مفهوم الأمن القومي

الأمن القوميّ

يَحتاجُ الإنسانُ لأن يَعيشَ في حالةٍ من الأمن والاستقرار كي يَستطيع مُمارسة أنشطته بكلّ أريحيّةٍ، ولأجلِ ذلك فرضت الشّريعة الإسلامية مقاصد وضرورياتٍ يجبُ الحفاظ عليها وهي: النّفس، والدين، والعِرض، والمال، ولا يُمكن لدولةٍ أنْ تتقدّم وتَتطوّر وتُحقّق الرفاهية لمواطنيها إلّا بتحقيق الأمنِ والاستقرار،[١] فما مفهوم الأمن القوميّ؟ وما هِي أهميّته؟

تعريفُ الأمن القوميّ

يُعرّف الأمن القوميّ (بالإنجليزية:National Security) بأنّه قدرة الدّولة على تَأمين استمرار أساس قوّتها الدّاخلية والخارجية، والعسكريّة والاقتصاديّة في مُختلف مناحي الحياة لمواجهة الأخطار التي تهدّدها من الدّاخل والخارج، وفي حالة الحرب والسِّلم على حدٍّ سواء.[٢]

يُلاحَظُ أنّ مفهوم الأمن القوميّ يعتمدُ على ثلاثةِ أمورٍ فرعية، هي:[٣]

  • مفهوم التّحديات: هي مُتغيّراتٌ أو مشكلاتٌ أو عوائق أو صعوبات تواجه الدّولة، وهي تكون من البيئة الدّوليّة أو الإقليمية أو حتّى المحليّة.
  • مفهوم المخاطر: هي الإحباطات أو الضّغوط التي تطرأ في ظروف البيئة الدّولية أو الإقليمية أو الدّاخلية للدولة، وتُعيق تنفيذ المصالح الحيوية للدّولة أو التأثير في دورها على الصّعيدين العالمي والإقليمي.
  • مفهوم التّهديدات: هي قضايا خارجيّة أو داخلية تقفُ في وجه تقدّم الدّولة في تطبيق استراتيجيّاتها القومية، مما يؤثّر بشكلٍ مباشر على مصالحها الحيوية، ومن المُحتمل أن تقودَ إلى خلخلة استقرار الدّولة وأمنها.

أبعاد الأمن القوميّ

البُعد الاجتماعي للأمن القوميّ

يُعدُّ الإنسانُ عاملاً مؤثِّراً في الأمن القوميّ؛ إذ إنّه المسؤول عن تفعيل أمنه فرداً أو مجتمعاً، مما يلزمُ تهيئة المواطن وإعداده إعداداً سليماً في صحّته وأخلاقه وثقافاته وتراثه، وتتمحورُ دراسات هذا البُعد حول الخصائص النوعية والعددية للإنسان، وتختصّ الخصائصُ العددية ببحث العديد من المواضيع، منها: نسبة تعداد السكّان بالنسبة لمساحة أرض الدّولة، ومعدلات النّمو، وحصّة الفرد من الدّخل القومي، والتّراكيب العمرية للشعب، وأماكن التّركز السّكاني، ويسعى البُعد الاجتماعي للأمن القوميّ إلى توفير حالةٍ من الاستقرار للمجتمع، مع خلقِ اتّزان بين العوامل الاجتماعيةوالسكّانية المختلفة.[٤]

البُعد العسكريّ للأمن القوميّ

يُعدّ البُعد العسكريّ أهمّ أبعادِ الأمنِ القوميّ وأكثرها فاعليّةً، ولا يُسمحُ بالتّهاون في تحقيقه وإعداده؛ حيثُ إنّ التّهاون في ذلك يعني بالضّرورة ازدياد التّهديدات والأخطار التي تواجه الدّولة، مما يقودُ لانهيارها وربّما إخضاعها لسيطرةِ بلدٍ مُحتلّ، أو إلغاءِ وجودها بشكلٍ كاملٍ وضمّها لدولةٍ أخرى، أو تقسيمها واقتسامها مع الدّول الأخرى، كما يتشابكُ هذا البُعد مع بقيّة أبعاد الأمن القوميّ تشابكاً قويّاً؛ حيثُ يؤدّي ضعف أيٍّ من هذه الأبعاد إلى إضعافِ البُعد العسكريّ.[٥]

البُعد الاقتصاديّ للأمن القوميّ

هو البُعد الذي يُقصد به تحقيقُ مستوى الرّفاهية للشّعوب، ورفع التّنمية في المجتمعات، ويَعتبرُ البُعد الاقتصاديّ أنّ الأمن والتّنمية مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وأنّ الموارد القومية المصروفة لإرساء الأمن القوميّ ليستْ خسارةً أبداً؛ حيثُ إنّ العوائد التي تعودُ للدّولة بسبب تحقيق أمنها القوميّ تُعدّ عوائد مُرضية وذات قيمة.[٥]

مستويات الأمن القوميّ

للأمنِ القوميّ ثلاثةُ مستوياتٍ لا يتحقّق إلا باندماجها وتشاركها، وهيَ:[٦]

  • المستوى الدّاخليّ: هو مستوىً يتعلّق بحفظِ المجتمعوحمايته من أيّ اختراقٍ أو تهديد، وإقرار مفهوم الاستقرار في كافّة المجالات.
  • المستوى الإقليميّ: يتعلّق بالصِّلات الإقليمية للدولة مع الدّول الأخرى.
  • المستوى الدوليّ: هو مستوىً أعلى مما سبقه؛ إذ يتعلّق بحِراك الدّولة ضمن المُحيط العالمي.

نطاق الأمن القوميّ

اتّسع النّطاق الذي يشمله الأمن القومّي منذُ بداية تسعينيات القرن الماضي ليُغطّي العديد من الأنشطة الإنسانية الخاصّة بالدّولة بالإضافة للجوانب العسكرية، وقد قال المفكّر الأمريكي توماس برنت في هذا: (إذا أردت أن تعرفَ سماتَ الأمن القوميّ الجديد فلا تذهب لتتناقش مع كبار الجنرالات ولا مع أبرز خبراء الدّفاع، ولكن اذهب للمناقشة مع خبراء التّكنولوجيا والاتصالات ومنظمة التّجارة العالمية وأساتذة الاقتصاد).[٧]

يُعزى توزّع نطاق الأمن القومي إلى ازدياد التهديدات التي تواجه الدّولة؛ حيثُ لم يبقَ التّهديد العسكريّ الخارجيّ هو الوحيد الذي يُهدد أمن الدّولة، إنّما ظهرت تهديدات جديدة، كانتشار تجارة المخدّرات العابرة للحدود، والإرهاب الدّولي، وانتشار التلوّث البيئيوالفقر، وتفشّي الأوبئة كالإيدز، وازدياد نسب الجريمة المنظّمة.[٧]

الأمن القوميّ العربيّ

مفهوم الأمن القوميّ العربيّ

يُعرّف الأمن القوميّ العربيّ بأنّه قُدرة الأمّة العربية على حفظِ إنجازات الأمّة وأسسها ومبادئها من الأخطار والتّهديدات التي تواجهها، سواءً كان تهديداً يخصُّ قُطراً عربيّاً مُعيّناً أو يخصّ الأمّة العربيّة كلها.[٨]

إشكاليّات الأمن القوميّ العربيّ

يُواجه الأمن القوميّ العربي العديد من المُعيقات التي تقف في وجه تطويره وتحقيقه، ومنها:[٩]

  • تشابُك العناصر التي تُشكّل الأمن القوميّ، مما يجعلُ عمليّة رصدها أمراً مُزعجاً وصعباً.
  • تَنوّع الأنظمة السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة للأقطار العربية؛ إذْ إنّ لكلّ قطرٍ نظامه الخاص في الحكم.
  • استخدامُ مَفهوم الأمن القوميّ العربيّ بشكلٍ كبير وتداوله بصورةٍ تُظهره بأنّه يَحمل الكثير من الدّلالات والمَضامين المُتناقضة.
  • ارتباط مفهوم الأمن القوميّ تاريخياً بالحروب وتَبريراتها الاستعماريّة، وما جلبت للعالم العربي من قمعٍ داخليّ.
  • تشكيل القوى الدّفاعية للدولة عبر الوَسائل المستوردة من الخارج، ممّا يَزيد من صعوبة اتّخاذ القرارات السياسية لكل دولة، ويفرضُ قيوداً على حُريّة العمل العسكري.
  • تفضيلُ بعض الأقطار الأمن القطريّ الخاص بها على الأمن القوميّ.
  • تحوّل الأموال العربيّة إلى الأسواق الأجنبيّة، وغياب التطوّر في التّكنولوجيا، وفشل التّنمية وخُططها.

مرتكزات الأمن القوميّ العربيّ

إنّ تحقيق الأمن القوميّ العَربيّ والوصول للتنمية والرّخاء والنّمو الاقتصاديّ لا يكونُ إلّا بِتحقّق الأمن والسّلام، وهذا لا يمكنُ تحقيقه إلا من خلال مُرتكزاتٍ عديدة، منها:[١٠]

  • تحقيقِ الكرامة الاجتماعيّة والرّخاء الاجتماعيّ للشّعوب، والسّماح لطاقاتهم الكامنة بالانطلاق وتقييد الخوف والحدّ منه.
  • تأكيد مفهوم استقلال الأقطار في الجانب الاقتصاديّ والسياسيّ، وكسب الإرادة في إزالة المُحبطات ومُسبّباتها ومواجهة المخاطر، والتخلّص من المهانة.
  • توفير الإرادة السياسيّة في تحقيق الأمن القومي العربي.
  • توفير الحقوق الاجتماعيّة والسياسيّة للأفراد وللدولة، بما يتّفق مع مفهوم الأمن القوميّ الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى