مراحل تطور التعليم

التعليم

إنّ التعليم هو السلاح الأكبر الذي يجب أن تتسلح به الأمم، وهو الأمر الوحيد الذي يُمكِّن المجتمع من النهوض والارتقاء نحو الأفضل فلا فائدة من الأموال ولا من القوة ولا من كثرة الشباب من دون أن يكون فكر المجتمع راقياً ومتحضراً، فمختلف الحضارات التي اعتمدت على القوة والمال اندثرت بعد مدة من الزمان بعكس الحضارات التي اعتمدت على الفكر في بناء حضارتها والتي كونت هذا الفكر من خلال منظومة تعليمية متكاملة كانت موجودة في تلك الأيام، فهذه الحضارة الإسلامية التي يدّعي الكثيرون أنّها قامت بقوة السلاح قد نهضت بفكر الناس عن طريق تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام منذ بداية الدعوة فكانت حربهم مع كفار قريش حرباً فكرية بشكل كامل واستطاعوا أن يغلبوهم فيها حتى انتهى المطاف بهم إلى التهجير خارج مكة نتيجة عدوان الكفار عليهم وهو ما دعاهم إلى استخدام السلاح دفاعاً عن أنفسهم واسترداداً لحقوقهم ومع ذلك فقد استمرت عملية التعليم فكانت هي العملية الأساسية من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم والتي استطاع من خلالها بناء هذه الحضارة العظيمة.
وهذا الأمر هو ما نلاحظه في أيامنا الحالية من التدهور الحاصل للمجتمع العربي بشكل عام نتيجة لتدهور المنظومة التعليمية، فإنّ من الواجب أن يعمل الجميع في البداية على الارتقاء بالعملية التعليمية وإيصالها إلى أعلى المراتب كي تبدأ عملية الإصلاح والارتقاء، وإنّ أو ما نستطيع من خلاله تطوير المنظومة التعليمية هو الارتقاء بالعنصر الأساسي فيها وهذا هو ما نقوم به في أي عملية تطوير إذ نقوم بالتطوير من الجذور وننتقل إلى الأفرع، وأمّا العنصر الأساسي في العملية التعليمية فهو المعلم.

دور المعلّم

من دون المعلم لا يمكننا القيام بالعملية التعليمية بشكل عام حتى مع وجود المناهج والخطط وجميع ما تتطلبه عملية التعليم، ولا نستطيع أيضاً الارتقاء بالتعليم من دون الارتقاء بالمعلم أيضاً، فنرى المعلمين في هذه الأيام في مختلف المراحل الدراسية سواء المراحل الأساسية أو في الدراسات العليا هم معلمين غير أكفاء للقيام بإيصال المعلومة بالشكل الصحيح، كما نرى أيضاً المعلمين غير قادرين على غرس المبادئ والقيم في الطلبة وهو الأمر الأهم من العملية التعليمية في المراحل الأساسية، وإن أول ما نستطيع عمله هو تغيير طريقة اختيار المعلم، فنحن نلاحظ أنّ المعلم قد انحطّ شأنه في المجتمع بشكل كبير جداً فأصبح من لا يجد عملاً على الإطلاق تقوم المدارس والجهات المختصة بتعيينه معلماً كنوع من القضاء على البطالة في المجتمع، كما نرى أدنى الطلاب معدلات هم من يدخلون تخصصات التعليم والتربية بعد أن يقوم أصحاب المعدلات المرتفعة بدخول الطب والهندسة وهذا لعدم إدراك المجتمع لضرورة التعليم، فبينما يكون الطبيب والمهندس مسؤولاً عن حياة بضع من الناس لذلك يتم اختيارهم من أصحاب المعدلات المرتفعة -والتي يتم تقييمها على أساس خاطئ في الأساس- يكون المعلم مسؤولاً عن مصير وحياة المجتمع بأسره، فعلينا أن نسأل أنفسنا من هو المسؤول عن تدريس الطبيب والمهندس؟
فمن المهم اختيار المعلم بالطريقة الصحيحة أيضاً والتي تعتمد على امتلاكه للمؤهلات المختلفة من العلم الكافي والأمر الأهم من العلم وهو طريقة إيصاله لذاك العلم، فالمعلم لا يكون معلماً إذا لم يستطع إيصال المعلومة للطالب، بل إنّه علاوةً على ذلك يحتاج إلى غرسها في فكر الطالب وعقله أيضاً كي يكون معلماً ناجحاً كما يجب أن يكون محبّاً للتعليم بحسب المرحلة التي يقوم بالتعليم فيها فنقوم بتعيين من يحبون الأطفال لتعليم الأطفال ومن يحبون النقاشات الفكرية العميقة لتدريس طلبة الجامعة على سبيل المثال بعد خضوعهم لاختبارات عديدة تحددّ سلوكهم وأساليبهم ومدى انفتاح عقولهم وقدراتهم الكلامية وقدراتهم على التعامل مع مختلف الأجناس والأطياف والعقول، كما يجب أن توفرّ له من المميزات ما تجعله لا يفكر إلّا بالتعليم وما تجعل المجتمع بأسره يقومون له احتراماً ويرفعون له القبعات، وتجعل جميع الأطفال يحلمون بأن يكونوا معلمين في يوم من الأيام لما يرونه من تقدير للمعلم في المجتمع.

تحسين المنهج

أمّا العنصر الثاني من عناصر التعليم فهو المنهج والذي لا يمكن تحسينه أيضاً إلا باختيار المعلمين الأكفاء، فالمعلم هو الذي يقوم باختيار المنهج الصحيح وتدريسه بالطريقة الصحيحة، وقبل البدء بتطوير المنهج التعليمي يجب أن نكون على قدرة على الإجابة على ما هو المنهج التعليمي وكيف يتم وضع المناهج التعليمية بالطريقة الصحيحة؟، فالمنهج التعليمي لا يقتصر على الكتاب المقرر إذا أردنا للتعليم أن يكون صحيحاً فالمنهاج المقرر أو الكتاب المدرسي هو جزء لا يصل إلى نصف المنهج التعليمي، فالمنهج الصحيح يجب أن يعتمد على عدة كتب ومصادر ووسائل تعليمية أخرى والتي تتوافر بشكل كبير في أيامنا الحالية ويتم استغلالها في الدول المتقدمة إلّا أنّها وللأسف الشديد لا تُعار أيّ اهتمام في مجتمعاتنا العربية، فهنالك الوسائط الصوتية والمرئية التي من الممكن ان نقوم باستخدامها بشكل كبير جداً بالإضافة إلى إعطاء الطالب الفرصة كي يقوم بالتفكير والاستنباط والتحليل، وأن يقوم بتقوية أدائه الفكري وأن يبحث عن المعلومة وأن يتكوّن لديه الشَره والشغف للمعلومة الصحيحة، فكم من المهم أن يكون الطالب قادراً على أن يميز ما بين المعلومة الصحيحة والمعلومة الخاطئة من أن يقوم بحفظ المعلومات المعطاة له من أجل الامتحان ويقوم بنسيانها بعده، ومن دون أن تترسخ هذه المعلومات وتنعكس على حياته، فالمنهاج يجب أن يتم وضعه اعتماداً على المخرجات التي نريدها من الطالب بحسب المادة، كما يجب أن يتم الريط بين المواد المختلفة فالعلم جملة واحدة لا يمكن التفريق بين أي جزء من أجزائه.
فعلى سبيل المثال ما الفائدة من مناهج التربية بشكل عام إذا لم نلاحظ انعكاس ما في هذه المواد على سلوك الأفراد في المجتمع، فنحن نلاحظ أنّ الواقع الذي نعيشه في هذه الأيام يعتمد على أنّ الطلبة يقومون بحفظ ما في المناهج الأدبية على سبيل المثال من الكتاب المقرر من أجل تأدية الامتحانات التي يقومون بالغش فيها من أجل أن يكون أطباء ومهندسين مع ملاحظة علاماتهم المتدنية في المواد العلمية، فمن المهم أن تكون المواد الأدبية وكما يدل اسمها قادرة على تأديب الطالب وغرس القيم فيه فتقوم المناهج التربية الوطنية والتربية الإسلامية على سبيل المثال بغرس الأخلاق في الطالب عن طريق تضمنها للنشاطات اللامنهجية وابتعاد المعلم عن الكتاب المقرر مع إمكانية عدم وجود كتاب لمثل هذه المواد فالتربية لا تحتاج إلى كتب بل تحتاج إلى أداء، وفتح مجال للحوار والنقاش فيها، واختيار المعلمين الأكفاء كما قلنا سابقاً كي يقوموا بهذه العملية فتعرفه كيف يكون مواطناً فاعلاً في المجتمع وقادراً على النهوض به نحو الأفضل، وأن تقوم مواد كالتاريخ بتعريف الطالب على أهمية التاريخ وإعطائه العبر من التاريخ والذي هو الأمر الأهم بدلاً من حشو المعلومات والتواريخ في رأسه والتي ستتساقط فيما بعد كما تتساقط أوراق الأشجار في الخريف، وأن تقوم مناهج اللغات بتقويم طريقة الطالب في التعبير عن نفسه وتحسين أدائه في ذلك والتي هي الوظيفة الأساسية للّغات، كما يجب الربط بين المناهج المختلفة فلا يمكن فصل منهج التربية الإسلامية على سبيل المثال عن منهج اللغة العربية فمن الممكن القيام بإعطاء دروس مشتركة بوجود معلمي هاتين المادتين من أجل فهمهما بالطريقة الصحيحة، فلا يمكن فهم القرآن الكريم من دون اللغة العربية كما لا يمكن فهم اللغة العربية من دون فهم القرآن الكريم بالطريقة الصحيحة والذي يعتبر الكتاب المعجز في لغة العرب، كما أنّه لا يمكن فصل مادة اللغة الإنجليزية عن عن المواد العلمية في هذه الأيام والتي للأسف تُدرّس بهذه اللغة في الوقت الحالي في البلاد التي يتحدّث أهلها العربية، كما أنّه من المستحيل أن نستطيع فصل أيّ مادة من المواد أكانت علمية أو أدبية أو مهنية عن التاريخ، فالمواد الأدبية يجب معرفة أصولها ففي أصل الأدب تكمن عراقته وقمّة تألقه، أما العلم فهو كسباق التتابع يكمل فيه كل شخص عمّن سبقه فلا يمكننا بدء العلم من جديد وهنا تكمن ضرورة التاريخ في العلم.

تقييم الطلبة

أمّا العنصر الثالث وهو تقييم الطلبة وتصنيفهم فمن المهم أن يتضمن طرقاً حديثة للتقييم ولا تعتمد على الامتحانات الكتابية فقط كما في هذه الأوقات والتي يسود فيها الغش بدرجة عالية جداً وتتضمن طريقة غير موضوعية لتقييم الطلبة حتى من دون وجود الغش، فيجب أن تتضمن عملية تقييم الطلبة العامل الاجتماعي وهو قدرتهم على المشاركة في الحصص وإبداء رأيهم، كما تتضمن القدرة البحثية والتي تعتمد انتقائهم للمعلومة الصحيحة من المصادر الموثوقة وقدرتهم على تصنيف هذه المصادر وذكرها بالشكل الصحيح في أبحاثهم وقدرتهم على البحث بالطريقة الصحيح في هذه المصادر وعم البحث في الإنترنت التي يعتبر مصدراً غير موثوق للمعلومة الصحيحة، كما يجب أن يتضمن تقيمهم على الجانب العملي أيضاً في المواد العلمية على وجه الخصوص، فلا فائدة من دراسة كل ما يحدث في الكيمياء على سبيل المثال من دون ملاحظته بالعين المجردة وتجربته باليد، ولا فائدة من المعادلات المختلفة من دون القرة على التطبيق العملي لهذه المعادلات، وهو أمرٌ لا نلاحظه في المدارس وحسب بل حتى في الجامعات التي من الواجب عليها أن تؤهل الطالب للحياة العملية، والتي لا نلاحظها تقوم بتأهيله إلى لمزيد من الحفظ للمعلومات ونسيانها فيما بعد، كما يجب تحسين الامتحانات الورقية ولكن من المهم وضعها بالطريقة الصحيحة التي يتم من خلالها قياس مدى فهم الطالب للمادة بالشكل الصحيح، فمن الممكن على سبيل المثال بدلاً من سؤال الطالب عن متى ولد أفلاطون ومتى توفي وأهم إنجازاته في مبحث التاريخ، سؤاله عن أن يناقش أفكار أفلاطون والعبر التي استفادتها منه وفيما يؤيده وفيما يتعارض معه.
وتشكل هذه العناصر الثلاث والتي هي المعلم والمنهج والتقييم المثلث الرئيسي للعملية التعليمية والتي تتكامل مع بعضها البعض ويوجد المعلم على رأسها، إذ إنّ المعلم هو من يقوم بالتحكم بالمنهج الذي يتم من خلاله تقييم الطلاب وفقاً لمعايير يتم من خلالها اختيار المعلم، ولكن يبقى المعلم هو المتحكم الرئيسي في هذا المثلث، ويبقى السؤال هو متى سنى الوطن العربي يرتقي بالتعليم بشكل يجعل من التعليم في البلاد العربية قائماً على اللغة العربية ومرغوباً من كل الأشخاص في العالم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى