الاستهزاء بالسُّودانيين في الدراما والبرامج العربية.. (قصة ونهايتها لِسّه)..!

لا حديث هذه الأيام في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي السودانية بخلاف الفيديو الأخير السعودي الذي يستهزئ بالشخصية السودانية ذلك الفيديو الذي جسد خلاله كوميي سعودي شخصية السوداني في قالب (منحط جداً) وغير لائق، مما أثار غضباً واسعاً في الشارع السوداني وجعل الكثيرين يطالبون السعودية بتقديم اعتذار رسمي عما بدر من ذلك الممثل (المغمور).

(1)

على ذات السياق، لم تكن إساءة ذلك الكوميديان السعودي للشخصية السودانية في الأعمال الدرامية هي الأولى، فقد سبقتها العديد من الإساءات من دول أخرى مثل الكويت والتي دخلت في صراع شرس جداً مع عدد كبير من نجوم الإعلام والدراما السودانيين الذين شنوا على الدولة هجوماً كثيفاً بسبب سخرية أحد الممثلين من الشخصية السودانية ووصفها بـ(الكسل)، وأشهر المتصدين كان مقدم برنامج (زول سوداني) والذي نال إعجاب كل السودانيين بدفاعه المستميت عن الشخصية السودانية. وعلى الضفة الأخرى من النيل، لحق بالمولد الممثل سمير غانم وابنته إيمي عبر مسلسل “عزمي وأشجان” الذي يُعرض على قناتي دبي الإماراتية والنهار المصرية، وتدور قصة عزمي وأشجان حول سارقين تطاردهما الشرطة في كل حلقة، وفي الحلقة العاشرة كان الموضوع حول فتاة سودانية ووالدها، تضمنت الحلقة عدة سقطات عنصرية بالنسبة لبعض السودانيين، تمثلت في ربط “الدجل والشعوذة” بالسودانيين، كما حوت المشاهد كلمات عنصرية مثل “عبدة” وسخرية من لون البشرة.

(2)
بالمُقابل، انتقل الأمر بالدراما المصرية من السخرية إلى التزوير في التاريخ ونثر الاتهامات على السُّودان سياسيّاً، ودونكم الأزمة الأخيرة التي سببها مسلسل أبو عمر المصري الذي عُرض في رمضان الماضي، ذلك المسلسل الذي أوحى بتصدير السُّودان للإرهاب، ووجود بؤر لتدريب الإرهابيين في مناطق سُودانية.!

(3)
موجة السخرية من السُّودانيين والتنميط الجارح ظَهرت حتى في البرامج التلفزيونية العربية، كما هو الحال في برنامج “بني آدم شو” الذي يقدِّمه الممثل المصري أحمد آدم، عَلاوةً على الطريقة التي ظلّ يُعالج بها الكاتب والإعلامي إبراهيم الجارحي مَواضيعه عن السُّودان، حيث انتقل من مُمارسة السخرية إلى تجريب الحلاقة العُنصرية على رؤوس السُّودانيين.!
(4)
الدكتور الصادق الفقيه تحدث من قبل خلال ندوة عن الشخصية السُّودانية في الدراما العربية، تلك الندوة التي أُقيمت بالدوحة، حيث قال الفقيه إنّ تنميط الشخصيات قد يكون فعلاً قصدياً من قِبل جهات لها هدفٌ مُحَدّد، وَقَد يَكون فعلاً عَفوياً ولكنه مُتصل ومُستمر بمكنيزم خاص به، وأضَافَ أنّ وضع هذا المشروع القصدي أو العفوي في سِياق الدراما يفقد الطرف المُستهدف إمكانية النفي والاحتجاج، وقال إنّ الاحتجاج قد يُعمِّق الصورة، واقترح الفقيه دراسة الظاهرة من كل الجوانب لتمييز القصدي منها والتلقائي ومدى إسهامنا السُّلوكي في دَعم وتَرسيخ ما يُقال، وقبل ذلك – كإسعاف أولي – اقترح الفقيه أن يتم التصدي لمَجهودات الدراما العَربيّة، في (تسخيف) الشّخصية السُّودانية عبر أعمال واحتفالات تتجاوز المحلية تُعلِّي وترفع وتعظم الرموز الناضرة في السُّودان.
(5)
الإعلامي والكاتب الصحفي ضياء الدين بلال تحدث عن الموضوع في مقال كامل نُشر قبيل سنوات بعنوان (بدون زعل.. الاستهزاء بالسُّودانيين)، قال خلاله: (السُّوداني في الدراما المصرية ظلّ لعقود طوال، يجلس على أبواب العمارات بالقاهرة أو الإسكندرية في انتظار أوامر السكان وفي رجاء عطاياهم. ويصل هذا الدور ذروته القصوى، إذا أضيف إلى ذلك، أن يأتي شاهداً أثناء تحقيقات تجرى لاكتشاف جريمة اُرتكبت بالعمارة، كان ذلك هو المألوف المُتكرر في استخدام الشخصية السُّودانية داخل المجرى الدرامي بمصر.. هذه الأيام أصبحت صورة الشخصية السُّودانية في الدراما المصرية تُستخدم في الأفلام الكوميدية، كبهار “الفلفل” للسخرية الحارقة، عبر مُفارقات ومُقارنات اللون، عريس أبيض اللون وعروس فاقعة السّواد لا تسر النَّاظرين، وهي في الغالب بدينة الجسم)، وأضاف ضياء بين ثنايا المقال: (استخدام الدراما المصرية للون البشرة السُّودانية بتلك الطريقة لا يُعبّر عن موقف عُنصري، فالحقيقة تقول إنّ المصريين أقل الشعوب العربية من حيث النزوع العُنصري)، وواصل: (الخليجيون كذلك أصبحوا يستضيفون الشخصية السُّودانية في درامتهم الناشئة في أدوار بسيطة، ولكنها ترميزية تختزل السُّوداني في نمط سلوكي وتعبيري مُحرج).
(6)
(نعم هناك تنميط يرقى لدرجة الإساءة)… بهذه العبارة ابتدر الباحث والإعلامي السر السيد حديثه – خلال حوار سابق -، وأضاف أنّ هذا التنميط بدأته الدراما المصرية ثُمّ أخيراً الدراما الكويتية، وقال السر السيد إنّ التنميط بما أنّه رسم صورة غير موضوعية للآخر بقدر ما تنهض على التقليل من شأنه والإساءة إليه، إلا أنه في نفس الوقت يشي بعدم المعرفة الدقيقة بهذا الآخر، ولأنّها، أي هذه الصورة، غير موضوعية، فإنّها في حالة السُّودان كما أوضح السَّيد تتأسّس على بُعد عُنصري عليه تنسج بتنوعاتها الكسل و”السّواد”. ولأن التنميط بطبعه إقصائي، فتعني البشرة المُلوّنة أنّك أقلّ منا، وتعني صفة الكسل أنّك غير جدير بما تمتلك من موارد؛ فلا وعي صانع الصورة النمطية لا يصنعها من أجل الإضحاك، ويعتقد السيد أنّ ذلك التنميط لا يخلو من بُعد سياسي يتمثل في إزاحة هذا الآخر، وذلك بحجب صُورته الحقيقيّة، فالسُّوداني بالكويت في حقيقته ليس كسولاً، بل مُساهم من موقعه في بناء الكويت، لكنه “لا يستحق هذه الموارد الكبيرة في الثروة الزراعية أو المعادن، فمن حقنا أن نستثمر هناك وبالشروط التي نُريد، ومن جانب آخر التغطية على ما قام به السُّودانيون في مُختلف المجالات بالمُشاركة في تنمية دول الخليج ومن بينها الكويت كخبراء وعُمّال وأكاديميين”، كما يقول السر السيد: (لا يخلو التّنميط من بُعد سياسي يتمثل في تهميش المُنمَّط ووصمه، وذلك بحجب صُورته الحقيقيّة خلف ادعاءات التّنميط الزّائفة).

تقرير: كوكتيل

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى