الإسلام وسعادة البشرية , فضيلة الشيخ محمد حسان

أحبتى في الله:

وسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية :
أولاً: الناس جميعاً يبحثون عن السعادة

ثانياً: سعادة العالم بين الوهم والحقيقة.

ثالثاً: الإسلام وسعادة والبشرية.

رابعاً: السعادة الحقيقة ووسائلها.

أو لا : الناس جميعا يبحثون عن السعادة

أحبتى فى الله .. ما من إنسان على ظهر هذه الأرض إلا وهو يبحث عن السعادة .. غاية يتفق فيها الخلق على اختلاف عقائدهم، وعقولهم، ومشاربهم ومبادئهم وغاياتهم.

فلو سألت أى إنسان على وجه البسيطة عن أىَّ عمل قام به لأجابك على الفور بقوله: أبحث عن السعادة ..، سواءٌ قالها بحروفها أم بمعناها. فكلُ الناس يريدون السعادة ولكن كثيراً منهم يخطئُ هذا الطريق.

* فكثيرٌ من الناس يظنُ أن السعادة الحقيقة في جمع المال ‍‍ !!

وبداية فأنا لا أقلل أبداً من شأن المال.. بل إننى لعلى يقين جازم أن المال عصبُ الحياة .. وأن المال هو الذي يدير الآن دفة السياسة العالمية بلا نزاع.

وما أكرمَه من مال حينما تُحركه أيدى الصالحين والشرفاء.

وفي الحديث الصحيح الذي وراه أحمد والتزمذى واللفظ له من حديث أبي كبشة الأنماري وفيه انه قال:

« إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ »([1]).
فإننا لا نقلل أبداً من شأن المال ونقرر أن المال سبب من أسباب السعادة.. لكن ليس كلُ صاحبِ مالٍ سعيداً.

بل ربما يكون المالُ سبباً من أسباب التعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة إذا لم يدرك صاحب المالِ غايته.

وكلكم يتذكر الآن معى قصة قارون الذي خرج على قومه في زينته في غاية السعادة حتى قال الناس إنه لذو حظ عظيم وكانت النتيجة كما تعلمون.

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ([2])

* ويقفز إلى ذهنى الآن قصة معاصرة عجيبة تؤكد أن المال وحده لا يمكن أن يكون سبباً للسعادة، إنها قصة « كرستينا أوناسيس » ابنةُ الملياردير الشهير «أوناسيس» الذي يملك المليارات والجزر والأساطيل وشركات الطيران، ومات أبوها فورثت هذه الفتاة مع ظوجة أبيها كل َّ هذه المليارات.

ومع ذلك فهل كانت سعيدة ؟!

والجواب . لقد تزوجت هذه الفتاة برجل أمريكى عاش معها شهوراً ثم طلقها أو طلقته.

ثم تزوجت بعده برجلٍ يونانى ثم عاش معها شهوراً فطلقها أو طلقته.

ثم تزوجت للمرة الثالثة برجل شيوعى روسى فتعجب كثير من الناس أن تلتقى قمة الرأسمالية مع قمة الشيوعية.

وعندما سألها الصحفيون قالت بالحرف الواحد: ( ابحث عن السعادة).. وعاشت معه سنة ثم طلقها أو طلقته.

ثم تزوجت برجل فرنسى وبعدها حضرت حفلاً كبيراً في فرنسا وسألها الصحفيون هل أنت أغنى امراة ؟!!

فقالت: نعم أنا أغنى إمرأة ولكنى أشقى إمرأة!!

ثم عاش معها الفرنسى فترة وطلقها أو طلقته ثم وجدوها بعد ذلك جثة هامدة فارقت الحياة في إحدى الشاليهات فى الأرجنتين.

* وقد يظن البعض أن السعادة الحقيقة في الشهرة.

وهذا يكون من أسباب السعادة وقد يكون كذلك من أسباب التعاسة والشقاء.

ولعلكم سمعتم وقرأتم ما ذكره بعضُ أهلِ الفنِ ممن تاب الله عليهم.

· وقد يظن البعض أن السعادة الحقيقية في المنصب والجاه!!

وقد يكون المنصب سبباً من أسباب السعادة إذا اتقى صاحبُ المنصب ربَّه جلا وعلا وعلم يقيناً أن المنصب إلى زوال ولو دام لغيره ما وصل إليه فنظر إليه على أنه أمانة كما قال النبي لأبى ذر :

« يَا أَبَا ذَرٍّ َإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا »([3]) .

ولله درُّ ابن الخطاب الذى رآه عثمان بن عفان رضى الله عنه يوماًَ يجرى تحت حرارة الشمس المحرقة التى تكاد تذيب الحديد والصخور فينادى عليه عثمان: ما الذى أخرجك في هذا الوقت الشديد الحرَّ يا أمير المؤمنين؟

فيقول عمر : بعيٌر من إبل الصدقة قد ندَّ وأخشى عليه الضياع فأسأل عنه بين يدى الله جلا وعلا!!

فقال عثمان: لقد أتعبت كُلَّ من جاء بعدك يا عمر!!

وهؤلاء ومن سار على دربهم هم الذين يسعدون بالمنصب في الدنيا والآخرة.

وقد يكون المنصب سبباً من أسباب التعاسة والشقاء في الدنيا بل والأخرة إذا نظر إليه صاحبه

على أنه غاية مِنْ ثَمَّ فهو يبذل من أجل هذه الغاية وقته وعقله وماله بل ودينه!!! ولا يحرص

إلا على إرضاء من ولاَّه وإن خالف ذلك أوامر مولاه سبحانه وتعالى.

وفي الصحيحين من حديث معقل بن يسار أن النبى قال:« مَا مِنْ عَبْدٍ

يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» ([4]).

فيا صاحب المنصب : الله اللهَ في هذه الأمانة. واعلم بأن دنياك مهما طالت فهى

قصيرة ومهما عظمت فهى حقيرة وأن الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر وأن

العمر مهما طال فلا بد من دخول القبر .. ويومها قد تندم كثيراً وساعتها لا ينفع

الندم!!.

* وقد يظن البعض أن السعادة الحقيقية في بلاد الغرب. وأن أبناء الغرب هم الذين

يعيشون هذه السعادة، ومِنْ ثَمَّ فالسعداء هم الذين يعيشون في الغرب ويطبقون

أحكامه ويدورون في فلكه وهذه من الفتن التي تعصف الآن بقلوب الكثيرين من

المسلمين والمسلمات.

ونحن أيها الأخوة والأخوات لا ننكر ما وصل إليه الغرب في الجانب المادي ولكن

الحياة ليست كلها مادة . ولا يمكن لطائرٍ جبار أن يحلق في أجواء الفضاء بجناح

واحد وإن نجح في ذلك لفترة وإن طالت فإنه حتماً سيسقط لينكسر جناحه الآخر.

فإن الغرب قد أعطى البدنَ كل ما يشتهيه وبقيت الروح

تصرخ تبحث عن غذائها ودوائها وهنا وقف الغربيون في حيرة .. لأن الروح لا

توزن بالجرام ولا تُقاس بالترمومتر ولا تخضع لبوتقة التجارب الإضافية في معامل

الكيمياء والفيزياء .. وهنا كذلك وقف علماء الطب والنفس في دهشة وحيرة أمام

الحالات المتزايدة للمصابين بالأمراض النفسية والعصبية بل وأمام حالات الانتحار

الجماعية.

وصدف الله إذ يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن

الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا

ومن سافر إلى بلاد الغرب واطلع على الدراسات العديدة التي تجرى هناك من آن

لآخر أدرك يقيناً أن أبناء الغرب يفتقدون السعادة ولا ينبغي أن ننبهر بالمظاهر

الخداعة التي تكاد تخطف أبصار من لا بصيرة لهم !!

قالو الغرب قلت صناعةٌ

وسياحةٌ ومظاهرٌ تُغرينا

لكنَّه خاوٍ من الإيمان

لا يرعى ضعيفاً أو يَسُّر حزيناً

الغرب مقبرة المبادئ لم يزل

يرمى بسهم المغريات الدينا

الغرب مقبرة العدالة كلما

رفعت يدٌ أبدى لها السكينا

الغرب يكفر بالسلام وإنما

بسلامه الموهوم يستهوينا

الغرب يحمل خنجراً ورصاصة

فَعَلام يحمل قومنا الزيتونا

كفرٌ وإسلام فأنَّى يلتقى

هذا بذلك أيها اللاهونا

ثانياً : سعادة العالم بين الهم والحقيقة

إن العالم اليوم محروم من الأمن والأمان رغم عظم الوسائل الأمنية المذهلة التي وصل إليها العلم الحديث ورغم الاختراعات الكثيرة التي يولد منها الجديد والجديد كل يوم، ورغم التخطيط الهائل المبني على أسس علمية ونفسية لمحاربة الجريمة بشتى صورها وبالرغم من كله فإن العالم لا زال يبحث عن الأمن والأمان وسط الركام.. بل لد تحولت هذه الوسائل الأمنية نفسها إلى مصدر رعب وفزعٍ وإبادة للجنس البشري..

فما منن يوم يمر – بدون مبالغة- إلا وتسفك فيه دماء وتتمزق هنا وهناك أشلاء وتدمر مصانع وتحرق بيوت وتباد مزارع وتتحطم مدارس.

والعالم يجتمعُ وينفضُّ والدنيا تقوم وتقعد والخبراء يدرسون ويبحثون ويقررون ومع هذا كله فإن الآلاف من البشر يعيشون في حالة من الذعر والرعب والخوف وهم ينتظرون الموت في كل لحظة من لحظات حياتهم لكثرة ما يرونه من إبادة وقتل وإفناء .. وقد أصبحت الدنيا في نظرهم مظلمة بالرغم من كثرة الأضواء..

وأصبحت عليهم ضيقة بعد ما شُرَّدوا وطردوا من ديارهم وأموالهم.

وهكذا حُرِمَ العالمُ من الأمن والأمان على كثرة منظماته وهيئاته ومواثيقه وقوانينه وأصبح الإنسان يفعل بالإنسان ما تخجل الوحوش أن تأتيه في الغابات.

والعالمُ اليوم أيضاً محرومٌ من الرخاء الاقتصادي رغم كثرة الأموال والمصانع واتساع الأسواق واختراع أحسن الوسائل في كل مجالات الاقتصاد.

نعم بالرغم من هذا كله فإن الملايين من البشر لا زالوا يبحثون عن لقمة الخبز ويبذلون ماء وجوههم للحصول على الثوب ويضحون بأرواحهم لتوفير المسكن ومنهم من يموت جوعاً وبرداً ومنهم من يسكن الجبال ويعيش بين القبور.

والمفكرون يبحثون عن الأسباب والخبراء يضعون الحلول ثم لا أسباب ولا حلول .

والعالم اليوم محروم من الطمأنينة النفسية وراحة البال وخلو القلب من الهموم ، والنفس إذا لم تتوافر لها الطمأنينةُ لا تستلذُ العيش ولو كان رخاء اً ولا تستمتعُ بملبس ولو كان فاخراً. ولا تهنأ بمركبٍ ولو كان فارهاً. ولا يمكن أبداً للقصور الشامخة والمراكب الفارهة والفرش الوثيرة والأموال الكثيرة والشهرة الجاه

والمناصب والمتاع لا يمكن لهذا كله أن يهب للنفس الطمأنينة الروحية أو السعادة القلبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى