اذاعه كامله عن ليله الاسراء والمعراج , مقدمة وخاتمه عن ليله الاسراء والمعراج , كلمة عن ليله الاسراء والمعراج

الإسراء والمعراج:

من أعظم معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: الإسراء به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم العروج به السماوات السبع فما فوقها ، وقد انتشر في بعض البلدان الاحتفال بذكراها في ليلة السابع والعشرين من رجب ، ولا يصح كون ليلة الإسراء في تلك الليلة ، قال ابن حجر عن ابن دحية: “وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، قال: وذلك كذب”(15) ، وقال ابن رجب: “وروي بإسناد لا يصح ، عن القاسم بن محمد ، أن الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سابع وعشرين من رجب ، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره”(16).
وقال ابن تيمية: “لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، ولا على عينها ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به”(17).
على أنه لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لما شرع لأحد تخصيصها بشيء؛ لأنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها ، فضلاً عن أن يقيموا احتفالاً بذكراها ، بالإضافة إلى ما يتضمنه الاحتفال بها من البدع والمنكرات(18).
الذبح في رجب وما يشبهه:
مطلق الذبح لله في رجب ليس بممنوع كالذبح في غيره من الشهور ، لكن كان أهل الجاهلية يذبحون فيه ذبيحة يسمونها: العتيرة ، وقد اختلف أهل العلم في حكمها: فذهب الأكثرون إلى أن الإسلام أبطلها ، مستدلين بقوله كما عند الشيخين عن أبي هريرة (رضي الله عنه): “لا فرع ولا عتيرة”(19).
وذهب بعضهم كابن سيرين إلى استحبابها ، مستدلين بأحاديث عدة تدل على الجواز ، وأجيب عنها بأن حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أصح منها وأثبت ، فيكون العمل عليه دونها ، بل قال بعضهم كابن المنذر بالنسخ؛ لتأخر إسلام أبي هريرة ، وأن الجواز كان في صدر الإسلام ثم نسخ ، وهذا هو الراجح(20).
قال الحسن: “ليس في الإسلام عتيرة ، إنما كانت العتيرة في الجاهلية ، كان أحدهم يصوم ويعتر”(21).
قال ابن رجب: “ويشبه الذبح في رجب: اتخاذه موسماً وعيداً ، كأكل الحلوى ونحوها ، وقد روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه كان يكره أن يتخذ رجب عيداً” (22).
تخصيص رجب بصيام أو اعتكاف:
قال ابن رجب: “وأما الصيام: فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه”(23).
وقال ابن تيمية: “وأما صوم رجب بخصوصه: فأحاديثه كلها ضعيفة ، بل موضوعة ، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها ، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل ، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات… وقد روى ابن ماجة في سننه ، عن ابن عباس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه نهى عن صوم رجب ، وفي إسناده نظر ، لكن صح أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس؛ ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب ، ويقول: لا تشبهوه برمضان… وأما تخصيصها بالاعتكاف الثلاثة الأشهر: رجب ، وشعبان ، ورمضان فلا أعلم فيه أمراً ، بل كل من صام صوماً مشروعاً وأراد أن يعتكف من صيامه ، كان ذلك جائزاً بلا ريب ، وإن اعتكف بدون الصيام ففيه قولان مشهوران لأهل العلم”(24).
وكونه لم يرد في فضل صيام رجب بخصوصه شيء لا يعني أنه لا صيام تطوع فيه مما وردت النصوص عامة فيه وفي غيره ، كالإثنين ، والخميس ، وثلاثة أيام من كل شهر ، وصيام يوم وإفطار آخر ، وإنما الذي يكره كما ذكر الطرطوشي (25) صومه على أحد ثلاثة أوجه:
1- إذا خصه المسلمون في كل عام حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة ، مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان.
2- اعتقاد أن صومه سنّة ثابتة خصه الرسول بالصوم كالسنن الراتبة.
3- اعتقاد أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام سائر الشهور ، وأنه جارٍ مجرى عاشوراء ، وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة ، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض ، ولو كان كذلك لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- أو فعله ولو مرة في العمر ، ولما لم يفعل: بطل كونه مخصوصاً بالفضيلة.
العمرة في رجب:
يحرص بعض الناس على الاعتمار في رجب ، اعتقاداً منهم أن للعمرة فيه مزيد مزية ، وهذا لا أصل له ، فقد روى البخاري عن ابن عمر (رضي الله عنهما) ، قال: “إن رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب ، قالت (أي عائشة): يرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهِدُه ، وما اعتمر في رجب قط” (26).
قال ابن العطار: “ومما بلغني عن أهل مكة (زادها الله تشريفاً) اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب ، وهذا مما لا أعلم له أصلاً” (27).
وقد نص العلامة “ابن باز”(28) على أن أفضل زمان تؤدى فيه العمرة: شهر رمضان؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “عمرة في رمضان تعدل حجة” ، ثم بعد ذلك: العمرة في ذي القعدة؛ لأن عُمَرَه كلها وقعت في ذي القعدة ، وقد قال الله (سبحانه وتعالى): ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ))[الأحزاب: 21].
الزكاة في رجب:
اعتاد بعض أهل البلدان تخصيص رجب بإخراج الزكاة ، قال ابن رجب عن ذلك: “ولا أصل لذلك في السُنّة ، ولا عُرِف عن أحد من السلف… وبكل حال: فإنما تجب الزكاة إذا تم الحول على النصاب ، فكل أحدٍ له حول يخصه بحسب وقت ملكه للنصاب ، فإذا تم حوله وجب عليه إخراج زكاته في أي شهر كان” ، ثم ذكر جواز تعجيل إخراج الزكاة لاغتنام زمان فاضل كرمضان ، أو لاغتنام الصدقة على من لا يوجد مثله في الحاجة عند تمام الحول..ونحو ذلك(29).
وقال ابن العطار: “وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له ، بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجباً أو غيره”(30).
لا حوادث عظيمة في رجب:
قال ابن رجب: “وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك ، فروي أن النبي ولد في أول ليلة منه ، وأنه بعث في السابع والعشرين منه ، وقيل في الخامس والعشرين ، ولا يصح شيء من ذلك…”(31).
وقفة مع بعض الدعاة:
يمارس بعض الدعاة اليوم أنواعاً من البدع الموسمية كبدع رجب مع اقتناعهم بعدم مشروعيتها؛ بحجة الخوف من عدم اشتغال الناس بغير عبادةٍ ، إن هم تركوا ما هم عليه من بدعة.
ومع أن البدعة أخطر الذنوب بعد الشرك ، إلا أن هذا توجهٌ في الدعوة وطريقة التغيير خطير مخالف لهدي النبي ، والواجب: أن يدعى الناس إلى السنة المحضة التي لا تكون استقامة بدونها ، قال الثوري: “كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة”(32).
وكان الواجب على هؤلاء أن يتعلموا السنة ، ويعلموها ، ويدعون أنفسهم ومن حولهم إلى تطبيقها؛لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”، ولله در أبي العالية حين قال لبعض أصحابه: “تعلموا الإسلام ، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه ، وعليكم بالصراط المستقيم ، فإن الصراط المستقيم: الإسلام ، ولا تنحرفوا عن الصراط المستقيم يميناً وشمالاً ، وعليكم بسنة نبيكم ، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين أهلها العداوة والبغضاء” (33).
ومن قبله قال حذيفة (رضي الله عنه): “يا معشر القراء: استقيموا، فقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً” (34).
وأخيراً:
فإن الدعاة اليوم والأمة معهم مطالَبون بتجريد المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في كل شأن ، تماماً مثل ما هم مطالبون بتجريد الإخلاص لله (عز وجل) ، إن هم أرادوا لأنفسهم نجاةً ، ولدينهم نصراً وإعزازاً ، قال الله (عز وجل): ((فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) [الكهف: 110] وقال (سبحانه): ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) [الحج: 40].
وفق الله الجميع للخير ، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى