ألف طريقة وطريقة للتزوير الانتخابات .. بقلم: محمد المكي إبراهيم

السودان اليوم

لماذا تحب النظم الدكتاتورية ان تتزيا بالازياء الدمقراطية رغم علمها ان الزي الدمقراطي لايناسبها وان الاخرين يعلمون علم اليقين انه زي تنكري لا يكاد يخفي حزام السكاكين والخناجر الذي تتجول به امام شعوب بلادها؟ ومن بين كل مظاهر الدمقراطية لماذا تختار الدكتاتوريات المظهر الانتخابي دون سواه لتستر به عوراتها وتخادع به من لا يعلم دخائلها ليظن انها على قدر من الشفافية والوضوح يسمح لها بالظهور امام شعوبها بملابس السباحة طالبة رأي تلك الشعوب في تصرفاتها وحركاتها وتضاريس اجسادها دون خوف من الفضيحة حيث انها كممت مسبقا كل شهود العملية الانتخابية.

ابتكر معلم الفاشية الأكبر الدوتشي موسوليني اللعبة الانتخابية فعن طريقها وصل الى السلطة عام 1922 وحافظ عليهاحتى عام موته مشنوقا بأيدي الشيوعيين المحليين عام1942 فقد درب اتباع حزبه من ذوي القمصان السوداء على اقتحام الانتخابات افرادا وجماعات وتزوير ما تصل اليه من نتائج باستخدام اساليب التمويه والاكراه.وبسبب من حذقه لتلك الاساليب وبلوغه درجة الاستاذية فيها فقد دعاه ادولف هتلرفي مراحل صعوده الاولى ليعلم حزبه النازي اصول التلاعب الانتخابي وكان ذلك بداية نهايته فقد ظل الدوتشي يعامل هتلركطالب في مدرسته وحين تأزمت الامورعام 1939 انحاز لجانب تلميذه النجيب الامر الذي ادخله الحرب الى جانبه وهو غير مستعد لها إذ كانت قواته العسكرية قد تبددت في حروبه الفاشلة ضد اليونان وليبيا واثيوبيا حيث كان يريد ان يستعيد بناء الامبراطورية الرومانية في حوض المتوسط وما خلفه . وحين نزلت القوات الامريكية في جنوب ايطاليا تشجع الملك وكبار اعضاء البرلمان فعزلوه من منصبه كرئيس للوزراء وفي خروجه من ايطاليا قاصدا منفاه في المانيا اعترضته قوة من محاربي العصابات الشيوعيين وقتلته مع عشيقته وبعض رجالاته وعلقت اجسادهم من سيقانها من مشانق علنية تفرج عليها العالم بأسره.

بعد نهاية الحرب في 1945 ظهر جيل جديد من الدكتاتوريين في معظم انحاء الكرة واصبحت اغلبية الاقطار ترزح تحت الحكم الشمولي الذي وجد تشجيعا كبيرا من الاتحاد السوفيتي الذي كان محتاجا لحلفاء ومؤيدين لما كان يسمى”الاشتراكية في بلد واحد” وبحكم ردة الفعل لجأ المعسكر الغربي لنفس الاسلوب.ففي الصين تصارعت دكتاتورية ماو مع دكتاتورية شان كاي شيك الذي اصبح يحتل مقعد الصين الدائم في مجلس الامن من جزيرته الصغيرة في فرموزا وفي كوريا كان اسلاف كيم ايل سونج يصارعون سنجمان ري وفي الخمسينات مع الاستقلالات الافريقية والعربية غرزت الدكتاتورية انيابها في رقعة جديدة مما يسمى بالعالم الثالث.

صحيح ان الحكم الدكتاتوري قد انتشر في كل بقاع العالم بصورة وبائية وافرز من فنون الكبت والتضليل ما جعل من عنف الدولة فنا قائما بذاته ومع ذلك فان انهيار الاتحاد السوفيتي اسهم في تعزيز الحملات العالمية ضد الدكتاتورية بما جعل هتلر وموسوليني يظهران قبالتها بأردية الحملان.وظهرت فنون جديدة في كبت الجماهير وتضليلها ومن بين ذلك فن إقامة الانتخابات حيث يتحكم الدكتاتور في الاحزاب المعارضة وفي نوعية مرشحيها لمنافسته واسكاتهم بالهدايا العينية او بوعود المناصب من كل المستويات.

وفي هذا المنحى يحتج دعاة الحل الانتخابي بحادثة او حادثتين بدا لهم انهما تقومان دليلا على امكانية اطاحة نظام دكتاتوري عن طريق انتخابات دعا اليها النظام نفسه ولكنها اتت بنتائج عكسية انتهت بالاطاحة بذلك النظام ويحتج اولئك المتحمسون بواقعة انهيار حكم الكولونيلات في اليونان وانهيار حكم الجنرال فرانكو في اسبانيا ومنهم من يستشهد بمصير حكم الجنرال بينوشيه في التشيلي وفي الحالات الثلاث لا يأخذ اولئك المتحمسون في اعتبارهم درجة التقدم السياسي والاقتصادي لتلك البلدان ولا المناخ الفكري والاقتصادي الذي يحيط بتلك البلدان او يجاورها.وفي عجلة ولهوجة مضي بعضهم الى مقارنة معتسفة بين التشيلي والسودان انتهت ببعضهم الى القول بأنه مادامت الخسارة الانتخابية قد انهت حكم بينوشيه فعلينا المشاركة في الانتخابات السودانية فيسقط النظام السوداني نتيجة لخسارة مماثلة وينسى اولئك الافاضل ان الهيمنة الامريكية في امريكا اللاتينية قد تضررت من النموذج التشيلي وقررت ارخاء العنان للثورية اللاتينية باعتبارها ظواهرغير ثابتة ومشكوك في نواياها وبين يديك نموذج نيكاراجوا الذي هز المحافل بصليل سيوفه وثوريته ولكنه سرعان ما انهار في اول تجربة انتخابية واستلمت منه السلطة سيدة عادية وفي الدورة الانتخابية التي اعادت النظام الثوري الى الحكم لم يتورع عن سرقة اموال الشعب وتكديس الاموال المسروقة فأصبح شعب نيكاراجوا ضد محرره الثوري وضد خلفائه اليمينيين بذات الوقت. وفي حالة بينوشيه بالذات فات على المتحمسين لتجربته انه سقط قبل اجراء الانتخابات في بلاده فقد تغيرت لهجة الولايات المتحدة نحو التشيلي بصورة حاسمةواخذت تميل نحو اقامة نظم دمقراطية في حديقتها الخلفية باقتصادات ناجحة ترسم صورة جديدة للقارة وتجعلها تعرف وتسعى الى الرخاء في ظلال العدل والحرية ولم يكن هنالك من هو انسب من تشيلي لتحقيق تلك الموازنة باقتصادها المتنوع من مناجم الفضة والصفيح وامتدادها بطول القارة وعناصرها الانتاجية النشطة من المان ويابانيين وكمرحلة اولى في ذلك السبيل جرى ضمها الى اتفاقية النافتا مع الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بينما حظي بينوشيه بنصيب وافر من النصائح والتوجيهات التي جعلت جيش البلاد في مواجهة داءمة معه انسياقا وراء الامريكيين وبتشجيع منهم رفض الجيش استمراره قائدا اعلى ومرشدا للقوات المسلحة ثم جاءت الضربة القاتلة في استفتاء (وليس انتخابات)عام 1988وكان محورها السماح للدكتاتور بالاستمرار في الحكم لمدة خمس سنوات اضافية فكانت النتيجة رفض اقتراحه بالبقاء في الحكم للامد المطلوب وذلك باغلبية 56 مقابل 44 بالمائة وفي عام 1990 تنازل بينوشيه عن رئاسة الدولة ولكنه احتفظ لنفسه بقيادة الجيش وفيما بعد وعلى سبيل الترضية تم تعيينه سيناتورا (عضوا في غرفة التشريع العليا) مدى الحياة ومع ذلك فان النظام ظل مكروها وممقوتا من الجماهير لفظاظة الاجراءات التي لجأ اليها لمواجهة السخط الشعبي كالتعذيب والقتل والاختفاء القسري والقاء المعارضين من طائرات الهلكوبتر الى اعماق المحيط الباسفيكي الباردة وهو اسلوب اصبح يعرف باسم هاكوبترات بينوشيه

ومن المعروف ان الشعب التشيلي لم يقف مكتوف اليدين امام القمع فقد كانت له مظاهرات شهرية يعرب فيها عن معارضته للحكم الدكتاتوري وله اساليب مبتكرة للمعارضة منها توزيع المنشورات من الادوار العليا لناطحات السحاب كما كان له منظمات شبابية مسلحة منها Frente Patriótico Manuel Rodríguez و Movimiento de Izquierda Revolucionaria تخصصت في اشعال الحرائق في بيوت الوزراء وكبار المتعاونين مع النظام

واذن

كانت العوامل الفاعلة في اسقاط بينوشيه هي اقتصاد البلاد القوي والرغبة الامريكية في اقامة نموذج جديد للقارة اللاتينية زائدا المعارضة التشيلية والاممية لدكتاتورية بينوشيه وهي معارضة حظيت بتجاوب عميق من الشعوب المتحدثة بالاسبانية ومن العناصر التقدمية من الامريكيين في ظل الاندفاعات الاولى للرئيس كلينتون ومن حف به من الشباب ولاسبيل للزعم بان الدكتا تورية البينوشية سقطت بفعل انتخابات نزيهة سمح بقيامها وقادت الى سقوطه باعتبارها فتحا جديدا لافاق النضال ضد الحكم الدكتاتوري فهنالك على الدوام الف طريقة وطريقة لتزوير الانتخابات في ظل حكم دكتاتوري.

melmekki@aol.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى