أموال أوروبية مضخوخة.. بقلم عبد اللطيف البوني

السودان اليوم:

(1)
جاء في الغراء (التيار)، الصادرة في يوم الاثنين، التاسع عشر من نوفمبر الجاري، كخبر رئيسي ووحيد في الصفحة الأولى؛ أن سفير دولة أوروبية (كبرى) – الهلالان من عند الكاتب – وفي لقاء مغلق مع مجموعة ناشطين، قال إن السودان مقدم على انهيار اقتصادي وشيك (لكننا لن نسمح بذلك ولو تطلّب الأمر ضخ أموال إلى السودان بصورة مباشرة)، وأضاف أن استمرار تماسك الدولة السودانية ليس مهمة السودان وحده، لأن انهيار الاقتصاد السوداني، وبالتالي الدولة السودانية، سوف يُؤثّر على كل الإقليم، ووصف الحلول المطروحة (من قبل الحكومة) – بين الهلالين من عندنا – بأنها لن تُنقذ الأوضاع، وعلى الحكومة السودانية إذا أرادت تجنب الفشل أن تفتح الملعب السياسي، وتُوسِّع المُشاركة السياسية والحريات وحقوق الإنسان (انتهى).
(2)
الجزء الأول من كلام السيد السفير يقول بوضوح، إن أوروبا (يمكن) – بين الهلالين من عندنا فالسفير استخدم عبارة إذا لزم الأمر – تأخذ بيد السودان ليس بمساعدات فنية أو إعفاءات أو حتى إنهاء مقاطعته، إنما بضخ أموال مُباشرة في خزانة السودان (بختنا) – الهلالان من عندنا – ثم يوجه خطابه لحكومة السودان، ويصف سياستها الاقتصادية (البرنامج الثلاثي والخماسي والخمسة عشر شهراً والذي منه) – الهلالان من عندنا – بعدم الجدوى. أها يا سعادة السفير الحل شنو؟ الحل سياسي مباشر وهو فتْح الملعب السياسي وتوسيع المشاركة السياسية والذي منه (نفس المسارات الأمريكية)، ويبقى سؤالنا لسيادة السفير لكي نفهم كلامه لأي الخيارين الأولوية؟ هل سوف تضخون اليوروهات في الوقت الحاضر أم أن المطلوب أن تُغيِّر الحكومة سياستها وتُقدِّم الإجراءات السياسية المطلوبة وبعد ذلك سوف تنهمر الدولارات؟ إذا اكتفينا بالجزء الأول فإن الأموال الأوروبية قادمة للسودان، أما إذا نظرنا إلى آخر الكلام، فإن الحل سوداني عند السفير، ولكن إذا لجأنا للتأويل سوف نجد في الأمر تتابعاً، فيا حكومة السودان بطّلي خمج اقتصادي وسياسي وبعد ذلك سوف ندعمك، بيد أن ظاهر الصياغة أن اليوروهات إذا قُدِّمَتْ لن تكون حُبّاً في حكومة السودان، بل خوفاً من انهيار السودان وتجنب انهيار السودان، وليس حُبّاً في عسلية عيون أهل السودان، بل خوفاً على بقية الإقليم، أي السلم الإقليمي والعالمي.
(3)
نعم السياسات الداخلية هي التي وضعت الاقتصاد السوداني على شفير الهاوية، ولكن يا سعادة السفير إن سياستكم تجاه السودان قد أدت دورا كبيرا في تأزيم أوضاع السودان. لقد حاصرتم السودان وأوقفتم عنه القروض والمِنَح وكل المساعدات، لقد رفضتم إعفاءه من الديون أُسوةً بدُول الهيبيك، وأنت تعلم خدمة الديون، ناهيك عن أصلها، لا بل حتى الاستفادة من اتفاقية لومي وما تبعها، وكل ذلك يُعطي الصادرات الإفريقية لأوروبا بعض المزايا التي حرمتم منها السودان. أنتم يا سعادة السفير لم تُعاقبوا حكومة السودان، بل عاقبتم الشعب السوداني، ليس هذا فحسب، بل بحصاركم للسودان قد شجعتم الفساد، وفتحتم له الطريق، لأنكم منعتم التحاويل البنكية والائتمان والبيع الأجل عن السودان، فأصبحت الحكومة تتعامل بالنقد (الدولارات في الشنط)، أو بأسماء الأفراد، وكان هذا أكبر باب للفساد، لقد ضيّقتم على دولة السودان بشخصيتها الاعتبارية وسمحتم لتُجّاركم وشركاتكم بالتعامل مع السودانيين كأفراد.. موجز قولنا هنا أنكم سببٌ رئيسيٌّ في الحال التي وصل إليها السودان الذي تتباكى عليه اليوم وتخاف أن يُفضي انهياره إلى تهديد السلم والأمن العالميَّيْن.
(4)
تعلَّمنا من الثورة الفرنسية العظيمة أن الثورات الشعبية التي تُغيِّر النظم تقوم بها الطبقة البرجوازية، فالجياع لا يقومون بثورة تغيير، بل يُحطِّمون بلادهم، فيا سيادة السفير أنتم أسهمتم في تحطيم الطبقة الوسطى في السودان، فأعدمتم فرص التغيير السلمي, وبس خلاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى