الإقليمي الذي يقوم به السودان من مصالحات كالتي تمت بين الفرقاء الجنوبيين، ودوره في إفريقيا الوسطى، والمصالحات بالصومال التي لعب السودان بها دورًا أساسيًا.

تقرير : إيمان كمال الدين

الخرطوم (صحيفة السوداني)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى