اقتصاديون يرجحون نضوب انتاج الذهب بالسودان خلال 5 سنوات

السودان اليوم :

على مساحات شاسعة من شمال وشرق وغرب السودان تنتشر شركات أجنبية وأفراد من جنسيات مختلفة في مربعات تقدر بمئات الكيلومترات تحمل في داخلها أطنانا من الذهب، ويعمل هؤلاء على إستكشاف وتعدين الذهب بموجب تراخيص من الدولة او بصورة غير منظمة.. ويستخرجون مئات الكيلوجرامات من الذهب يوميا دون أي إعتبار للإحتياطي الذي بدأ يتراجع /بحسب خبراء /بسبب الإستخراج غير المرشد. ويؤكد إقتصاديون أن هذا التعدين المكثف لا يمكن أن يطلق عليه أي توصيف سوى أنه نهب لثروات البلاد بلا منازع، وتوقعوا نضوب الذهب بعد خمس سنوات فقط لامحالة،، وقال عاملون بحقل التعدين أن إنتاج الذهب يتزايد بصورة يومية بفعل تمدد المساحات وإعتماد الشركات الأجنبية على الآليات،،ليس ذلك فحسب بل أن وزير المعادن السابق محمد أحمد علي كان قد أعلن في أغسطس للعام ٢٠١٧م أن إحتياطي الذهب المثبت داخل باطن الأرض يقدر بحوالي “٥٣٣” طنا، ولكن وفقا لمجلة “بزينس جورنال” في أغسطس ٢٠١٨م فكانت قد قدرت إحتياطي السودان من الذهب بأنه لا يزيد عن”٤٦٠ ” طنا فقط.

وفي تصريح لوزارة المعادن أكدت فيه أن حجم الفاقد بين الذهب المنتج والمصدّر للخارج والمخزن من جانب الحكومة، بلغ 48.8 طناً، في النصف الأول من 2018م وأوضحت أن قيمة صادرات الحكومة منه بلغت 422.5 مليون دولار. وفي وقت تغفل فيه هذه التقاير الحكومية عن حجم الإحتياطي المثبت والتراخيص الجديدة للشركات..

زيادة الإنتاج وتعطيل القوانين

من جهته يقول حسن بخيت وهو أحد الذين يعملون في حقل التعدين منذ العام٢٠٠٨م لـ”
الراكوبة” أن انتاج الذهب زاد أكثر مما كان عليه قبل سنوات بسبب زيادة المعدنين وزيادة عدد الشركات الكبيرة التي تعتمد على الآليات ووجود العمال في المناجم ممايؤكد أن هناك زيادة سنويا للإنتاجية المستخرجة .موضحاً أنه قبل سنوات كانت لدينا شركة واحدة هنا في العبيدية لمعالجة “الكرتة” فالآن أصبح عدد الشركات يفوق تسع عشرة شركة .. وفي أبي حمد يوجد مايربو على أربع عشرة شركة وأردف: أن أغلب هذه الشركات تعمل على إستخلاص الذهب. وكشف بخيت عن زيادة كبيرة في كمية الطواحين بالأسوق في الشمالية فنجد أن سوق العبيدية الذي كان عدد الطواحين فيه للعام 2014 م لا يتجاوز ثلاثمائة طاحونة فالآن به أكثر من ثلاث الف طاحونة مائية ويصل متوسط إنتاج الذهب فيه إلى 50 كيلو جراماً يوميا وتأخذ منها الدولة 10
كيلو جرام، كما توجد أكثر من ثلاث الف طاحونة بسوق أبي حمد مؤكدا أن الحكومة أيضا تأخذ
منها 10% ناهيك عن نصيبها من الذهب الذي يستخرجه الأفراد، وأضاف أن الأسواق إزدهرت بصورة ملفتة عكس السنوات الماضية.

تمدد المساحات والتهريب

في السياق أضاف عمر محمد الذي يعمل إداريا بإحدى شركات تنقيب الذهب ل” الراكوبة” أن أغلب الشركات التي تعمل في إستخراج الذهب هي أجنبة وتعمل بواسطة الآليات من” عربات ولودرات والحفارات الكبيرة والكسارات وفي مساحات تتمدد يومياً مما جعل بعض المعدنيين يبحثون في دول أخرى مثل” موريتانيا وجنوب افريقيا والجزائر”..وقال أن القانون كان يسمح لبعض الشركات بعد إنتاجها للذهب بالتصدير كما يسمح لها بأخذ جزء من الإنتاج ولكن تم تعطيل هذا القانون وجعل المعدن لا يأخذ نسبته من الذهب المستخرج بواسطته رغم أن بنك السودان لا يغض النظر في أخذ نصيبه من الإنتاج. لذلك نجد أن الكثير من المعدنيين سواء أفراد او الموجودين في الشركات يتجهون إلى التهريب.
وكشف أن الدولة تأخذ 26% من الانتاج شهريا من كل شركة وتأخذ 13 % أيضا من شركات الامتياز مثل “أرياب والشركة الاردنية والشركة والمغربية والتركية” ويكون نصيب الولاية منها ٣٪ موضحاً أن هذه شركات تمتلك مساحات من الأرض لتسمح لها الدولة للتعدين.

جهاز الأمن الإقتصادي

ولا زال الحديث لدى بخيت الذي تحدث عن الاسواق التي تعمل على إستخلاص الذهب وقال أنها كثيرة منها ” سوق ابوحمد والعبيدية والشريق ودار مالي في النهر النيل والسرحة ووادي العشار الذي يتبع لهيا في البحر الاحمر وشاور وود بشارة في البطانة والدبة وغيرها من الاسواق في شمال كردفان. لافتاً إلى أن كل هذه الأسواق وغيرها تقوم بتوريد الذهب الى الدولة عن طريق جهاز الامن الإقتصادي ووزارة المعادن، وأكد أن الذهب على سطح الارض اصبح قليلاً، لأن التعدين المنظم تتبناه شركات الإمتياز وهي صاحبة المربعات الكبيرة والتي يتم التصديق لها من وزارة المعادن والإشراف عليها فتقوم الوزارة بمسح الأرض لها كما تقوم بعمل دراسة جيولوجية للتأكد من وجود الذهب في باطنها ومعرفة الاحتياطي الموجود من الذهب وأضاف أن كثير من تلك المساحات فيها أطنانا كبيرة من الذهب وتحدد مدة إستخراجه حسب الامكانيات التي تمتلكها للشركة.
وأبان أن كثير من الشركات لجأت الى التنقيب في باطن الارض لأن الذهب على السطح اُستنفد فنجدها تجاوزت ١٠٠ متر داخل الأرض للتنقيب ، موضحا أن الأفراد ينقبون في مربعات كبيرة وتتجاوز ال”5000 ” كيلومتر من او قد تزيد هذه المربعات وقال أيضا هي مساحة تقوم بتصديقها وزارة المعادن.

سياسية الدولة والإحتكار

تحدث بخيت عن السياسات التي تنتهجها الدولة مع المعدنين التقليدين قائلا : أن
الامن الاقتصادي يأخذ 140 جنيه على الجوال الذي يأتي به المعدن ويفرض ضرائب باهظة على المعدنيين حتى لو لم يكن هناك جرام واحد في جوال الحجر الذي قاموا بجلبه. وأضاف أن سياسة البنك المركزي جعلت المعدنون يقومون بتهريب الذهب وهذا بالطبع أسلوب لا يعود على خزينة الدولة ولا على المواطن بفائدة . شارحاً لـ”الراكوبة” لا تنخفض قيمة الدولار بهذه الطريقة طالما أن بنك السودان يقوم بشراء الذهب بسعر أقل من السعر العالمي وبالجنيه السوداني لأن البنك يتحجج بأن الذهب السوداني لا يضاهي المواصفات العالمية في الوقت الذي يمتلك فيه السودان مصفاة لتقسيم الذهب إلى شرائح وتصنيفه.. لكن بخيت يرى أن البنك بهذه السياسة يريد ان يستفيد من الذهب عن طريق المعدنيين دون أن يعطيهم حقوقهم ” كاش” وحتى لو قرر إعطاءهم أموالهم فإنه يحاسبهم بالدولار بالرغم أنه يأخذ ضرائبه وأرباحه منهم .

ووصف هذه السياسة التي يتعامل بها البنك بسياسة الإحتكار على الذهب وعدم السلاسة في التعامل.

تضارب القوانين والتصاديق

وذكر أحد الذين يعملون بإحدى الشركات فضل حجب إسمه ل” الراكوبة” أن هناك تضارب بين قوانين وزارة المعادن والقوانين الولائية إذ تقوم الولاية بتصديق مساحات التنقيب في وقت تكون فيه وزارة المعادن صدقت هذه المساحة لصاحب إحدى الشركات مما يحدث صراع بين المعدنين. ويكون كل من تم التصديق له لديه مستند . وكشف أن أكثرالمساحات تسيطر عليها “شركة االجنيد” التي تتبع للدعم السريع وتحتوي على أطنان مقدرة من الذهب في جبل عامر وجبل الراهب حيث تبدأ تلك المساحة من بورتسودان وتنتهي في حلفا تخوم الحدود المصرية وأضاف ولأن هذه الشركة ليست لديها الإمكانيات لإستخراج الذهب من باطن الأرض فتقوم بالتعاقد مع الشركات الأجنبية وأن متوسط إنتاج الطن من الأفراد في تلك المساحة يصل
إلى ٩٨ جرام من الطن، مؤكدا أن التنقيب في باطن الأرض أكثر من سطح الأرض.

نضوب الذهب

في السياق أفاد المحلل الإقتصادي كمال كرار في هذا الجانب أن الصناعات الاستخراجية
في السودان مثل الذهب والبترول ظل إنتاجها وكل العمليات الخاصة بإحتياطاتها لا تراعي المعايير المطلوبة ولا تهتم بحجم الاحتياطي الموجود مما يعرض هذه الموارد غير المتجددة للنضوب. موضحاً أن هذا يرجع الى السياسات المتبعة في هذا المجال إذ أنها تهتم فقط بالعائدات دون الالتفات لجوانب اخرى، مثل البيئة او تطوير الاحتياطي وغيرها . يضيف كرار لـ”
الراكوبة” مع العلم بأن الكثير من الشركات الأجنبية منحت إمتيازات للتنقيب عن الذهب دون شروط مقيدة.

إحتياطي الذهب” 533″

ولفت نتيجة لهذه السياسات تتضاءل إنتاج البترول وكاد أن يصل الى الصفر وأكد أن ما حدث للبترول سيحدث للذهب.. فالاحتياطي المثبت من خام الذهب 533 طن حسب تقديرات وزارة المعادن بنهاية ٢٠١٧ م ..ولما كان متوسط الانتاج السنوي للذهب في حدود مائة طن فإن هذه الثروة ستنضب في غضون خمس سنوات أي بنهاية ٢٠٢٢ م .. وقال فمن المؤسف أن إهتمام الدولة الان ينصب على المزيد من منح الامتيازات للافراد والشركات دون أي تحديد لسقف
الانتاج .

قتل الدجاجة وخم البيض

ويواصل كرار حديثه ل” الراكوبة” أن عائدات الذهب التي يتحصل عليها بنك السودان لا تدخل الخزينة العامة ولا يستفاد منها في التنمية او حتى توفير غطاء ذهبي للجنيه السوداني..
ولا ندري أين تنفق هذه الاموال التي تأتي من الذهب. لافتاً أن الذهب وغيرها من ثروات باطن الأرض هي ثروات عامة ” ملكية الشعب” وليس ملكية للحكومة وليس لهذه الجيل فقط إنما للأجيال القادمة أيضا،، وكل الحكومات التي لديها بعد نظر تحافظ على مثل هذه الثروة النفيسة..ولكن هنا يتم التعامل مع الذهب بنظرية” قتل الدجاجة وخم البيض”.

ناقوس الخطر والإستنزاف

وحذر كرار: لابد أن يدق ناقوس الخطر تجاه مايحدث حتى لا يلحق بالذهب ما لحق بالبترول وبلادنا تتعرض لأكبر عملية نهب في التأريخ الحديث ودعا كافة الوطنيون من القوى الإجتماعية والسياسية لوقف إستنزاف هذه المورد غير المتجدد.. وإعادة النظر في السياسات الخاصة بقطاع التعدين والقوانين المتعلقة به من أجل الحفاظ على الذهب والتعامل معه بما يفيد الوطن الوطن والشعب ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى