لمـاذا يحاسبني الله علـى شيء قد كتبه لـي ؟ 2019

لمـاذا يحاسبني الله علـى شيء قد كتبه لـي ؟

السـؤال / تحدثنا في القضاء والقدر، فقـالت لي صديقتي : إذا كان الله قدر كتـب لي كل ما سأمرّ به في حياتي قبـل أن يخلقني فكيف يحاسبـني على ذلك ؟
وقالـت: إنه حسب مفهومهـا أن الله سبق في علمـه ما سيفعل الإنسان وإنـما لم يكتب عليه ذلـك .
وأنـا في الواقع لا أحاول أن أخـوض في هذا الموضوع لأنـني لا أملك فيه علما واسعـاً وأخشى أن أقول في هـذا الموضوع ما ليس لي بِعلـم .

وهـي في الواقع ليست المـرة الأولى التي أتعرض فيهـا لهذا السؤال وأجد حـرجاً في الردّ و لا أجد ما أقـول، فأرجو سيدي الكريـم إعطائي جوابا مبسطا وكافيا لهذا السـؤال .
أرجـو أن تفيدني، وجزاك الله خيـرا.

الجـواب: وجزاك الله خيراً،قـال ابن عبد البرّ رحمـه الله: وقال العلماء والحكماء قديـما ( القدر سرّ الله، لا تنظـروا فيه. فلو شاء الله ألاّ يُعصـى ما عصاه أحد، فالعباد أدق شأنـا وأحقر من أن يَعصوا الله إلا بـما يريد )
وأمـا أن الله علِم ما سيفعلـه الخلق فهذا صحـيح، ولذلك فإن مراتب القـدر عند أهل السنة أربـع :
الأولـى: العِلم ؛ وهـو أن الله علِـم بكل شيء قبل خلق الخلـق .
الثانيـة: الكتابة ؛ وهـي أن الله كتب في اللـوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامـة
الثالثـة: المشيئة ؛ وهي أن الله قـد شاء كل ما هو كائـن، فلا يكون شيء إلا بـمشيئته سبحانه وتعالـى .
الرابعـة: الخلـق ؛ وهي أن الله خَلَـق كل شيء، والخلـق مُتأخّر عن العِلم وعن الكتابـة .
فمـن علم بـهذه المراتب استبان لـه الحق في مسائل القضاء والقـدر، فلو خلق الله الخلق وكتـب عليهم الشقاء ما كـان ظالماً لهم، لأنـهم عبيده وفي مُلكِه وتحت تصرّفـه .
فكيـف وهو لم يَكتب الشقـاء على الأشقياء إلا وقـد علِم سبحانه وتعالى ما سوف يَعمَلـون .
ثـم أخرجهم إلى دار الابتـلاء، وأقام عليهم الحُجـج والبراهين، وأرسل إليهـم الرُّسُل، وأنزل إليهم الكُتُـب، وأنذرهم، وأعذر إليهـم .
فاللـوم إذاً يَقع على الإنسـان الذي رأى الخير والشرّ ثـم اختار طريق الشـرّ. أرأيت لو أن إنساناً قيل لـه: هذا الطريق مَخْوف وخطيـر، وذلك طريق آمِن، ثـم اختار لنفسه أن يسلك الطريق الْمَخُوفَـة .
فعلـى من يقع اللوم ؟ هل يقع علـى الذي أخبره بأن الطريق مَخوفَـة ؟ أو على الذي سَلَك الطريق المَخُـوف ؟
وكمـا يُقال: بالمثال يتّضِح المقـال: لو أن مُدرِّساً درّس مجموعة من الطلاّب، ثـم عرف مستوى الطلاّب، ثـم في آخر السنة كَتَب في ورقة وأخفاها عنـده :
هـؤلاء يرسبون ( وكتب أسماءهـم ) وهؤلاء يَنجحون ( وكَتَب أسماءهـم ) وكان ذلك بناء علـى معرفته بـمستوى طلاّبِه .
ثـم جاءت النتيجة كما توقّع المـدرِّس. فهل كتابة المدرِّس هذه لهـا أثر في نتائج الطـلاّب ؟ وهل رسوب طالب وإخفـاقه في الامتحان يَقع على المدرِّس، أو على الطالب المُهمـل ؟
لا شـك أن العقلاء يتّفقون علـى أن كتابة المدرِّس ليس لهـا أثر على مستوى الطـلاب ولا على نجاحهم ورسوبـهم .
ولا يقـع عليه لوم في كتابته تلك، وإنـما اللوم يقع علـى الطلاّب الذين أهملـوا، والذين غَفَلوا عن دراستهـم
ولله المثل الأعلـى: فالله كَتَب في اللوح المحفـوظ قبل خلق السماوات والأرض مـقادير كل شـيء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى