الأمين العام لاتحاد المهن الموسيقية سيف الجامعة: مواقفي لم تتغير ولكن الإنقاذ تغيرت!

الأمين العام لاتحاد المهن الموسيقية الفنان سيف الجامعة يجلس إلى طاولة حوار متحدثاً لنا هذه المرة (فوق العادة) حول غربته خارج الوطن ومواقفه السياسية، وأيضاً تطرقنا بالحديث لحياته الفنية.. إليكم مضابط هذا الحوار:

* لماذا تغرّب سيف الجامعة عن بلاده (13) عاماً.. هل كانت لأسباب سياسية؟

– من الممكن أن نقول هذا في العام 1985م، عندما حدثت الانتفاضة جاءت الديمقراطية الأولى ونحن كشباب في ذلك الوقت كنا من الشخصيات التي ساهمت في إشعال قضية الثورة خلال وجودنا كطلاب بجامعة الخرطوم، وأنا من المؤسسين لمؤتمر الطلاب الديمقراطيين (الآن حزب المؤتمر السوداني)، وعندما تغير نظام حكم الفرد انصرفنا إلى الفنون والمشاغل، وذلك لأن الديمقراطية التي ننادي بها قد جاءت وفي العام 1989م حدث انقلاب الإنقاذ ونحن بشكل طبيعي لم نكن مع الانقلاب على الديمقراطية، وكنا محسوبين على التيارات السياسية الديمقراطية، وعندما جاء الانقلاب لم أكن منظماً تبع حزب، وبالرغم من هذا تم استهدافي وفصلي من الخدمة بدار جامعة الخرطوم للنشر، التي كانت منارة للوعي وتقيم ندوات وليالي ثقافية تنادي بالحرية والديمقراطية، وفي ذلك الوقت كانت الإنقاذ في البدايات، وهنالك شخصيات في زواية معتمة يقومون بكتابة تقارير وأصابني هذا الضرر من خلال تلك التقارير، وحتى الجو العام لم يكن مساعداً على ازدهار الفنون، وكان الإحساس أن المشروع القادم مشروع لن يتيح فرصة للإبداع والفن، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعلني أهاجر في العام 1990 خارج البلاد، واستمرت الغربة 13 عاماً، خلالها كانت الأغنيات جميعها للحرية والانعتاق والديمقراطية والأغنيات للسودان.

* 13 عاماً ما الذي خصمته منك؟

– بكل تأكيد خصمت وأضافت؛ خصمت التفاعل اليومي مع الجمهور وأضافت مزيداً من الوقت للإبداع، ولم أنقطع عن السودان، وأعمالي كانت متوفرة داخل السودان، وملهمة للكثير في التغيير الذي حدث، واليوم ليس مثل أول يوم في 1989م فهنالك تغييرات كثيرة حدثت.

* هل هذه التغييرات شملتك؟

– نحن لم نتغير، ولكن الإنقاذ تغيرت.

* وضِّح لنا كيف تغيرت الإنقاذ؟

– تغيرت بمعنى في العام 1989م لم يكن هنالك حوار أو نقاش، كان هناك قهر وإقصاء، والوضع تغير وعدنا نحن وانخرطنا داخل البلد، ونحاول أن نبني مع الشخصيات التي تبني، ولا نهدم مع الشخصيات التي تهدم.

* مع هذا التغيير الذي تتحدث عنه هل تغيرت مواقفك المعارضة؟

– لا، مواقفي لم تتغير لأنني مع الحرية والديمقراطية؛ لأنها قضية لا تموت، وأفرق بوضوح شديد جداً بين الدولة والحكومة، الدولة تحتوي على الشعب بحكومته، والحكومة كيان مختلف يدير شؤون البلد سواء كان غصباً عن الشعب أو باختيارهم، ولكن للدولة مكونات أخرى وهي الشعب ذاته، ونحن نعمل لصالح الوطن، وإذا وجدنا داخل الحكومة شخصيات تعمل لصالح الوطن سنكون معهم والمبادئ لا تتجزأ، ونحن لا نبيع ولا نشتري في مواقفنا، ولسنا موظفين داخل الحكومة نحن فنانون عند الشعب.

* تغير الموقف والعودة كانا السبب في سحب مريم ومي من قبل الراحل محجوب شريف؟

– هنالك شخصيات لديهم مواقف حادة جداً داخل حياتي تجاه التعامل مع الوضع الحالي، وكثيرون من معارفي وأصدقائي جمعتني بهم الغربة والمنافي لم يستطيعوا أن يتفهموا موقفي، أنا فنان لديَّ رسالة وهذه الرسالة لا يجب أن توجه نحو طرف واحد، ومن حق جميع الأطراف الاستماع لها يمكن أن تستجيب لها أو لا تستجيب لها، ولكن في نهاية الأمر وجدت أنه ليس من المناسب أن يجير الفنان مواقفه لصالح طرف سياسي معين، وإذا فعل هذا فنان تحول من خانة فنان إلى خانة سياسي، والسياسي يعني أنه يسعى لمنصب، وأنا لا أحتاج أن أصل إلى السلطة، لأنني لديَّ سلطة أنطلق منها، وهي محبة الناس على اختلافي معهم أو اختلافهم معي، وبكل تأكيد لا أتفق مع جميع الشخصيات الموجودة داخل الحكومة، وهم لا يتفقون معي، ولكن ليس هنالك شخص سيرغمني لتغيير اعتقاداتي.

* سحب (مريم ومي) وأشعار محجوب شريف؟

– في يوم من الأيام كنت أغني وبعض الناس تحدثوا معي، وكان حديثهم حول كيفية غنائي داخل منبر الإسلاميين، وليس لديَّ اعتراض أن أغني في كل المنابر.. إسلاميين أو شيوعيين.. في نهاية الأمر هذا هو السبب الذي أدى لتوقف أشعار الحبيب والصديق والأخ الأكبر الراحل محجوب شريف، وصحيح أنني زعلت على سحب الأشعار، ولكن قدرت موقف الراحل في ذلك الوقت ولديَّ رؤية مختلفة، وهي أنني لا أقاطع وأكون موجوداً في المنابر وأعمل مع الناس في رفع الوعي، وأعمل مع الناس لكي يتخلوا عن نظرية الإقصاء والإبعاد، وأنا مع الحوار الحقيقي الذي يؤدي لحل جميع مشاكل السودان وضد العنصرية والجهوية والقبلية والتحزب، وضد الحرب والتغيير العنيف، طالما هنالك إمكانية للوسائل السلمية المدنية سأظل متمسكاً بها، ونهاية الأمر أنني لا أحمل بندقية، سلاحي هو الكلمة والفكرة.

* هل ندمت على سنوات الغربة؟

– لا لستُ نادماً، وسنوات الغربة ساهمت في صنع شخصية سيف، وضد الشخص الذي يتخذ قراراً ويندم عليه.

* في الوقت الراهن هل تنتمي لحزب معين؟

– أنتمي لحزب كبير وهو الشعب السوداني، وليس لديَّ حزب غيره.

* إذا تمت دعوتك للانضمام إلى حزب هل توافق؟

– لستُ محتاجاً للانضمام إلى حزب، لأنني لا أريد أن أصل إلى السلطة.

* الابتعاد عن المناصب الإدارية داخل اتحاد المهن الموسيقية لسنوات طويلة؟

– لم يكن ابتعاداً مزاجياً ولكن نتائج انتخابات، وكانت لدينا قناعات بأن البعض لا يتفهمها أو يقف معها، وعقب حدوث المماحكات الكثيرة والمياه التي جرت تحت الجسر الجميع تفهم أن سيف لا يريد شيئاً سوى المصلحة للجميع، وهذا الذي أدى إلى تغير المواقف داخل الانتخابات وتجديد داخل المجلس، وعمل مختلف عن ما سبق برؤى وببرنامج مطروح جديد للعبور بالاتحاد من مرحلة الركود والسكون إلى مرحلة الحركة والانفتاح، وبها رعاية لمكونات العملية الفنية سواء كانوا شباباً أو موسيقيين، وبها إعادة لطيور مهاجرة كانت داخل الاتحاد وخرجت، وبها اهتمامات مكثفة شدت المبدعين وأدت إلى عودتي مرة أخرى إلى إدارة الاتحاد بعد غياب تسع سنوات، وآخر انتخابات خوضتها كانت في العام 2010 وكنت سكرتيراً ثقافياً، والآن الأمين العام وترشحت للرئاسة مرتين؛ الأولى كان الفارق كبيراً والمرة الثانية كان الفارق ضئيلاً جداً، عشرة أصوات بيني وبين الرئيس المنتخب، والآن حدثت مواقف جديدة في الانتخابات كان هنالك تحالف بيني وبين الأستاذ محمد الأمين لكي يكون رئيساً، والجمعية العمومية اختارت الدكتور عبد القادر سالم للرئاسة، والحمد لله الرؤى التي قمنا بطرحها الدكتور عبد القادر ليس بعيداً عنها، والآن نحن نعمل وفق برنامجنا المعلن، زائداً برنامج الدكتور عبد القادر، حيث قمنا بتزويج البرنامجين وأخذنا منهما الممكن والواقعي الذي يمكن أن ينفذ، وبدأنا به ونتمنى للمجلس الجديد التوفيق والنجاح.

* ذكرت أن الجميع بدأوا يفهمون فكرتك، هل كان هنالك اختلاف رؤى بينك وبينهم؟

– هو ليس خلافاً ولكن من الممكن أن يكون تقصيراً مني، ربما لم أستطع توصيل المفهوم للناس، وهي فرصة لتوصيل الأفكار والبرامج والرؤى، ودائماً من جمعية عمومية إلى أخرى، ودائماً الشخص لا يحبذ أن يحمل الأوزار إلى الآخرين، لأنني كنت مقصراً في توصيل وجهة نظري بشكل جيد.

* لماذا هل كانت حادة؟

– من الممكن أن تكون كذلك، ولكن الآن تفهموا وأدركوا، ونحن نفكر في المستقبل بشكل جيد ونقوم بعمل المستحيل لكي لا نخذل القاعدة التي اختارتنا، ونقدم لها العون لكي ننهض بالاتحاد وبالجمعية ونحقق الأهداف.

* تجربة الاستديو ماذا تضيف للفنان بشكل عام وأنت صاحب تجربة؟

– تحمل منك قيود الإنتاج الذي به أعباء مادية، والاستديو يوفر 50 إلى 60 % من تلك الأعباء، ويساعدني باعتبار أنني شخص طارح لبرامج وأهداف والأمر ليس سيف فقط، ولكن سيف والآخرين، وهنالك الكثير من الشباب والشابات أشعر بأنهم محتاجين للمساعدة والوقوف معهم، وهذا الأمر يحدث من خلال الاستديو، وهو استديو مفتوح للتعاون مع جميع الناس، وأموال الاستديو والفن جميعها تصرف على الغناء، والفن الراقي ظريف ولكن يحتاج (مصاريف)، وتركيزي على الاستديو لكي يطرح مشروعي الفني للجمهور باستمرار دون التقيد بقناة فضائية أو إذاعة، ويكون دائماً إنتاجاً موجوداً ومطروحاً للناس، ومن خلاله تطرح الفنون الجديدة والرؤى والمشاريع المستقبلية.

* من الممكن أن يكون الاستديو سبباً في عصف ذهني بالنسبة لك والتركيز يكون عليه أكثر من أعمالك الخاصة؟

– أتعامل مع الاستديو الخاص بي كمطرب وليس كصاحب استديو، لأنه ليس كلاسيكياً وبه إدارة ومهندس صوت، وأحتاج لجزء من الوقت لكي أعمل بداخله أعمالي الخاصة، وجزء آخر من الوقت لنساعد الآخرين لكي يقوموا بتقديم أصواتهم للشخصيات التي تستمع إليهم، وهنالك الكثير من الأصوات الشبابية تحضر إلى الاستديو وتقوم بتسجيل خمس أغنيات لتقديمها إلى المجلس للإجازة، ونقوم بعمل توصية عليه، وبحمد الله ليس لدينا متدرب رُفض أو لم يُقبل من المجلس.

حوار – اشتياق عبد الله

الخرطوم: (صحيفة مصادر)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى