التقـــوى و ثمـــراتــهــا

ايها الذين آمنو اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون).
روى البخاري عن عبدلله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((حق تقاته)) ان يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أن لا يعصى طرفة عين. و ذكر المفسرون انه لما نزلت هذه الآية قالوا يارسول الله ومن منا يقوى على هذا؟ فكأنها شقت عليهم رضوان الله تعالى عليهم فأنزل الرحمن الرحيم بعباده قوله تعالى(فاتقوا الله ما ستطعتم).
وهذه آية لا يقصد بها التهاون بتقوى الله بل يقصد بها الحث على التقوى قدر المستطاع والانسان اذا لم يستطع القيام بأمر الله على وجه الكمال يأتي منه على ما قدر عليه. وأكرم الناس هم أتقاهم لله عز وجل( إن اكرمكم عند الله اتقاكم) فالله سبحانه و تعالى لا ينظر الى الناس من حيث النسب و الحسب ولا المال ولا الجمال وانما ينظر الى الاعمال وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعون ربه(اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى).فالهدى…أي العلم.
والتقى…أي يوفقه الله الى تقواه لأن الله هو الذي بيده مقاليد كل شيء فإذا وفقه الله تعالى و رزقه التقى صار مستقيما على تقوى الله.
والعفاف…أي العفة عن كل ماحرم الله وهي من مستلزمات التقوى.
والغنى…أي الغنى عن الخلق بحيث لا يفتقر الى أحد سوى ربه.
وقد ورد في صحيح مسلم من حديث سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
وفي نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما(احفظ الله يحفظك) أي احفظ دينه بملازمة تقواه وا جتناب ما لا يرضاه.
ثمرات التقوى:-
ثمرات المتقين كثيرة ذكرها الله جل وعلا في كتابه كثيرا ومن ذلك قوله تعالى(يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم) سورة الأحزاب.
1- صلاح الأعمال.. 2- مغفرة الذنوب.
(ومن يتق الله يجعل له مخرجا)ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه)(ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا) (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا). مخرجا:_من كل شدة و ضيق وفرجا من كل صعب في المال في الاولاد في المعيشة.
و يرزقه من حيث لا يحتسب:-أي يسوق الله الرزق للمتقي من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به.
فهوحسبه:- أي كافيه الأمر الذي توكل على الله به في امور دينه ودنياه.
يجعل له من أمره يسرا:- أي ييسر له الأمور وييسر و يسهل له كل عسير.
يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا:-أي كل سوء عمله يغفره الله وكل خير يفعله يضاعفه له إذن المحذور اندفع و المطلوب حصل.
(إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا و يكفر عنكم سيئاتكم و يغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)
يجعل لكم فرقانا:-أي يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع.
يكفر عنكم سيئاتكم…ويغفر لكم:- إذا اتقى العبد ربه سهل له الأعمال الصالحة التي يكفر بها سيئاته و ييسر الله عزوجل لعبده الاستغفار والتوبة.
يحصل للمتقين من الكرامات التي لا تحصل لغيرهم من ذلك ماحصل لكثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ذات يوم يخطب على المنبر في المدينة فسمعوه يقول أثناء الخطبةيا سارية الجبل…يا سارية الجبل) فتعجبوا من يخاطب؟
فإذا الله تعالى قد كشف له عن سرية في العراق يسمى قائدها سارية وكان العدو قد حصرهم فكشف الله لعمر عن هذه السرية كأنما يشاهدها راي العين فقال لقائدها(ياسارية الجبل)اي تحصن بالجبل,فسمعه القائد سارية وهو في العراق واعتصم بالجبل وكتب الله لهم النصر.
من الأسباب التي تملأ القلب بالتقوى:-
المعرفة الحقيقية بالله تعالى و ذلك بمعرفة أسمائه و صفاته و تدبرها.
وابن القيم رحمه الله في كتابه(طريق الهجرتين وباب السعادتين)عندما تكلم عن أثر أن الله بصير يقول:إذا شهد معنى اسمه البصير جل جلاله الذي يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء و يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة و مخها و عروقها ولحمها وحركتها ويرى مد البعوضة جناحها في ظلمة الليل وتيقن انه بمرأى منه سبحانه ومشاهدة لا يغيب عنها منه سبحانه…هكذا يتصور العبد رقابة الله عندها يتعبد الله حقيقة بمعرفة الأسماء والصفات.
وعندما نتأمل اسم الله (الجبار)نعلم انه هو العلي على كل شيء القهار لكل شيء الذي دان له وخضع له كل شيء سبحانه.وهو سبحانه الجابر للقلوب المنكسرة وللضعيف العاجز ولمن لاذ به ولجأ إليه..يجبر المصاب بتوفيقه للثبات والصبر و يعوضه على مصابه أعظم الأجر إذ قام بواجبها, و يجبر جبرا خاصا قلوب الخاضعين لعظمته و جلاله وقلوب المحبين بما يفيض عليها من أنواع كراماته,فقلوب المنكسرين لأجله جبرها قريب ويريد الجبر الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع المكاره عنه.
(قل هو الله احد الله الصمد).
الصمد هو السيد الصمد الذي تصمد اليه أي تقصده جميع المخلوقات بالذل والحاجة و الافتقار ويفزع إليه العالم بأسره,وهو سبحانه الذي قد كمل في علمه و حكمته وحلمه و قدرته وسائر أوصافه,فالصمد هو كامل الصفات و تقصده المخلوقات في كل الحاجات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى