اجابة سؤال لماذا الزكام يكثر في الشتاء اكثر من الصيف؟

(فإن تغير) الهواء عن الاعتدال بسبب امتزاجه بما ذكر (تغير حكمه) فيكون محدثاً للمرض وحافظاً له بعكس الهواء النقي (وتغيراته) أي تغيرات الهواء على أقسام ثلاثة، لأنها (إما طبيعية) كتغير الفصول (أو غير طبيعية، وغير الطبيعية) على قسمين (إما مضادة للطبيعة) الإنسانية كالوباء (أو غير مضادة لها) كالتغير بسبب الجبال ونزول الأمطار ونحوها (والتغيرات الطبيعية هي التغيرات الفصلية) فإن الهواء في كل فصل من الفصول الأربعة في الآفاق الحمائلية ومن الفصول الثمانية في الآفاق الدولابية ـ وإن كانت الثمانية هي الأربعة مزدوجة ـ يتكيف بتكيّف الفصل، فهواء الشتاء بارد، وهواء الصيف حار، وهكذا.

(وكل فصل) من الفصول الأربعة (فإنه يورث الأمراض المناسبة له) أي للفصل ومعنى ـ إيراثه ـ أنه سبب أو مُعِدّ (ويزيل) الأمراض (المضادة له) من باب الشفاء بالضد، إذ تقع المقاومة بين الضدين ويغلب الأقوى منهما (فإن الصيف يثير الصفراء) إذ طبيعة الصيف حارة يابسة، وكذلك طبيعة الصفراء، فيولدها بالطبع (ويوجب أمراضها) أي الأمراض الصفراوية (كالغب) وهو حمّى يوم دون يوم (والمحرقة) الصفراوية (والعطش) لانصاب الصفراء في المعدة فيعطش الإنسان (والكَرْب) بسكون الراء بعد الفتح وهو شيء من الصفراء يلزق بجدار المعدة.

(والشتاء يوجب الزكام) لارتفاع الأبخرة الباردة الغليظة إلى الرأس وانسداد المسام الرأسية (والنزلة) لانعكاس تلك الرطوبات إلى الأسافل (والسعال) لانصباب الرطوبات المتصاعدة ـ عند النزلة ـ إلى أعضاء الصدر (ويكثر فيه) أي في الشتاء (البلغم) لقلة الحركة، وكثرة النوم المولدتين له، ولغلظ الأغذية المستعملة فيه (ويكثر فيه) أي في الشتاء (أمراضه) أي أمراض البلغم.

(والخريف يكثر فيه الأمراض) المختلفة: لوجوه، أحدها: (لتغير الهواء فيه من برد الليل و) برد (الغدوات إلى حر الظهائر) جمع ظهيرة، فإن توارد الأضداد على البدن يوجب تحيّر الطبيعة في عملها، ويكون الإنسان فيه كمن اُخرج من ماء حار وغُمس في ماء بارد وبالعكس، فتقف الطبيعة عن التحلل والإنضاج، وهما علة الصحة بصورة عامة، فإذا جمدا هاجت مختلف الأمراض على البدن (و) ثانيها: (لتقدم الصيف) على الخريف (المخلخل للبدن) بجعله خِللاً وفُرجاً له مما يوجب الإرخاء وتفتيح المسام (المحلل للقوى) لأن الصيف يحلل المواد، فتضعف القوى المحمولة لها (المثير للصفراء) لما تقدم من أن الصيف يثير الصفراء (المحرق للأخلاط) إذ الحر الشديد يحرق الأشياء السائلة بعد تبخير ما كان منها قابلاً للتبخير (و) ثالثها: (لكثرة الفاكهة) في الخريف الموجبة لكثرة استعمالها وهي توجب فساد الأخلاط لغلبة الرطوبة إذ الحرارة الغريزية لا تقوى على تحليلها وتجفيفها (ويكثر فيه) أي في الخريف (السوداء) إذ الخريف كالسوداء في الطبيعة بارد يابس (ويقل الدم) لمضادة الخريف لمزاج الدم الذي هو حار رطب، ولأن الدم إنما يتولد عند جودة الهضم والنضج، وهي منتفية في الخريف لما عرفت (فكأنه) أي الخريف (كافل للصيف) أي يضمن له (بقايا أمراضه) فيظهرها وينميها.

(والربيع) وإن كان أحسن الفصول إلا أنه (تتحرك فيه الأخلاط المحتبسة في البدن شتاءً) لما عرفت من أن الشتاء لبرده يحبس الأخلاط، ويمنعها عن النضج والتحليل (وتسيل) لزوال البرد المجمد (إلى الأعضاء الضعيفة) سواءً كانت ضعيفة خلقةً كالإبط ووراء الأذن، أم عارضةً بسبب مرض ونحوه (فيحدث فيه) أي في الربيع (الخراجات) أي الدماميل والبثور، وذلك لانصباب المواد الحارة نحو الجلد (وأورام الحلق) لانصباب المواد إلى غدد الحلق الضعيفة، (ويتحرك فيه) أي في الربيع (كل مرض ذو مادة) التي كانت مادته (ساكنة شتاءاً) لجمودها ببرد الهواء (وذلك) الذي ذكرنا من تحرك الأمراض ذات المواد (لا لرداءته) أي رداءة الربيع (بل لحره اللطيف) الموجب لنضج المواد (فإنه) أي الربيع (أصح الفصول) لأنه معتدل بين الحر والبرد، وبين الرطوبة واليبوسة (وأنسبها للحياة) لأنه مع كونه معتدلاً يميل نحو الحرارة اللطيفة، والحرارة هي منبع الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى