منتدى الهجرة والحراك السكاني…السودان قبلة المهاجرين والوافدين

السودان اليوم:

قالت د. “هدى محمد مختار” أستاذة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، بجامعة الخرطوم، في منتدى الهجرة والحراك السكاني في السودان إن الهجرة أدت إلى إحداث تغيرات كبيرة في المجتمعات، كما أنها أدت إلى استحداث مجتمعات جديدة لم تكن معروفة، ونسبةً لزيادة ظاهرة الهجرة أصبحت تمثل واحدة من أهم القضايا التي تحتل مركز الصدارة محلياً ودولياً خاصة في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحرير قيود التجارة وفتح الحدود وتقليل القيود على حركة السلع ورؤوس الأموال فيما عرف بالعولمة الاقتصادية.
وأوضحت أن السودان يمثل نموذجاً مثالياً للدول التي تشهد حركة سكانية وهجرات كبيرة على مر العصور، وأظهرت الإحصائيات أن (17%) من سكان السودان هم من النازحين، كما أن الهجرة من الريف إلى المدينة مثلت ظاهرة تاريخية في السودان فمنذ حقبة الاستعمار ظهرت الهجرات الموسمية كنمط رئيسي في نظام العمالة السودانية وغير السودانية. وشهدت فترة الثمانينيات هجرات ونزوح بسبب الجفاف، وشهد السودان حراكاً سكانياً كبيراً لأسباب تنموية فتهجير أهالي حلفا يعتبر نموذجاً مثالياً لهذا النوع، كما أن بناء سد مروي يعتبر نموذجاً آخر.
وأظهرت أحدث التقديرات من مركز رصد النزوح الداخلي أن هناك (3.3) ملايين نازح منهم (1.98) مليون نازح – يعيشون في المعسكرات بدارفور، كما نتج عن الصراع في ولايات كردفان نزوحًا كبيرًا، مع وجود حوالي (230000) نازح في منطقة جنوب كردفان، ويواجه الأشخاص النازحون نقصاً في الموارد.
الهجرة الخارجية
تقديرات الحكومة لعام 2011 أوضحت أن ما بين (000 880 إلى 1000،338) مهاجر بالخارج، نصفهم في المملكة العربية السعودية. وتظهر الأرقام الواردة أن (98%) من المهاجرين المسجلين بغرض العمل في بلدان الخليج، مع انخراط أغلب الذكور في وظائف منخفضة المهارات، وإن هجرة الكوادر المدربة هي المشكلة الكبيرة التي يواجهها السودان، ﺣﻴﺚ تؤدي لنقص في اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ في الداخل، وبلغت تحويلات المهاجرين في عام 2013 (424) مليون دولار، وشكلت (0.6) في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي، فإن الحكومة تميل إلى دعم هجرة العمالة، إلا أن تحويلات المهاجرين لا يتم جلها من خلال القنوات الرسمية خاصة مع وجود الفارق الكبير بين سعر العُملة الرسمي وسعرها في السوق الموازي.
وأعلن جهاز تنظيم شؤون المغتربين في السودان في سبتمبر 2015، عن هجرة نحو (50) ألفاً من الكفاءات السودانية، معظمهم من أساتذة الجامعات والأطباء والصيادلة والمهندسين والعمال المهرة، بدافع تحسين أوضاعهم المعيشية وكشفت إحصائية جديدة أعلنت في منتدى الهجرة الذي نظمه جهاز المغتربين، عن هجرة (4.979) من الأطباء والصيادلة، و(4.435) من الفنيين التقنيين، بجانب مغادرة (3.415) مهندساً، و(39) ألفاً من العمال خلال العام الماضي، ولا تقتصر موجة هجرة العقول والكفاءات في السودان على الأطباء وأساتذة الجامعات فحسب، بل امتدت لتشمل العديد من رجال الصحافة والإعلام، وهو ما يرجعه بعض العاملين في هذا المجال إلى انعدام الحُريات الصحافية، مما دفع العديد منهم للبحث عن فرص عمل في منطقة الخليج أساسا بل حتى في إسرائيل حيث يشكل السودانيون أكبر جالية أفريقية بالرغم من الاضطهاد الذي يواجهونه هناك، أما في العام 2017 فإن (36069) مواطنا قد هاجروا خلال الستة أشهر الأولى من العام 2017، في حين أن البلاد استقدمت (942) أجنبياً للعمل بالبلاد في نفس العام.
الهجرة الوافدة:
شهد العقد الأخير تزايداً كبيراً في أعداد العمالة الوافدة للسودان خاصة في الفترة التي تلت اكتشاف البترول وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وتحسن مناخ الاستثمار، كما أن الظروف السياسية وعدم الاستقرار في كثير من البلدان المجاورة أدى لتدفق أعداد من مواطني دول الجوار سيما وأن السودان يجاور تسع دول يعاني معظمها من حروب وصراعات سياسية واكتظاظ في السكان مما زاد من معدلات اللجوء للسودان.
وتشمل الهجرة الوافدة مهاجرين من دول اريتريا، إثيوبيا، الصين، كوريا، مصر، تركيا، بنغلاديش، باكستان، تشاد النيجر وأوغندا، وتشير الإحصاءات إلى أن العمالة الوافدة حسب القوانين والضوابط تشكل حوالي (14.774) وافدا منهم (28%) يعملون في مجال المهن الهندسية والتكنولوجية و(27%) يعملون في قطاع البترول والتشييد والطرق والسدود أما البقية فيعملون في مجال الخدمات وأعمال النقل والحرف المختلفة، إلا أن الأعداد الموجودة أكبر بكثير من التي تشير إليها الإحصاءات، فالصينيون والكوريون أغلبهم عمالة ماهرة استقدمت بالطرق الرسمية والقانونية ومعظمهم يعملون في شركات البترول وأعمال التشييد نسبة لاستثمارات دولهم في هذه المجالات أما البنغاليون فيعملون في خدمات النظافة وخاصة في إطار القطاع الخاص كالمستشفيات والشركات، المصريون والسوريون والأتراك فمعظمهم يعمل في مجال المخابز، الأفران، المطاعم وأعمال الديكور والملاحظ أن نسبة كبيرة من هذه العمالة لم تفد ضمن برامج واتفاقيات رسمية وقد أثرت على سوق العمل بصورة كبيرة، وأظهرت دراسة تجريبية أجرتها المنظمة الدولية للهجرة أن السودان بلد عبور للاجئين.
الهجرة القسرية
يعتبر اللجوء في السودان من أكثر جوانب الهجرة أهمية في السودان، استضاف السودان (793،700) طلب لجوء في السودان حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ومع ذلك، فإن الحصول على بيانات حول هذه المجموعة يمكن أن يكون تحديًا، يمكن لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومعتمدية اللاجئين في السودان أن تختلف اختلافاً كبيراً، حيث تفيد تقارير اللجنة بأن (82%) من اللاجئين في السودان، في عام 2010، يعيشون خارج المعسكرات، وهو ما يتعارض مع سياسة الحكومة.

يوجد في السودان تشريع بشأن اللجوء يستند إلى الإجراءات الخاصة لتحديد مركز اللاجئ، وهي مستمدة من اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969. وهذا ما يشكل منطقة الحماية للاجئين، ومع ذلك يفرض السودان سياسات قوية للمعسكرات تحد من حرية حركة اللاجئين، تستنكر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أيضا ترحيل اللاجئين، لا سيما اللاجئين الإريتريين.

اللاجئون والوافدون من جنوب السودان
يأتي التدفق الرئيسي الجديد للاجئين في السودان من جنوب السودان، حيث دفعت الحرب الأهلية في عام 2013، وزيادة أعمال العنف في عام 2016، وانعدام الأمن الغذائي إلى خروج حوالي (399،827) لاجئًا إلى السودان بحلول مايو 2017،
وبما أن السودان بلد فقير فإن هذه الأعداد الهائلة زادت من الضغط على موارد البلد وقدراته، وتشير تقديرات المفوضية إلى وجود (4.8) ملايين شخص في السودان في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، ويشكل اللاجئون (16%) من هؤلاء والنازحون داخليا يشكلون (48%).
الجدير بالذكر أن الأطفال يشكلون (62%) من اللاجئين و(60) في المائة من النازحين داخلياً.
في الجانب الاقتصادي:
يعاني المجتمع السوداني من معدلات بطالة عالية وقد أصبح الوافدون ينافسون في فرص العمل، معدل البطالة يتجاوز (20%) من حجم القوى العاملة والتي تتراوح بين (8-10) ملايين والبنية السكانية بنية شابة ورغم ذلك فإن معدل البطالة وسط الشباب تبلغ نسبة (28%). فحصول الوافدين على العمل يكون خصماً على فرص عمل المواطنين مما يؤدي لزيادة معدلات الفقر.
تحويلات النقد الأجنبي للوافدين تؤثر سلباً على ميزان المدفوعات، أما فيما يخص العمالة الوافدة المدربة فإنها تحرم المواطنين من فرص التدريب والتأهيل، وأدى وجود عدد كبير من الوافدين في بعض المدن إلى ارتفاع أسعار السلع والعقارات كما حدث في بعض مدن دارفور..
في الجانب الصحي:
انتشار الأمراض المعدية خاصة أن الوافدين غير الشرعيين لا يملكون الأوراق الصحية المطلوبة.
في الجانب الاجتماعي:
حدثت بعض الزيجات بين السودانيين والأجانب كما تغيرت بعض القيم والعادات واكتسب الناس أنماطاً استهلاكية جديدة، انتشرت أيضاً ظاهرة التسول وأصبحت تجارة منظمة تديرها شبكات الاتجار بالبشر.
ارتفع عدد النازحين واللاجئين في السودان من (2089100) في 2014 إلى أكثر من (4) ملايين في نهاية العام 2017 حسب تقديرات مؤشرات التنمية العالمية الواردة في تقرير البنك الدولي لمنتصف عام 2018 لتشكل نسبتهم بالنسبة لمجموع سكان السودان حوالي (9%). ويشكل هذا الأمر عبئا إضافيا كبيراً على الدولة التي تفتقد الموارد اللازمة لمساعدة هذه الجموع من البشر في الوقت الذي لا يتعدى فيه نصيب المواطن من الدخل القومي خمسة دولارات أمريكية في اليوم..
لا يزال السودان يشهد موجات كبيرة من النزوح الداخلي في ظل النزاعات، وانعدام الاستقرار والكوارث الطبيعية، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من (670000) لاجئ من السودان يقيمون في بلدان أخرى كتشاد، ومصر، وكينيا، وصنف السودان ضمن أول (15) بلد منشأ التي توافدت منها القوارب إلى إيطاليا في عام 2014 .وفي أوائل عام 2015 بلغ عدد النازحين داخليا (1.3) مليون شخص جراء النزاعات، وامتداد العنف من جنوب السودان، وتكرر الكوارث الطبيعية المفاجئة والبطيئة الظهور، بما في ذلك الفيضانات وموجات. الجفاف، وتفيد تقديرات مركز رصد النزوح الداخلي بأنه في عام 2013 وحده نزح داخلياً (319700) شخص على الأقل بسبب الفيضانات التي ضربت العديد من المناطق، وعلى الرغم من حالة انعدام الأمن، والتقارير المرفوعة حول تعرض اللاجئين والنازحين للإساءة من قبل شبكات إجرامية، يمثل السودان مركز عبور لموجات الهجرة والنزوح المختلطة من إريتريا وبلدان أخرى في القرن الأفريقي، وفي كل عام يستقبل السودان حوالي (2000) مهاجر سوداني عائد تقريباً، وهم بحاجة إلى المساعدة بعد أن اضطروا إلى الهرب من الأزمات التي تعصف بجمهورية أفريقيا الوسطى، وليبيا والجمهورية العربية السورية، أو طردوا عقب الاشتباكات التي دارت في تشاد أو نتيجة للتغير في قوانين العمل والإقامة بالمملكة العربية السعودية.
بالمقابل بلغ عدد المهاجرين من السودان من الجنسين لدول أخرى بقصد العمل حوالي (2149726) ما يعادل (4.8%) في الفترة 1990- 2013 من حجم السكان في 2008، ويعد السودان في المرتبة الثانية من بين الدول العربية الأقل نمواً من حيث عدد السكان المهارجين، النسبة الأكبر من المهاجرين مقيمين في السعودية، تليها الإمارات والكويت وقطر بنسب أقل. وفي وجود مهاجرين سودانيين مقيمين في دولة جنوب السودان بعدد (407925) شخصاً مما يعد دليلاً بائناً على التعقيدات الناجمة عن تقسيم السودان عقب اتفاقية السلام في أبوجا في العام 2005. وشكلت نسبة الإناث حوالي (38%) من جملة المهاجرين السودانيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى