(البنات فاتوك)!.. بقلم عبد اللطيف البوني

السودان اليوم:

(1)
في حِوَارٍ مع الأستاذ الطاهر حسن التوم وعبر سودانية 24، ذكر السيد وجدي محجوب عرضاً، معلومات في غاية الأهمية مفادها أنّ القطن المزروع في البلاد هذا المُوسم ستمائة ألف فدان، منها ثلاثمائة ألف فدان مطري، وفي القضارف وحدها مائتي ألف فدان ثُمّ ما تبقى في النيل الأزرق وسنار وجنوب كردفان.. ولعُمري هذه أرقام مُدهشة خاصّةً فيما يتعلّق بالقطن المطري.
وأثناء حديث وجدي، كانت الشاشة تعكس صورة لآلة حديثة مُستعملة في جني القطن بالقضارف تحديداً في مشروع سمسم الذي يملكه وجدي، وقد سبق لي أن رأيت هذه الآلة كفاحاً وعلى حسب علمي أن ثمنها مليون دولار، وكان السيد كرم الله عباس قد طلب عبر برنامج (سبت أخضر) من بنك السودان مُجرّد خطاب ضمان لاستيراد آلة مُطابقة لها لمشروعات الرُّوّاد في القضارف التي بدأت إنتاج القطن هذا العَام، ولا أدري إن كانت وصلت أم لا؟ هذه الآلة تقوم بجني القطن وفرز البذرة وحزمه ويخرج منها في شكل بالات ضخمة ومُغلّفة وهي آخر ما وصلت إليه تقنيات زراعة القطن عَالميّاً (فقولوا ما شاء الله).
(2)
الخبر والصورة أعلاه يشي بأن الزراعة الآلية القديمة التي كانت قائمة على زراعة الذرة والسمسم فقط بمُعدّل جوالين للفدان قد ولّت إلى غير رجعة، فتلك الزراعة أسميت آلية لأنّها استخدمت التراكتور في الحراثة وفيما بعد الحاصدات (الدقاقات) في الحصاد فكان مالك المشروع مُعتمداً على المساحات الشّاسعة يبذر البذرة في بداية موسم الأمطار ويمضي لسبيل حاله ولا يأتي إلا في موسم الحصاد ليقيم معسكره لا سماد ولا تقنيات لمُكافحة الآفات أو الحشائش، تلك الزراعة كانت عبارة عن تجريف للأرض لأنها تقوم على القطع الجائر للأشجار وتضييعها مع الأمطار كمورد طبيعي ولكنها مع ذلك حَفظت البلاد من الكثير من المَجَاعات لأنّ (الكَتَرَة غلبت فيها الشجاعة)، إذ تصل المساحات المَزروعة الملايين من الأفدنة ليكون العائد ملايين الأرادب وليس الأطنان (الطن عشرة جوالات والأردب جوالين).. في هذا العام حدثت طفرة كبرى في تلك المناطق، حيث كان التنوع المحصولي، فبالإضافة للذرة والسمسم كان الفول السوداني وفول الصويا والقطن والأهم استخدام تقانات حديثة لا وجود لها حتى في المناطق المروية.
فإذاً، يا جماعة الخير أنّ الزراعة المطرية عبارة عن مارد تحرك (فأمسكوا الخشب)..!
(3)
أن تُناصف الزراعة المطرية الزراعة المروية في إنتاج القطن كما ذكر أعلاه، فهذا إنذارٌ (حميدٌ) للمشاريع المروية خاصّةً مشروع الجزيرة لأن (يكرب بطنه) شُوية، فأقصى ما يُمكن أن يزرع فيه من قطن خمسمائة ألف فدان، وفي هذا المُوسم زرعت فيه مائة وستين ألف فدان شبه مُناصفة بين الزراعة التّعاقديّة والتمويل الذاتي، بينما القضارف وحدها زرعت مائتي ألف فدان (تقول لي شنو وتقول لي منو؟!) قد يقول قائل إنّ الزراعة المطرية مخاطرها كثيرة لتذبذب هطول الأمطار وهذه حقيقة، ولكن أيضاً الزراعة المروية تُعاني كثيراً إذا حدث تذبذب في هطول الأمطار بالإضافة لسُوء إدارة عمليات الري كما هو حادثٌ الآن، إذاً (كلنا في الهَم شَرقٌ)..!
ومن ميزات الزراعة المطرية استخدام الآلة لاتساع المساحات وهذا ما لن يحدث في المشاريع المروية، حيث الحيازات الصغيرة اللهم إلا إذا حَدَثَ تَطوّرٌ في الشكل الإداري.. المشاريع المطرية تعمل في صمتٍ، بينما في المروية ترتفع الأصوات وتشتد الصراعات بين المُزارعين والدولة من جهة، وبين المُزارعين أنفسهم، حيث الصراع على الزعامة والفشخرة وسرقة التقاوي والذي منه.
إن من يتصدّون لقيادة المُزارعين تدفعهم المصالح الذاتية والأهواء السِّياسيَّة.. فانتبهوا يا ناس الجزيرة، فالأشياء ما عادت هي الأشياء والتاريخ (لا يُؤكِّل عيش)، وارتفعوا لمُعطيات هذا المشروع العملاق.. فالدولة والبنوك والتمويل والأسواق الخارجية سوف تتّجه لغيركم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى