أجمل اشعار الشعر العربي

الشعر العربي

عرّف ابن خلدون الشعر في مقدمته، فقال: (هو كلام مفصل قطعاً قطعاً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة، وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم بيتاً، ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رَوِيّا وقافية، ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة، وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه، حتى كأنه كلام وحده، مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاماً في بابه في مدح أو نسيب أو رثاء.) (1)

الآتي هو جميل الشعر العربي الخالد المُتَناقَل بين العصور العربية.

أجمل الشعر العربي

من جميل الشعر ما وردنا عن عظيم الشعراء، من جاهليّين، وإسلاميّين، وأمويّين، وعبّاسيين، وأندلسيّين، وعثمانيّين. والآتي نخبة منهم ومن أشعارهم.

أوس بن حجر

لَعَمْرُكَ ما مَلّتْ ثَوَاءَ ثَوِيِّها

حليمةُ إذْ ألقتْ مراسيَ مقعدِ

ولكنْ تلقّتْ باليدينِ ضمانَتي

وحلّ بشرجِم القبائلِ عودّي

وقد غبرَتْ شَهرَيْ رَبيعٍ كِلَيهما

بحملِ البلايا والحِباءِ الممدَّدِ

ولمْ تُلههِا تلكَ التكاليفُ إنّهَا

كما شئتَ من أكرومة ٍ وتخرُّدِ

هيَ ابنة ُ أعراقٍ كرامٍ نمينَها

إلى خُلُقٍ عَفٍّ بَرَازَتُهُ قدِ

سَأجزيكِ أو يَجزيك عَنّي مُثوِّبٌ

وقصرُك أن يُثْنَى عليكِ وتُحمَدي

فإنْ يُعطَ منّا القوْم نصبرْ وننتظرْ

مني عقبٍ كأنّها ظمْءُ موردِ

وإن نُعطَ لا نجهل ولا ننطق الخنا

ونَجْزِ القُروضَ أهْلَها ثمَّ نقصِدِ

لا تُظهرنْ ذمَّ امرىء ٍ قبلَ خُبرِه

وبعدَ بلاءِ المرْء فاذمُم أوِ احمَدِ

الأخطل

حيِّ المنازِلَ بَينَ السّفْحِ والرُّحَبِ

لمْ يَبْقَ غَيرُ وُشومِ النّارِ والحطبِ

وعقرٍ خالداتٍ حولَ قُبتها

وطامسٍ حبشي اللونِ ذي طببِ

وغيرُ نؤيٍ قديمِِ الأثرِ، ذي ثلمٍ

ومستكينٍ أميمٍ الرَّأسِ مستلب

تعتادُها كلُّ مثلاة ٍ وما فقدت

عَرْفاءُ مِنْ مُورِها مجنونَة ُ الأدبِ

ومظلمِ تعملُ الشكوى حواملُهْ

مستفرغٍ من سجالِ العينِ منشطبِ

دانٍ، أبَسّتْ بِهِ ريحٌ يمانِيَة ٌ

حتى تَبَجّس مِنْ حَيرانَ مُنْثعِبِ

تجفلَ الخيلَ من ذي شارة ٍ تئقٍ

مُشَهَّرِ الوَجْهِ والأقرابِ، ذي حَبَبِ

يعلها بالبلى إلحاحُ كرّهما

بعد الأنيس، وبعد الدَّهْرِ ذي الحِقَبِ

فهي كسحق اليماني بعدَ جدّته

ودارِسِ الوَحْي من مرْفوضَة ِ وقَ

وقد عهدتُ بها بيضاً منعمة ً

لا يرتدين على عيْب ولا وَصبِ

يمشينَ مشيّ الهجان الأدمِ يوعثها

أعْرافُ دَكداكَة ٍ مُنْهالة ِ الكُثُبِ

من كلَ بيضاء مكسال برهرهة ٍ

زانَتْ مَعاطِلَها بالدُّرِّ والذَّهَبِ

حَوْراءَ، عجزاءَ، لمْ تُقْذَفْ بفاحشَة ٍ

هيفاءَ، رُعبوبة ٍ ممكورة ِ القصبِ

يشفي الضيجعَ لدَيها، بعدَ زورتها،

منها ارتشافُ رضابِ الغربِ ذي الحببِ

ترمي مقاتلَ فراغٍ، فتقصدهمْ

وما تُصابُ، وقد يرمونَ من كثب

فالقَلْبُ عانٍ، وإنْ لامَتْ عواذلُهُ

في حبلهنّ أسيرٌ مسنحُ الجنبِ

هلْ يُسلينَّك عمّا لا يفينَ بهِ

شَحْطٌ بهِنَّ لبَينِ النيّة ِ الغَرَبِ

وقد حلفتُ يميناً غير كاذبة ٍ

باللَّهِ، رَبّ سُتورِ البيتِ، ذي الحُجُبِ

وكُلِّ مُوفٍ بنَذْرٍ كانَ يَحْملُهُ

مضرجٍ بدماءِ البدنِ مختصبِ

إنَّ الوليدَ أمينُ اللَّهُ أنْقَذني

وكانَ حصناً إلى منجاتهِ هربي

فآمَنَ النّفسَ ما تَخْشى ، وموَّلها

قذمَ المواهبِ من أنوائهِ الرغُب

وثَبّتَ الوَطءَ مِنّي، عندَ مُضْلِعَة ٍ

حتى تخطيتُها، مسترخياً لبتي

خَليفَة ُ اللَّهِ، يُسْتَسقى بسُنّتِهِ

الغيثُ، من عند مولي العلمِ منتخبِ

إليكَ تقتاسُ همي العيسَ مسنفة ً

حتى تَعَيّنَتِ الأخْفافُ بالنُّقَبِ

من كلّ صهباءَ معجالٍ مجمهرة

بعيدة ِ الطَّفْرِ مِنْ معطوفة ِ الحَقَبِ

كبْداءَ، دفْقاءَ، مِحْيالٍ، مجَمَّرَة ٍ

مثل الفنيق علاة ٍ رسلة ِ الخبب

كأنما يعتريها، كلما وخدتْ

هِرٌّ جَنيبٌ، بهِ مَسٌّ منَ الكَلَبِ

وكُلُّ أعْيَسَ نَعّابٍ، إذا قَلِقَتْ

مِنْهُ النُّسوعُ، لأعْلى السّيرِ مُغتصِبِ

كأنَّ أقْتادَهُ، مِنْ بَعْدِ ما كَلَمَتْ

على أصكٍّ، خفيفِ العَقْلِ، مُنتخَبِ

صعرُ الخدودِ وقد باشرنَ هاجرة ً

لكوكبِ من نجومِ القيظِ ملهتب

حامي الوَديقَة ِ، تُغْضي الرّيحُ خَشيَتَهُ

يكادُ يُذْكي شِرارَ النّارِ في العُطُبِ

حتى يَظَلَّ لَهُ مِنْهُنَّ واعِيَة ٌ

مستوهلٌ عاملُ التقزيعِ والصخبِ

إذا تكَبّدْنَ مِمْحالاً مُسَرْبَلَة ً

من مسجهرّ، كذوب اللون، مضطرب

يأرِزْنَ مِنْ حِسِّ مِضرارٍ لهُ دأبٌ

مشمرٍ عنْ عمودِ الساقِ، مرتقبِ

يخْشَيْنَهُ، كلّما ارْتجّتْ هماهِمُهُ

حتى تجشمَ ربواً محمشَ التعبِ

إذا حبسنَ لتغميرٍ على عجلٍ

في جمّ أخضرَ طامٍ نازحِ القربِ

يَعْتَفْنَهُ عِندَ تِينانٍ بدِمْنَتهِ

بادي العُواء، ضَئيلِ الشخص، مُكتسِبِ

طاوٍ، كأنَّ دُخانَ الرِّمْثِ، خالطَهُ

بادي السَّغابِ، طويلِ الفَقْرِ، مُكتئبِ

يمنحنهُ شزْرَ، إنكارٍ بمعرفة ٍ

لواغبَ الطرفِ قد حلقنَ كالقلبِ

وهُنَّ عِندَ اغْترارِ القَوْمِ ثورَتَها

يَرْهَقْنَ مُجتَمَعَ الأذقانِ للرُّكبِ

منهنَّ ثمتَ يزفي قذفُ أرجُلها

إهذابَ أيدٍ بها يفرينَ كالعذبِ

كلمعِ أيدي مثاكيلٍ مسلبة ٍ

يَنْعَينَ فتيانَ ضَرْسِ الدَّهرِ والخُطُبِ

لم يبقِ سيري إليهمْ منْ ذخائرها

غيرَ الصميمِ من الألواحِ والعصبِ

حتى تناهى إلى القومِ الذين لهمْ

عزّ المملوكِ، وأعلى سورة ِ الحسبِ

بِيضٌ، مصاليتُ، لمْ يُعدَلْ بهِمْ أحدٌ

بكلّ مُعْظَمَة ٍ، مِنْ سادة ِ العَرَبِ

الأكثرينَ حصًى ، والأطيَبينَ ثرًى

والأحمدين قرى ً في شدة ِ اللزبِ

ما إنْ كأحلامِهِمْ حِلْمٌ، إذا قَدَروا

ولا كبسطتهم بسطٌ، لدى الغضبِ

وهُمْ ذُرى عبدِ شَمْسٍ في أرومتها

وهُمْ صميمُهُمُ، ليسوا مِن الشَّذَبِ

وكانَ ذلكَ مَقْسوماً لأوَّلهِمْ

وراثَة ً ورِثوها عَنْ أبٍ فأبِ

الشافعي

ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدبِ

مِنْ رَاحَة ٍ فَدعِ الأَوْطَانَ واغْتَرِبِ

سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ

وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ

إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ

إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ

والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست

والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمة ً

لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ

والتَّبْرَ كالتُّرْبَ مُلْقَى ً في أَمَاكِنِهِ

والعودُ في أرضه نوعً من الحطب

فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبهُ

وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَزَّ كالذَّهَبِ

المتنبي

بأبي الشُّموسُ الجانِحاتُ غَوارِبَا

اللاّبِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبَا

ألمُنْهِباتُ عُقُولَنَا وقُلُوبَنَا

وجَناتِهِنّ النّاهِباتِ النّاهِبَا

ألنّاعِماتُ القاتِلاتُ المُحْيِيَا

تُ المُبْدِياتُ مِنَ الدّلالِ غَرائِبَا

حاوَلْنَ تَفْدِيَتي وخِفْنَ مُراقِبا

فوَضَعْنَ أيدِيَهُنّ فوْقَ تَرَائِبَا

وبَسَمْنَ عَنْ بَرَدٍ خَشيتُ أُذِيبُهُ

من حَرّ أنْفاسي فكُنْتُ الذّائِبَا

يا حَبّذا المُتَحَمّلُونَ وحَبّذا

وَادٍ لَثَمْتُ بهِ الغَزالَةَ كاعِبَا

كَيفَ الرّجاءُ منَ الخُطوبِ تخَلُّصاً

منْ بَعْدِ ما أنْشَبنَ فيّ مَخالِبَا

أوْحَدْنَني وَوَجَدْنَ حُزْناً واحداً

مُتَناهِياً فجَعَلْنَهُ لي صاحِبَا

ونَصَبْنَني غَرَضَ الرّماةِ تُصِيبُني

مِحَنٌ أحَدُّ منَ السّيوفِ مَضارِبَا

أظْمَتْنيَ الدّنْيا فَلَمّا جِئْتُهَا

مُسْتَسْقِياً مَطَرَتْ عليّ مَصائِبَا

وحُبِيتُ من خُوصِ الرّكابِ بأسوَدٍ

من دارِشٍ فغَدَوْتُ أمشي راكِبَا

حالٌ متى عَلِمَ ابنُ مَنصورٍ بهَا

جاءَ الزّمانُ إليّ مِنْها تَائِبَا

مَلِكٌ سِنَانُ قَنَاتِهِ وبَنَانُهُ

يَتَبَارَيانِ دَماً وعُرْفاً سَاكِبَا

يَستَصْغِرُ الخَطَرَ الكَبيرَ لوَفْدِهِ

ويَظُنّ دِجْلَةَ ليسَ تكفي شارِبَا

كَرَماً فلَوْ حَدّثْتَهُ عن نَفْسِهِ

بعَظيمِ ما صَنَعَتْ لظَنّكَ كاذِبَا

سَلْ عَن شَجاعَتِهِ وزُرْهُ مُسالماً

وَحَذارِ ثمّ حَذارِ مِنهُ مُحارِبَا

فالمَوْتُ تُعرَفُ بالصّفاتِ طِبَاعُهُ

لم تَلْقَ خَلْقاً ذاقَ مَوْتاً آئِبَا

إنْ تَلْقَهُ لا تَلْقَ إلاّ جَحْفَلاً

أوْ قَسطَلاً أو طاعِناً أو ضارِبَا

أو هارِباً أو طالِباً أو راغِباً

أو راهِباً أو هالِكاً أو نادِبَا

وإذا نَظَرْتَ إلى الجِبَالِ رَأيْتَهَا

فوْقَ السّهُولِ عَواسِلاً وقَواضِبَا

وإذا نَظَرْتَ إلى السّهُولِ رَأيْتَها

تَحْتَ الجِبالِ فَوارِساً وجَنَائِبَا

وعَجاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوادَها

زِنْجاً تَبَسّمُ أوْ قَذالاً شَائِبَا

فكأنّمَا كُسِيَ النّهارُ بها دُجَى

لَيْلٍ وأطْلَعَتِ الرّماحُ كَواكِبَا

قد عَسكَرَتْ مَعَها الرّزايا عَسكَراً

وتَكَتّبَتْ فيها الرّجالُ كَتائِبَا

أُسُدٌ فَرائِسُها الأسُودُ يَقُودُها

أسَدٌ تَصِيرُ لَهُ الأسُودُ ثَعالِبَا

في رُتْبَةٍ حَجَبَ الوَرَى عَن نَيْلِها

وعَلا فَسَمَّوهُ عَلِيَّ الحاجِبَا

ودَعَوْهُ من فَرْطِ السّخاءِ مُبَذّراً

ودَعَوْهُ من غصْبِ النّفوسِ الغاصِبَا

هذا الذي أفنى النُّضارَ مَواهِباً

وعِداهُ قَتْلاً والزّمانَ تَجَارِبَا

ومُخَيِّبُ العُذّالِ مِمّا أمّلُوا

مِنْهُ ولَيسَ يَرُدّ كَفّاً خائِبَا

هذا الذي أبصَرْتُ منهُ حاضِراً

مِثْلَ الذي أبْصَرْتُ مِنْهُ غائِبَا

كالبَدْرِ من حَيثُ التَفَتَّ رَأيْتَهُ

يُهْدي إلى عَيْنَيْكَ نُوراً ثاقِبَا

كالبَحْرِ يَقذِفُ للقَريبِ جَواهِراً

جُوداً ويَبْعَثُ للبَعيدِ سَحائِبَا

كالشّمسِ في كَبِدِ السّماءِ وضَوْؤها

يَغْشَى البِلادَ مَشارِقاً ومَغارِبَا

أمُهَجِّنَ الكُرَماءِ والمُزْري بهِمْ

وتَرُوكَ كلِّ كريمِ قوْمٍ عاتِبَا

شادوا مَناقِبَهُمْ وشِدْتَ مَنَاقِباً

وُجِدَتْ مَناقِبُهُمْ بهِنّ مَثَالِبَا

لَبّيْكَ غَيظَ الحاسِدينَ الرّاتِبَا

إنّا لَنَخْبُرُ من يَدَيْكَ عَجَائِبَا

تَدبيرَ ذي حُنَكٍ يُفَكّرُ في غَدٍ

وهُجُومَ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبَا

وعَطاءَ مالٍ لوْ عَداهُ طالِبٌ

أنْفَقْتَهُ في أنْ تُلاقيَ طالِبَا

خُذْ مِنْ ثَنَايَ عَلَيْكَ ما أسْطِيعُهُ

لا تُلْزِمَنّي في الثّناءِ الواجِبَا

فلَقَدْ دَهِشْتُ لِما فَعَلْتَ ودونَهُ

ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكاتِبَا

لسان الدين بن الخطيب

أهلا بِمَقْدمِكَ السَّنِّي ومرْحبا

فلقد حباني اللهُ مِنْك بما حبا

وافيت والدُّنيا عليَّ كأنها

سَمُّ الخِياط وطِرْفُ صبري قدْ كبا

والدَّهرُ قد كَشَف القِناع فلَمْ يَدَعْ

لي عُدَّة ً للرَّوع إلا أذْهبا

صَرَفَ العِنانَ إليَّ غير مُقَصّرٍ

عنّي وأثْبَتَ دُون ثَغْرتي الشَّبا

خطْبٌ تأوّبني يضيق لهوْلِه

رَحْبُ الفَضا وتهي لموْقِعهِ الرُّبا

لو كان بالوُرْقِ الصَّوادِحِ فيالدُّجى

ما بي لَعَاق الوُرْق عنْ أنْ تَنْدُبا

فأنَرَتْ مِنْ ظلْماء نفسي ما دجا

وقَدَحْتَ مِنْ زِنْدِ اصْطباري ما خَبا

فكأنني لَهَبَ الهجيرُ بمُهْجتي

في مَهْمَه وبعثتَ لي نَفَس الصَّبا

لا كانَ يوْمُكَ يا طريفُ فطالما

أطْلَعْت للآمال بَرْقاً خُلَّبا

وَرَمَيْتَ دينَ الله مِنْكَ بفادِح

عَمَّ البسيطَة َ مَشْرِقاً أو مَغْرِبا

وخَصَصْتَني بالرُّزْء والثُكْل الذي

أوْهى القُوَى منّي وهَدّ المَنْكِبا

لا حُسْن للدُّنيا لديَّ ولا أرَى

في العَيْشِ بعدَ أبي وصِنْوي مأرَبا

لولا التَّعَلُّلُ بالرّحيل وأننا

نُنْضي من الأعمال فيها مَرْكَبا

فإذا ركَضْنا للشَّبيبة ِ أدْهُما

جالَ المشيبُ به فأصْبَح أشْهَبا

والمُلْتَقَى كَثَبٌ وفي وِرْدِ الرّدَى

نَهَلَ الورَى من شاء ذلك أوْ أبا

لَجَرَيْتُ طوْعَ الحُزْنِ دُون نهاية ٍ

وذَهَبْتَ من خَلْعِ التَّصَبُّرِ مَذْهبا

والصّبرُ أولى ما اسْتكانَ لَهُ الفَتَى

رُغْماً وحَقًّ العبدِ أن يتأدّبا

وإذا اعْتَمَدْتَ الله يوماً مَفْزَعا

لمْ تُلْف منه سِوى إليه مَهْرَبا

السلطان محمد الفاتح

مُحياك يأتي بالسُرور لناظري

كَمِثْلِ هِلالٍ العيدٍ للمترقِبِ

وشَعرُكِ ليلٌ غامضٌ ذو مهابةٍ

حكى ليلةَ الإسراءِ في بُعدِ مَطلَبِ

كما حيَّرَتْ سبْعٌ لِموسى أتى بِها

فقد حيّر العُشّاقَ طَرْفُكِ غامِزا

وإن كان أحيا الميّتينَ ابنُ مريَمٍ

ففي شَفَتَيكِ الروحُ للصَّبِّ عاجِزا

جمالُكِ هذا مِنْ يَدِ الله مِنحةٌ

جمالٌ إلهيٌّ، عطيّةُ منّانِ

جمالٌ بديعٌ لم تُصوِّرْ شبيهَهُ

يدا المُبدع الرسّام، حتى يدا “ماني”

ولَم أرَ في الدُّنيا كَوَجهكِ حُسنُهُ

كما القمَر الوضّاح في ليلةِ البدْرِ

ولَم تَرَ عيني مثلَها قطُّ فِتنةً

هي السِّحرُ حقّاً، أو أشدُّ من السّحْرِ

حبيبةَ قلبي، إنّني ذُقْتُ راضياً

لأجلِكِ في دُنيايَ آلامَ حَسرتي

وقد أصبحَتْ في لُجِّ بَحرِ مَحبتّي

لكِ كلُّ آلامي مُجرَّدُ قَطرةِ

تغزّلَ “عوني” في المُحيّا وكَمْ لَهُ

قصائِدُ عنهُ الهوى تتكلَّمُ

وكم قال: إنّ الوجهَ شمسٌ، وقد

-إذا أشرَقَتْ- معنىً بِهِ ليسَ يُفهَمُ

محمود درويش

أيّها المارّون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا

وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة

وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا

أنّكم لن تعرفوا

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء

أيّها المارون بين الكلمات العابرة

منكم السّيف – ومنا دمنا

منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا

منكم دبابة أخرى- ومنا حجر

منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

فخذوا حصّتكم من دمنا وانصرفوا

وادخلوا حفل عشاء راقص..وانصرفوا

وعلينا نحن أن نحرس ورد الشهداء

وعلينا نحن أن نحيا كما نحن نشاء

أيّها المارّون بين الكلمات العابرة

كالغبار المر مرّوا أينما شئتم ولكن

لا تمرّوا بيننا كالحشرات الطائرة

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا قمح نُربّيه ونسقيه ندى أجسادنا

ولنا ما ليس يرضيكم هنا

حجر.. أو خجل

فخذوا الماضي إذا شئتم إلى سوق التحف

وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، إن شئتم

على صحن خزف

لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل، ولنا في أرضنا ما نعمل

أيّها المارّون بين الكلمات العابرة

كدّسوا أوهامكم في حفرة مهجورة وانصرفوا

وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعيّة العجل المقدس

أو إلى توقيت موسيقا مُسدّس

فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا

ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف، وشعبا ينزف

وطننا يصلح للنّسيان أو للذاكرة

أيّها المارّون بين الكلمات العابرة

آن أن تنصرفوا

وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا

آن أن تنصرفوا

ولتموتوا أينما شئتم، ولكن لا تموتو بيننا

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا الماضي هنا

ولنا صوت الحياة الأول

ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل

ولنا الدّنيا هنا…و الآخرة

فاخرجوا من أرضنا

من برّنا ..من بحرنا

من قمحنا ..من ملحنا ..من جرحنا

من كل شيء، واخرجوا

من مفردات الذّاكرة

أيها المارّون بين الكلمات العابرة!

المراجع

(1) مقدمة ابن خلدون، تأليف ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، حقّق نصوصه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه عبدالله محمد الدرويش، دار يعقب، دمشق – سوريا، الطبعة الأولى 2004، الجزء الثاني، ص 396.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى