لمن نبوح باسرارنا؟ 2019

عندما أجبر الحزن و الإحباط إحدى طالبات الصف العاشر على أن تبوح بسرها الخطير لصديقتها و أخبرتها عن انفصال والديها القريب, قامت بمواساتها لدقائق معدودة و أظهرت تأثرا و حزنا عميقين و أسعدت تلك المؤازرة الفتاة المكلومة و خففت عنها حزنها و انصرفت شاكرة لها صنيعها و لم تنس أن تطلب منها في نهاية اللقاء أن تحتفظ بالسر بينهما فهي لا تريد أن تكثر حولها القصص و الشائعات و طمأنتها الصديقة,
و لكنها في اليوم التالي لاحظت نظرات الشفقة التي تطل من عيون جميع بنات الصف و تلاحقها فأُضيف إلى شعورها بالحزن و الإحباط لانفصال والديها شعور بالخيبة و الأسى لخيانة صديقتها لها و انكشاف سرها.

كثيرة هي القصص التي نسمعها تحدث بهذه الطريقة و كثيرة هي الأسرار التي تنتشر بين الفتيات و الأولاد, و للفتيات بهذا الشأن سجل حافل لا يخفى على حاضر أو غائب.

لا أدري ما الذي يغرينا حقا بأن نبوح بأسرارنا و مكنونات أنفسنا للآخرين, ولا أنكر أيضا أنني فعلتها مرارا و ندمت كثيرا و ما زلت أعيدها في بعض الأوقات عندما يستبد بمشاعري حزن أو فرح و ربما حيرة, و قد أجدني أطمع في تعاطف أو تأييد و ربما لطلب المشورة و هي أمور قد تكون نافعة في بعض الأحيان.

هناك من الفتيات من تبوح بسرها لصديقة رغبة في إثبات عمق الصداقة و أحيانا تكون الأسرار هي ثمن الصداقات؛ فمرة علمت بأن دخول فتاة إلى إحدى المجموعات كان يتطلب منها أن تحكي أسرارا عن أمور قد لا تكون موجودة, و هي من الأمور الخطرة و التي جلبت لكثير ممن فعلوها الأحزان.

ما زلت أذكر قصة فتاة صغيرة سمعت من إحدى الجارات قصة سيئة عن ابن جيران لهم كانت تحكيها لأمها, و كمن حمل كنزاً نقلت القصة إلى صديقتها في المدرسة و جارتها التي تسكن في نفس الشارع أيضاً ثم نسيت الأمر حتى صادف أن عادت تلك الصديقة يوما من المدرسة بصحبة أخت الفتى, و لم تجد ما تملأ به الوقت سوى ذكر القصة التي سمعتها من صاحبتنا منذ مدة و التي تحكي عن أعمال شائنة يقوم بها أخوها, و لم تتردد الأخت في طرق باب الفتاة لتتأكد من صحة القصة, و وجدت صاحبتنا نفسها مضطرة للاعتراف بأنها سمعتها من والدتها و جارتهم و حدثت قطيعة بين الجيران لهذا السبب, و تعلمت الفتاة الدرس الصعب, و لا أعلم إن عادت لتختبر أوعية الآخرين بعده.

من المفيد أن نعلم أن الأسرار قد تكون كنوزاً تفتحها ألسنتنا لمن نبوح لهم بها, و قد لا يستحقونها.. و قد لا يمتلكون تلك الأمانة التي نفترض وجودها فيهم.. و قد يستخدمونها كسلاح يشهرونه في وجوهنا يوما.
و لنا أن ندرك أن السر قوة طالما احتفظنا به..
و أن لنا أن نبوح لمن نرجو مشورته من الكبار و الصادقين معنا بالتأكيد..
و لو اتخذنا من أهلنا أصدقاء لكان فوزًا رائعا لأننا سنضمن وقتها من يحفظ السر و يحسن تقديم النصيحة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى