لقاء مع طلبة الجامعة , الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

عناصر لقاء مع طلبة الجامعة
1 – نصائح في طلب العلم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ونسأل الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه أن يكتب لنا جميعاً أجر هذا الدرس، وأن يجعلنا من المقبولين، وأن يثيبنا، وأن يرزقنا حسن الاستماع والقول، وأن ينفعنا بما نقول ونسمع؛ إنه سميع مجيب.
أحب بين يدي هذا اللقاء بكم والسماع إلى بعض استفساراتكم أن أتقدم أولاًَ بكلمة أرجو الله أن ينفعنا جميعاً بها.
نحن ننتمي -ولله الحمد والشكر- إلى طلب العلم، ولم يجمعنا إلا رباط العلم، وهو علم قائم على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه نعمة عظيمة أن يُهيئ الله تبارك وتعالى لنا أن نطلب العلم في البلد الأمين، وأن يُكثر لنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما ترون من الوسائل والتسهيلات التي تمت بفضل منه عز وجل، ثم بجهود الإخوة القائمين على هذه الأنشطة والوسائل، وهذا يستوجب منا شكر الله تبارك وتعالى، ويستتبع واجبات يجب أن نعلم أنها مُلقاة على أعناقنا.
الأمانة الملقاة على طالب العلم

إن كثيراً من الناس يريد أن يطلب العلم في هذه البلاد وفي بلاد أخرى، ويتمنى ويحرص على أن يأتي إلى هذا البلد الأمين, ويطلب العلم ويتلقاه من هذه المنابع النقية الصافية، ولكن لا يتاح له ذلك، وهذا يوجب على من أنعم الله عليه بهذه النعمة أن يُعطيها حقها من الشكر، والإخلاص لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في طلب العلم, ومن الدعوة إلى الله عز وجل ونشر هذا العلم، وتحقيق ثمرته، ومن التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر، في سبيل نشر هذا الدين؛ الصبر على طلب العلم، والصبر في سبيل الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وإن مما ينبغي لطالب العلم أن يعلمه: أمر الأمة الإسلامية وحالها لا يخفى على أحد منكم، وأنتم خلاصة مختارة، وصفوة منتقاة من هذه الأمة، والآمال بعد الله تبارك وتعالى معلقة عليكم, سواءٌ كان الواحد منكم من المملكة أومن خارجها، فلا بد أن وراءه من ينتظره؛ المدرس تنتظره مدرسته، وتنتظره مدينته، أو بلدته، أو قبيلته، وأي عمل من الأعمال فالآمال تعلق على شباب جاءوا لطلب العلم, ويريدون وجه الله تبارك وتعالى, ويراد منهم أن ينفعوا هذه الأمة التي تعاني -كما ترون جميعاً- من نقصٍ في المتخصصين في العلم الشرعي الداعين إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة وبينة.
إنّ أمتكم -ولله الحمد- في إقبال وهذه بشرى، ونحمد الله الذي منَّ بهذه الرجعة والأوبة والتوبة إلى الله، فالأمة الإسلامية في حالة غليان، وفي حالة توبة وأوبة وعودة إلى الله عز وجل، ولكن من الذي يرسم لها معالم الطريق؟!
ومن الذي يأخذ بيدها إلى النهج القويم؟! ومن الذي يرشد هذه المسيرة والأوبة والتوبة؟!
إن الأمانة -بلا شك- مُلقاة على طلبة العلم من أمثالكم، وهذه الأمانة لا يقوم بها إلا من بدأ يعد العدة للقيام بها، ويجب أن نعلم أن هذا الإعداد مُتنوِّع وثقيل, ولكن لا بد منه, وإلا فليتهم الإنسان نفسه.

الإخلاص في طلب العلم

نحن نخشى على أنفسنا -جميعاً- من النفاق, ولا نستنكف ذلك؛ فإن أحد التابعين وهو ابن أبي مليكة رضي الله عنه يقول: [[أدركت ثلاثين -وفي رواية ثمانين- من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم كان يخشى على نفسه النفاق ]].. عافنا الله وإياكم من النفاق!
فطلب العلم إذا كان خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى, وصاحبه يريد أن يدعو إلى الله، وأن يحقق ثمرة هذا العلم؛ فإن علامة ذلك وآيته: أنه يعد العدة من الآن لهذا العمل الجليل، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا بحال المنافقين حينما أخذوا يعتذرون إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويحلفون في غزوة تبوك، فقال: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46].
فبيَّن الله تعالى كذب المعتذرين الذين تخلفوا وخُذلوا عن القيام بأمر الله -عز وجل- مهما حلفوا من الأيمان، ومهما ظهر عليهم أو أظهروا من علامات البراءة والصدق, فأبطل الله -تبارك وتعالى- دعواهم هذه بحقيقة مهمة جلية، وهي: أن الذي يريد الحق وسعى إليه ثم حال دونه عذر، فإنه يعد العدة، ولكن يمنعه العذر.
أما هؤلاء فإنهم لم يعدوا العدة لذلك وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ [التوبة:46]، أي: لو كانوا حقاً يريدون الخروج لأعدوا له العدة، ولكنهم كانوا متخاذلين متكاسلين إلى أن انتهت الغزوة وعاد الجيش, فأخذوا يقسمون الأيمان ويحلفون أنهم صادقون، وأنهم يريدون الخروج.
فالإخلاص في طلب العلم لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو أول ما يجب على طالب العلم؛ وكما تعملون أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة -كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنهم: العالم المرائي أو القارئ المرائي طالب العلم الذي تعلم رياءً أو طلب العلم من أجل الدنيا.
وقد عقد الشيخ الداعية المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في “كتاب التوحيد ” باباً بعنوان (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا)، وذكر فيه قول الله تبارك وتعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود:15-16] أي: ليسوا من أهل التوحيد أهل المعاصي, لأن المؤمنين الموحدين من أهل المعاصي ما داموا على التوحيد والإيمان، فإن لهم في الآخرة الجنة وإن دخلوا النار، لكن الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار هم الذين تمحَّضت قلوبهم ونياتهم وتجردت عن الإخلاص، وتمحَّضت لغير الله تبارك وتعالى, وذكر بعد ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {تعس عبد الدرهم! تعس عبد الدينار! تعس عبد القطيفة } إلى آخر الحديث، وفيه الزجر والوعيد لمن يسعى ويعمل ويكدح من أجل الدنيا ومن أجل طلب هذا المتاع الفاني.
فأوصي نفسي وإخواني بالإخلاص في طلب العلم لوجه الله تبارك وتعالى، وبتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي هي وصية الله للأولين والآخرين.
الحرص على الوقت أثناء طلب العلم

وإن مما يجب أن أوصي نفسي وإخواني به: أن نَجِدَّ في طلب العلم، وأن نحفظ أوقاتنا, فما أكثر ما تضيع الأوقات للأسف الشديد!!
يجب علينا أن نضيِّق الأسباب المضيعة لأوقاتنا، سواءٌ منها ما كان متعلقاً بالنظام، أو ما كان منها متعلقاً بالسكن وبظروف الحياة؛ فإن هذه ولا شك تقتطع من وقت الإنسان جزءاً غير هين.
لكن يجب أن نغالب هذه الأسباب, ونبذل جهدنا لكي تكون أوقاتنا معمورة دائماً بالخير والنفع، وبما يقربنا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن تكون مجالسنا في السكن وفي الجامعة مجالس خير وذكر ومساءلة وطلب علم وحرص ومحبة لبعضنا بعضاً، وأن نستفيد من هذه الفرصة المتاحة لنا، وهو أننا طُلاَّب وما نزال في مرحلة الطلب, وكلنا إخوة ولا يعاب على أحدٍ أن يسأل مهما بلغت منزلته من العلم، أو أن يقول: الله أعلم؛ فهذا من أصول السلف الصالح ومن آدابهم، لكن مع ذلك طالب العلم وهو ما يزال في مرحلة الطلب هو الذي لا يجد غضاضة في أن يسأل وأن يناقش وأن يبحث، فهذه فرصة مهيأة.
والإنسان إذا تصدَّر للحياة فيما بعد التخرج سيجد نفسه تجد أن السؤال ثقيل، وقول: الله أعلم تجده ثقيلاً، وهذا من أمراض النفوس التي يجب أن تُحارب، لكن ينبغي لنا ألا نتيح الفرصة لهذه النفس ولهذا الشيطان الماكر؛ فالشيطان يمتلك الكثير من الوسائل لأن يوسوس وأن يخدع ويغرر بهذه النفس، فينبغي أن تكون أوقاتنا دائماً كذلك، وأن يسأل بعضنا بعضاً، وأن نسأل أساتذتنا الكرام ومن نثق بعلمه لنستفيد جميعاً.
المحبة والأخوة أثناء الطلب

وهناك أمر أرى أنه لا بد أن أنبه إليه, وهو: أن تكون علاقة بعضنا ببعض علاقة الأخوة والمحبة والنصيحة, فالأمر المؤلم والمؤسف أن يوجد -أحياناً- إخوة في كلية واحدة، وفي سكن واحد ولا يتعارفون, وأشد ألماً أن يكونوا غير متحابين وغير متوادين, فهذا أمر لا ينبغي، فنحن يجب أن نكون إخوة في الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يحب بعضنا بعضاً، وأن نتناصح، فالأخ المقصر نعامله بالرحمة والشفقة، وكل منا يتودد إليه وينصحه ويتحبب إليه، وكُلٌّ بأسلوبه الخاص، ولعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينقذه مما هو فيه.
ولنعلم -جميعاً- أن الأمر هو كما قال الله تعالى: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94]، فنشفق ونرفق بالأخ الذي فيه تقصير دون أن نجامله ونداهنه ونقره ونرضاه على معصيته, لا!
أخ يتخلف -مثلاً- عن صلاة الفجر، أو عن بعض الصلوات!! لا نقره على ذلك, ولكن نخاطبه بالمحبة وبالمودة، وكذلك أخ فيه معصية أو منكر يجب علينا أن نتعاون -جميعاً- قبل أن يصل الأمر إلى الجهات المسئولة في الجامعة أو في غيرها… نحاول أن نتدارك هذا الأخ، ولا نعين الشيطان على أخينا، وإذا نصحناه وبذلنا الجهد، ثم بعد ذلك حصل له ما حصل، فإننا لا نلوم أنفسنا, ولكن أرأيتم إذا وقع إنسان في أوحال المعاصي, أو قبض عليه, ونحن لم نعذر إلى الله بالنصيحة, كيف يكون شعورنا بالألم؟!
لا شك أن كلاً منا يقول: يا ليتني نصحته! وربما لو نصحته لانتصح!
وكذلك ما قد يوجد من بعض الأفكار أو الآراء أو بعض البدع التي قد توجد سواء بيننا أو خارجنا, فنحن لا نستغرب أن يوجد أمثال هذه لأننا أمة أصيبت بعلل وبأمراض, ولكن نحن الأساتذة والأطباء الذين نعامل الناس بالرفق، ونحن أحرص ما نكون أن نستأصل هذه الأمراض بالأسلوب الطيب، وهذا واجبنا جميعاً.
فيرفق بعضنا ببعض, وينصح بعضنا بعضاً، ويُحب بعضنا بعضاً، وأرجو ألَّا يكون للشيطان بيننا مجال بتشهير أو ببغضاء أو شحناء، فإن هذا أفضل ما يتمناه عدو الله. ولا ينبغي أن نعطي له الفرصة لينزغ فيما بيننا.
وتأكدوا وثقوا أن كل عملٍ خالصٍ لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فإنه لن يجد الإنسان نفسه به إلا في محبة لإخوانه, ولن يجدها على أهل الشر والبدع والفسق إلا مشفقةً عليهم راحمةً لهم حريصةً على هدايتهم.
وفي رسول الله صلى الله عليه سلم أسوة حسنة.. كيف كان صلى الله عليه سلم؟ كيف قابله المشركون بصنوف الأذى والتهم؟ ولكن رسول الله صلى الله عليه سلم كان يقابلهم بالصبر الجميل, بالهجر الجميل, ويقابلهم بالإعراض، وإن أعرض كان إعراضاً لا قطيعة معه، ولكنه ترفع عن سفاهتهم وعن إيذائهم.
فهذا ما أحببت أن أنصح به نفسي وإخواني، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعنا جميعاً بما نسمع وبما نقول, وأن نكون طلبة علم مخلصين لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, داعين إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة, والحمد لله رب العالمين.
2 – الأسئلة

الحكمة من اقتران الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله

السؤال: أغلب النصوص القرآنية التي تتحدث عن الإيمان باليوم الآخر، تربطه بالإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فما الحكمة من اقتران الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بالله؟ ولماذا لم يذكر أي ركن آخر من أركان الإيمان مع الإيمان باليوم الآخر؟
الجواب: قد ورد في غيرما آية من الكتاب ذِكَر الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله عز وجل، ولكن أيضاً قد وردت أركان الإيمان الأخرى مع الإيمان بالله كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل.
فليس الأمر على إطلاقه، وأما الحكمة فنحن نتلمس ونحاول, ولكن قد لا يكون ما نقول هو عين الحكمة؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل القرآن، وفيه من الحكم والعبر والعظات ما لا يطيقه كل أحد وما لا يستطيع أن يستوعبه أو يفهمه كل أحد، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي منَّ علينا بهذا القرآن، وأنزله شفاء ورحمة وهدى، وأمرنا أن نتدبره ونتفكر في آياته الكونية والمحسوسة، وأيضاً آياته المنزلة وهو كلامه الحكيم.
ذكر الإيمان باليوم الآخر مقروناً بالإيمان بالله, لأن الإنسان الذي لا يؤمن باليوم الآخر لا يكون مؤمناً بالله -تبارك وتعالى, والإنسان إذا لم يؤمن باليوم الآخر, فلا معنى لكونه يكون مؤمناً بالله في هذه الحياة الدنيا؛ لأن العمل في الحياة الدنيا يرتبط أساساً بالإيمان بالآخرة.
وأيضاً لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غيب، وكذلك اليوم الآخر من أمور الغيب؛ فذات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الغيب, وإنما أخبرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بصفاته، وعرَّفنا بنفسه عز وجل، وكذلك عرَّفنا باليوم الآخر وبأحواله.
وأيضاً لأن أول علامة للمؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب، وهذه أول ميزة وعلامة, ثم تتفرع عنها بعد ذلك كل أمور وشعب الإيمان؛ والذي لا يؤمن بالآخرة لا يمكن أن يعيش الحياة الإيمانية، وإن قال: أنا أومن بالله؛ فإن ذلك لن يكون إلا فكرة في عقله أو خاطرة في فؤاده، ولا يكون حقيقة واقعة في حياته.
ومن هنا نعلم أهمية الإيمان بذلك اليوم, والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُذكِّرنا بذلك -أيضاً- في هذه السورة العظيمة في السبع المثاني، والتي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي أعظم ما أنزله الله تبارك وتعالى في الكتب جميعها, وهي سورة الفاتحة, وفيها عرفنا الله تبارك وتعالى بنفسه، وبأنواع التوحيد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] توحيد الربوبية.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] توحيد الأسماء والصفات.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] فيها الإيمان باليوم الآخر.
ثم بعد ذلك إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] توحيد الألوهية، الذي هو أول واجب على العباد، والذي بعث الله تبارك وتعالى به الرسل، وأنزل به الكتب.
فيأتي الإيمان باليوم الآخر بين ثنايا أنواع التوحيد، وبأنه تعالى مالك يوم الدين، لأن من لم يؤمن باليوم الآخر وبأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو مالك ذلك اليوم العظيم، فإنه لا ينفعه إقراره بربوبية الله أو بأسمائه، أو بأن الله وحده هو المعبود، وبالتالي فلا يرجو ثواب الله وما عند الله في اليوم الآخر.
ولهذا قال السلف الصالح رحمهم الله تعالى تلك العبارات العظيمة: [[من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق -الذين يقولون: إننا نعبده لذاته ولا نرجو الآخرة، ولا نطمع في الجنة، ولا نخاف من النار فهؤلاء زنادقة- ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري -أي: خارجي- ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو المؤمن ]] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين!
الإمامة في الدين

السؤال: كيف تنال الإمامة في الدين؟
الجواب: قد ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم بما تنال الإمامة فيما أخبرنا به عن بني إسرائيل، حين قال: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، فهذان شرطان أو ركنان عظيمان لتحقيق الإمامة في الدين.
والإمامة في الدين لا تكون إلا بهما: الصبر واليقين، فالصبر يشمل الأنواع التالية:
الأول: الصبر على طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ الصبر في طلب العلم، الصبر على أداء ما افترضه الله وما أوجبه.
والثاني: الصبر عما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كالصبر على غض البصر عن غير المحارم، الصبر على كف اللسان عن الغيبة والنميمة، الصبر على كف القلب عن الغل للمؤمنين وعن الحسد وما أشبه ذلك.
والثالث: الصبر على أقدار الله الكونية؛ فإن هذه الدنيا مليئة بالمصائب والمتاعب، فلا بد من الصبر عليها.
أما اليقين، فإنه يشمل العلم، إذ لا يقين لمن لا علم لديه، فهو يشمل العلم ويشمل حسن الظن بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يقين لمن ليس له ظَنٌ حسنٌ برب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وصدقٌ ويقين بوعد الله الصادق له, واليقين هو عمل قلبي يكون تحقيقاً للدرجة أو للمرتبة العليا من مراتب الدين، وهي مرتبة الإحسان؛ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فهذه عبادة الموقنين جعلنا الله وإياكم من الصابرين والموقنين، ورزقنا الإمامة في الدين! فعندما نعرف أن هذه الدعوة لا تكون إلا لمن حقق هذه الشروط العظيمة، وما يتبع ويدخل ضمن كل شرط منها من فروع بالغة الأهمية؛ فإن ذلك يوجب علينا أن نجتهد وأن نكدح وأن نسعى، وندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحقق لنا ذلك، وما ذلك عليه بعزيز.
ترك الطاعات خوفاً من الرياء والعجب

السؤال: أحد الإخوة يقول: عندما آتي لأنصح أحد الإخوة يأتي الشيطان ليلقي في نفسي العُجب؛ فعند ذلك أترك النصيحة؟
الجواب: العُجب داءٌُ خبيث، والشيطان لا يبالي بأي وادٍ هلك الإنسان؛ فإن أهلكه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسن, وهذا ما يريد, وإن غلبه الشاب التقي، وقال : لا يمكن أن يخدعني الشيطان، لابد أن أدعو إلى الله وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، كيف والدين النصيحة؟! كيف والله تعالى أمرنا وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]؟!
إذًا أنا لا أطيع الشيطان في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله.
ولكن إذا أخذ يدعو إلى الله أتاه الشيطان بأمراض القلب؛ أتاه بالعجب والغرور والرياء, وليس ذلك حرصاً منه على علاج قلبك من هذه الأمراض, ولكن ليقول لك: إن دعوت إلى الله فإنك ستعجب بهذا العمل، ويدفعك ذلك إلى الرياء، فخير لك أن تسكت وألاَّ تدعو, فهو يأتي من باب الناصح المشفق المحب، ومتى كان عدو الله ناصحاً مشفقاً؟!
ألم يقاسم أبوينا في الجنة إنه لهما لمن الناصحين، وإنه مشفق، وإنه يريد لهما النعيم والملك الذي لا يبلى، وأن يكونا ملكين وغيرها من الوعود والغرور الكاذب؟!
ولهذا نقاومه من الجهتين :-
– من جهة أننا لا نترك الدعوة إلى الله، ولا طلب العلم، ولا عبادة ربنا عز وجل من أجله.
– ومن جهة أننا إن جاءنا فقال: اتركوا هذه الطاعات خشية الرياء, فإننا لا نطيعه.
لكن مع ذلك لابد أن نحذر من العجب والرياء, ونحذر من كل ما يحبط أعمالنا، لأن هذه المحبطات تجعل أعمالنا هباءً منثوراً, وما قيمة العمل والجهد إذا كان هباءً منثوراً؟! وما قيمته إذا كان لغير لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟! فنحن نقاوم ونحارب العجب والغرور والرياء، ونعمل, ولكن لا نثق في أن هذا العدو ينصحنا ويحذرنا من العجب, فتكون نتيجة ذلك أننا لا ندعو إلى الله ولا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر.
كيفية تصحيح النية في طلب العلم

السؤال: إن الإنسان عندما يبدأ بطلب العلم لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خالصاً يلاحظ دخول الرياء بين فترة وأخرى على نفسه، وأيضاً يجد أنه يريد شيئاً غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من طلب الشهادة والوظيفة والمكانة؛ فكيف يصل إلى تصحيح النية في طلب العلم الشرعي؟
الجواب: الذي جاء وبدأ في طلب العلم أو في أي عملٍ من أعمال الطاعة، وهو لا ينوي بذلك وجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن عليه أن يتوب وأن يستغفر الله وأن يصحح نيته ويحولها لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وأما الذي وُفِّق من أول الأمر لأن تكون نيته لله, ولكن يسأل: كيف يثبت تلك النية ويجردها لله؟
فليعلم أن حالنا مع أنفسنا كحالة جهاد عدو لا يفتر؛ عدوٌ أعطاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومكَّنه من قلوبنا يجري منا مجرى الدم, ونفسٌ أمارة بالسوء تحب أن تخلد إلى الأرض, وشهوات ومغريات من كل جانب, ودعاة على أبواب جهنم يريدون إلقاء الناس فيها.
فلا يكفي أنني أبتدئ بالعمل وأنا مجرد للنية خالصة لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن هؤلاء الأعداء لا يتركونني أبداً، أنا في طريق قُطّاعه كثير، وعقباته كثيرة, ومفاوزه مهلكة موحشة، ولا سبيل إلى الاهتداء إلى هذا الطريق إلا بالحذر واليقظة؛ بأن يكون القلب يقظاً في كل حين ألَّا يخرج ولا يحيد عن الإخلاص, وعن طلب العلم لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعن طلب الحق والدعوة إليه كما أمر الله وكما شرع؛ فلا بد من الجهاد.
والنفس قد تغلب تارة, والشيطان قد يغلب تارةً أخرى, ولكن نحن نغلبه -بإذن الله- بالاستغفار وبالتوبة وبتصحيح النية وبتجديدها، وكما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب }.
فلا بد من تجديد الإيمان, ونعلم أنه إذا كان يبلى ويضمحل إلى أن يتلاشى، فلا بد أن نجدده في كل وقت، ولهذا من نظر إلى عبادتنا, وجد أن الله تبارك وتعالى شرع هذه الصلوات الخمس، لنجدد إيماننا في كل يوم وفي كل حين؛ كل يوم خمس صلوات، وشرع الله لنا حلقات الذكر, ومجالس العلم وقراءة القرآن, والتفكر في الآخرة, وما أشبه ذلك؛ كل ذلك ليتجدد الإيمان في قلوبنا.
وإلا فقد كان يكفي أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقولوا: “لا إله إلا الله” وقد قالوها بصدق وحق وإخلاص ثم ينطلقوا، ولا شيء عليهم بعد ذلك!! لكن كم عانوا! وكم عانى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعب في تربيتهم حتى استكملوا الإيمان، ووصلوا إلى الدرجة العليا التي أثنى الله تبارك وتعالى عليهم بها! ونسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يلحقنا بهم, إنه سميع مجيب.
الرد على من نسب التأويل والتعطيل للسلف

السؤال: أحد الإخوة يسأل عن تفسير قول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42]، وذكر بأن ابن كثير قال: ‘عن ابن مسعود وابن عباس والشك من ابن جرير يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42] قال: عن أمر عظيم، كقول الشاعر:
أصبر عناق إنه شر باق قد سن قومك ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا على ساق
وقال صاحب التفسير: قال العوفي عن ابن عباس في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42] يقول: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة، وكشف الأمر عنه’ فما رأيكم في هذا التأويل؟ وكيف نوفق بين ذلك وبين من ينفي وجود التأويل بالنسبة لآيات وأحاديث الأسماء والصفات عند السلف رضوان الله عليهم؟
الجواب: الحمد لله! هذا ليس بتأويل، ويجب أن نعلم جميعاً أن السلف الصالح رضوان الله عليهم ولا سيما أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يمكن أبداً أن يكون فيهم مبتدع، ولم يوجد في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبتدع ولا مؤول، ولا معطل، ولا خارجي، ولا مرجيء، ولا جهمي، ولا شيء من هذه البدع، والحمد لله رب العالمين، فهو جيل مطهر نقي من هذه البدع والضلالات، بل هم الذين حاربوها وأنكروها.
ولكن هل كل واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوم عن الخطأ؟ لا.
وهل كل واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوى العلم كله؟ طبعاً لا. فقد يخفى على أحدهم شيء من العلم, وأيضاً قد يقع آحاد منهم في الخطأ.
فهذه الآية صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن معناها (يكشف الرحمن عن ساقه عز وجل) فهل هذا الحديث بلغ كل صحابي؟ لم يقل أحد من العلماء أنه لا بد لأي حديث أن يبلغ جميع الصحابة أبداً، فعندما قال هؤلاء الصحابة عن الكشف عن الساق: أنه الهول والكرب والشدة هل قالوا ذلك تأويلاً؟ الصحيح لا, وإنما قالوا ذلك استناداً إلى لغة العرب، فلغة العرب هي أحد المصادر التي نعرف بها التفسير، ولكن نستعمله إذا لم نجد من كتاب الله ما يفسره، ثم من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد ذلك أقوال الصحابة، ثم اللغة, وهم يجتهدون حسب اللغة؛ لأنهم أهل اللغة المتمكنون فيها، وفي لغة العرب لا يُسمى هذا تأويلاً, لأن الكناية يعلم من درس منكم ذلك في لغة العرب لا تقتضي نفي الحقيقة, وهم يمثلون في البلاغة بقول الخنساء في أخيها :
رفيع العماد طويل النجاد ساد عشيرته أمردا
وإذا قلنا: إن فلاناً كثير الرماد, فهذه كناية عن الكرم, فبدلاً من أن أقول: فلان كريم، أقول: فلان كثير الرماد، فالعرب تمدح بعض الناس أنَّ كلبه لا يهر, أي من كثرة ضيوفه, وهذه كناية عن الكرم، لكن الكناية لا تقتضي نفي الحقيقة، فإن وصفي إياه بأنه كثير الرماد لا يقتضي ذلك أنه لا رماد عند بيته أو أنه ليس عنده كلب، أو أن كلبه لا يهر، فقد يكون فعلاً كثير الرماد -حقيقة- بأن يكون هذا الرماد موجوداً عند البيت، وأيضاً قد يكون كلبه لا ينبح لأنه كريم, لكن أنا لم أقصد هذا المعنى الذي يتبادر من ظاهر اللفظ، وإنما قصدت لازمه الذي كنيته عنه أنه كريم، وكذلك لا يلزم من أن يكون الكشف عن الساق كناية عن الشدة وعما في ذلك اليوم من مواقف رهيبة، لا يلزم من ذلك نفي الصفة وأن نقول: ليس لله تعالى ساق.
نلخص ونقرب ذلك ونقول: هل قال ابن مسعود أو ابن عباس : (إنه ليس لله تعالى ساق أو ليس لله يد)؟ لم يقولوا ذلك كمثل المعطلة والمؤولة الذين قالوا: ‘ليس له ساق’ فهذا فرق عظيم بين القولين، بين من نظر أن الأمر كناية أو لم يبلغه الحديث، وبين من نفى نفياًَ مطلقاًَ هذه الصفة التي صح بها الحديث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى