من أشعار الشافعي

الشافعي

وُلِد الإمام الشّافعي بغزَّة سنة 150هـ/ 767م، ولما مات أبوه انتقلت به أمُّه إلى مكة؛ لتحافظ على نَسَبُه من الضّياع، ثم تنقَّل بين البلاد في طلب العلم، فقد عُرف بالنّجابة والذّكاء منذ أن كان صغيرًا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة، فتره أقبل على الأدب واللّغة العربيّة، والشّعر فبرع فيهم، وحُبّب إليه الرّماية حتّى فاق أقرانه.

وكان الشّافعي رجلاً طويلاً، حسن الخلق، قريباً من نفوس النّاس، فصيح اللّسان، كثير الإحسان إلى الخلق، وكان جميل الصوت في القراءة سواء في الشّعر أو في القرآن. كان إمامًا في الاجتهاد والفقه، وإمامًا في الإيمان، والتّقوى، والوَرَع، والعبادة. (1)

أشعار الشافعي

نقدّم لكم جميل الشّعر ممّا قاله الإمام الشّافعي:

دعوة إلى التّنقل والتّرحال

ما في المقام لذي عقل وذي أدب

من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه

وانْصَبْ فإنّ لذيذ العيش في النَّصب
إنّي رأيت ركود الماء يفسده

إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأُسد لولا فراق الغاب ما افترست

والسّهم لولا فراق القوس لم يصب
والشّمس لو وقفت في الفلك دائمة

لملَّها النّاس من عجم ومن عرب
والتِّبرُ كالتُّرب مُلقى في أماكنه

والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرّب هذا عَزّ مطلبه

وإن تغرّب ذاك عزّ كالذّهب

آداب التعلم

اصبر على مرّ الجفا من معلم

فإنّ رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مرّ التّعلم ساعةً

تجرّع ذلّ الجهل طول حياته
ومن فاته التّعليم وقت شبابه

فكبر عليه أربعاً لوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتُّقى

إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

عدو يتمنى الموت للشّافعي

تمنَّى رجالٌ أن أموتَ وإنْ أمُتْ

فتلكَ سبيلٌ لستُ فيها بأوحدِ
فَقلْ للذِي يبغِي خلافَ الذِي مَضَى

تهيأ لأخرى مثلها فكأن قدِ

لا تيأسن من لطف ربك

فَلَقَدْ أَتَاكَ مِنَ الْمُهَيْمِنِ عَفْوُهُ

وأفاضَ من نعمٍ عليكَ مزيدا
لاَ تَيْأَسَنْ مِنْ لطفِ رَبِّكَ في الْحَشَا

في بطنِ أمكَ مضة ً ووايدا
لو شاءَ أن تصلى جهنم خالدا

ما كانَ ألهمَ قلبكَ التّوحيدا

أدب المناظرة

إذَا مَا كُنْتَ ذَا فَضْلٍ وَعِلْمٍ

بما اختلف الأوائلُ والأواخر
فَنَاظِرْ مَنْ تُنَاظِرُ في سُكُونٍ

حليماً لا تلحُ ولا تكابر
يُفِيدُكَ مَا اسْتَفَادَ بِلا امْتِنانٍ

مِنَ النُّكَتِ اللَّطِيفَة ِ وَالنَّوَادِر
وإياكَ اللَّجوحَ ومنُ يرائي

بأنّي قد غلبتُ، ومن يفاخر
فَإنَّ الشرَّ في جَنَبَاتِ هَذَا

يمنِّي بالتّقاطع والتّدابر

العلم مغرس كل فخر

العلمُ مغرسُ كلِّ فخرٍ وَاحُذَرْ

يَفُوتُك فَخْرُ ذَاكَ المغْرَسِ
واعلم بأنَّ العلم ليس ينالهُ

مَنْ هَمُّهُ في مَطْعَمٍ أَوْ مَلْبَسٍ
إلاَّ أَخُو العِلمِ الَّذِي يُعْنَى بِهِ

في حالتيه: عارياً أو مكتسي
فاجعل لنفسكَ منهُ حظاً وافراً

وَاهْجُرْ لَهُ طِيبَ الرُّقَادِ وَعَبسِ
فَلَعَلَّ يَوْماً إنْ حَضَرْتَ بِمَجْلِسٍ

كنتَ الرّئيس وفخرّ ذاك المجلسِ

الحبّ الصّادق

تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ

هذا محالٌ في القياس بديعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ

إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
في كلِّ يومٍ يبتديكَ بنعمة ٍ

منهُ وأنتَ لشكرِ ذاكَ مضيعُ

فضل التّغرب

ارْحَلْ بِنَفْسِكَ مِنْ أَرْضٍ تُضَامُ بِهَا

وَلاَ تَكُنْ مِنْ فِرَاقِ الأَهْلِ فِي حُرَقِ
فالعنبرُ الخامُ روثٌ في مواطنهِ

وَفِي التَّغَرُّبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُنُقِ
والكحلُ نوعٌ منَ الأحجارِ تنظرهُ

فِي أرضِهِ وَهْوَ مَرْمِيٌّ عَلَى الطُّرُقِ
لمَّا تغرَّبَ حازَ الفضلَ أجمعهُ

فَصَارَ يُحْمَلُ بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْحَدَقِ

أيّهما ألذّ

سَهَرِي لِتَنْقِيحِ العُلُومِ أَلَذُّ لي

مِنْ وَصْلِ غَانِية ٍ وَطيبِ عِنَاقِ
وصريرُ أقلامي على صفحائها

أحلى منَ الدَّكاءِ والعشّاقِ
وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الفتاة لِدُفِّهَا

نقري لألقي الرَّملَ عن أوراقي
وتمايلي طرباً لحلِّ عويصة ٍ

في الدَّرْسِ أَشْهَى مِنْ مُدَامَة ِ سَاقِ
وأبيتُ سهرانَ الدُّجا ونبيتهُ

نَوْماً وَتَبْغي بَعْدَ ذَاكَ لِحَاقِي؟

الصديق الصدوق

إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً

فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفي التَّرْكِ رَاحة ٌ

وفي القلبِ صبرٌ للحبيب ولو جفا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قلبهُ

وَلا كلُّ مَنْ صَافَيْتَه لَكَ قَدْ صَفَا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ً

فلا خيرَ في ودٍ يجيءُ تكلُّفا
ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خليلهُ

ويلقاهُ من بعدِ المودَّة ِ بالجفا
وَيُنْكِرُ عَيْشاً قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ

وَيُظْهِرُ سِرًّا كان بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا
سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا

صديق صدوق صادق الوعد مُنصفا

يا واعظ الناس عمّا أنت فاعله

يا واعظَ الناس عمَّا أنتَ فاعلهُ

يَا مَنْ يُعَدُّ عَلَيْهِ العُمْرُ بِالنَّفَسِ
احفظ لشبيكَ من عيبٍ يدنسهُ

إنَّ البياض قليلُ الحملِ للدّنسِ
كحاملٍ لثياب النَّاسِ يغسلها

وثوبهُ غارقٌ في الرَّجسِ والنَّجسِ
تَبْغي النَّجَاة َ وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيقَتَهَا

إنَّ السَّفِينَة َ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ
ركوبكَ النَّعشَ ينسيك الرُّكوب على

مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ بَغْلٍ وَمِنْ فَرَسِ
يومَ القيامة ِ لا مالٌ ولا ولدٌ

وضمَّة ُ القبرِ تنسي ليلة العُرسِ

التّوكل على الله

تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي

وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
وما يكُ من رزقي فليسَ يفوتني

وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ الغَوامِقِ
سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضلهِ

ولو لم يكن منّي اللّسانُ بناطقِ
ففي أي شيءٍ تذهبُ النّفسُ حسرة ً

وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ

دعوة إلى التّعلم

تعلم فليسَ المرءُ يولدُ عالماً

وَلَيْسَ أخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وإنَّ كَبِير الْقَوْمِ لاَ علْمَ عِنْدَهُ

صَغيرٌ إذا الْتَفَّتْ عَلَيهِ الْجَحَافِلُ
وإنَّ صَغيرَ القَومِ إنْ كانَ عَالِماً

كَبيرٌ إذَا رُدَّتْ إليهِ المحَافِلُ

إدراك الحكمة ونيل العلم

لا يدرك الحكمة من عمره

يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتى

خال من الأفكار والشّغل
لو أن لقمان الحكيم الذي

سارت به الرّكبان بالفضل
بُلي بفقر وعيال لما

فرق بين التّبن والبقل

أبواب الملوك

إن الملوك بلاء حيثما حلواً

فلا يكن لك في أبو أبهم ظل
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبوا

جاروا عليك وإن أرضيتهم ملّوا

فاستعن بالله عن أبو أبهم كرماً

إنّ الوقوف على أبوابهم ذلّ

العلم بين المنح والمنع

أأنثرُ دراً بين سارحة ِ البهمَ

وأنظمُ منثوراً لراعية الغنمْ؟
لعمري لئن ضيعتُ في شرِّ بلدة ٍ

فَلَسْتُ مُضَيعاً فيهمُ غرر الكلَمِ
لَئِنْ سَهَّل اللَّه العَزِيزُ بِلطفِهِ

وصادفتُ أهلاً للعلوم وللحكم
بَثَثْتُ مُفيداً واستَفَدْتُ وَدَادَهُمْ

وإلاّض فمكنونٌ لديَ ومكنتمْ
وَمَنْ مَنَحَ الجهّالَ عِلْماً أضَاعَهُ

وَمَنْ مَنَعَ المستوجِبين فقَدْ ظَلَم

منوّعات أخرى للشافعي

  • لمن نعطي رأينا:

ولا تعطين الرّأي من لا يريده

فلا أنت محمود ولا الرّأي نافعه

  • مشاعر الغريب:

إنّ الغريب له مخافة سارق

وخضوع مديون وذلّة موثق
فإذا تذكر أهله وبلاده

ففؤاده كجناح طير خافق

  • العلم رفيق نافع:

علمي معي حيثما يممت ينفعني

قلبي وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي

أو كنت في السّوق كان العلم في السّوق

  • تولّ أمورك بنفسك:

ما حكّ جلدك مثل ظفرك

فتولَّ أنت جميع أمرك

وإذا قصدت لحاجة

فاقصد لمعترف بفضلك

  • فتنة عظيمة:

فساد كبير عالم متهتك

وأكبر منه جاهل متنسّك

هما فتنة في العالمين عظيمة

لمن بهما في دينه يتمسّك

  • المهلكات الثلاث:

ثلاث هنَّ مهلكة الأنام

وداعية الصّحيح إلى السّقام

دوام مُدامة ودوام وطء

وإدخال الطّعام على الطّعام

  • العيب فينا:

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزمانا عيب سوانا
ونهجو ذا الزّمان بغير ذنبٍ

ولو نطق الزّمان لنا هجانا

وليس الذّئب يأكل لحم ذئبٍ

ويأكل بعضنا بعضاً عياناً

  • نور الله لا يهدى لعاص:

شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنّ العلم نورٌ

ونور الله لا يُهدى لعاصِ

  • فوائد الأسفار:

تغرب عن الأوطان في طلب العلا

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّجُ همٌّ، واكتساب معيشة

وعلم وآداب، وصحبة ماجد

  • الوحدة خير من جليس السوء:

إذا لم أجد خلاً تقياً فوحدتي

ألذّ وأشهى من غوى أعاشره
وأجلس وحدي للعبادة آمنا

أقر لعيني من جليس أحاذره

  • السّكوت من ذهب:

إذا نطق السّفيه فلا تجبه

فخير من إجابته السّكوت
فإنّ كلمته فرّجت عنه

وإن خليّته كمداً يموت

  • الضّرب في الأرض:

سأضرب في طول البلاد وعرضها

أنال مرادي أو أموت غريباً
فإن تلفت نفسي فلله درّها

وإن سلمت كان الرّجوع قريباً

  • هذه هي الدّنيا:

تموت الأُسد في الغابات جوعاً

ولحم الضّأن تأكله الكلاب
وعبدٌ قد ينام على حرير

وذو نسب مفارشه التّراب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى