قُـول وَاحِـد.. بقلم عبد اللطيف البوني

السودان اليوم:

(1)
عندما أعلنت الحكومة سعر التّركيز للقمح بواقع 1800 جنيه للجوال زنة مائة كيلو (غنينا وفرحنا وأمسينا وصبحنا)، قُلنا هذا هو القرار المُناسب وفي الوقت المُناسب، لأنّه في تلك اللحظة سوف يُوفِّر المساحات الكافية للقمح، فهناك أراضٍ مُتبقية من العروة الصيفية وفّرها أصحابها للمحاصيل الشتوية مثل الكبكى والفاصوليا والفول المصري وبهذا السعر التشجيعي سوف تتحوّل كلها الى القمح، ثُمّ أنّ المساحة التي خُصِّصت للقمح لن يتردّد أصحابها هذه المرة في زراعتها قمحاً وليس كما حدث في موسم 2017 – 2018، حيث تقلّصت المساحة فيه إلى 50 في المائة, من أربعمائة ألف إلى مائتي ألف تقريباً بفضل سعر التركيز السيئ الذي أعلن في ذلك الوقت وهو 450 جنيهاً للمائة كيلو.. هذه المساحة المُتوقعة لهذا الموسم تستلزم استعدادات كبيرة من مياه ري كافية وتحضير جيِّد وتوفير مُدخلات من تقاوي وأسمدة (داب ويوريا وورقي) ومُبيدات (حشائش وآفات) ومُستلزمات حصاد من جوالات وحاصدات وإلا سوف يروح هذا السعر التشجيعي الجيد (شمار في مرقة)!
(2)
الآن اللحظة العلينا دي ظهر نَقصٌ مُريعٌ في التقاوي، ففي الجزيرة وهي (العليها الرك) ليس هناك مخزونٌ من التقاوي، شركة تافي مَشكورةً وفّرت قدراً منها ولكنه لن يفي، فالمساحة التي حضّرها المُزارعون كانت كبيرة، البنك الزراعي الذي وفّر الأسمدة إلى حدٍّ بعيدٍ غير أنّه أخفق إخفاقاً تَامّاً في التّقاوي.. كثير من المُزارعين حَضّروا أرضهم ونثروا عليها سماد الداب ذي الأثمان المُرتفعة (1650) جنيهاً سعر البنك, لقد شكوا لطوب الأرض (جرينا وجرينا جاي بدون أي فائدة أو إفادة)، كما شكا لي أحدهم والحال هكذا، لجأ بعضهم إلى القمح الموجود في السوق وقام بتعفيره وزراعته حتى لا يضيع عليه المُوسم، وبعضهم (مازال واقف مُنتظر) ويده على قلبه.!
لقد أدرَكَ المُزارعون أهمية التقاوي، فهي العتبة الأساسية لنجاح المُوسم، وهي التي سَوف تَحدث النقلة مع المقومات الأُخرى، بالطبع أنّ الفشل في توفير التقاوي المُمتازة يُبشِّر بفشلٍ كبيرٍ للمُوسم، فجوالات القَمح التي نثرها بعض المُزارعين مليئة بالآفات والحشائش بالإضافة لأنّ الحَيّة نفسها لم تكن ناجمة.
لَقَد تَرَكَ المُزارعون ومن زمن الطريقة التّقليديّة التي كانوا يحضرون بها تقاويهم وهي اختيار قمح التقانت – مفردها تقنت – الناجم والإبقاء عليه في سنابله وحفظه في مكان تهوية جيدة ثُمّ إخراجه و(دقّه) قبل يومٍ أو يومين من الزراعة، لقد هجروا هذا التدبير المتوارث وأصبحوا يعتمدون على التقاوي التي تجلبها الجهات المُختصة!
(3)
إنّ عدم وفرة التقاوي جريمة مُبكرة اُرتكبت في حَق هذا المُوسم تُسأل عنها الحكومة مُمثلةً في وزارتي المالية والزراعة والإدارات الزراعية الرسمية.. فالحكومة التي تبعزق في الأموال في الفارغة والمَقدودة (سفريات واحتشادات ومهرجانات واحتفالات ومُؤتمرات) ما شغّالة بأمورها المصيرية الشّغلة!! الحكومة التي تصدر قرارات كزيادة سعر التركيز ولا تعرف كيف تُتابع تداعياته.. الحكومة المشغولة بقانون انتخابات 2020 وتهمل مُوسم 2018، فلتبشر بواخر القمح المُستورد والدقيق الرديء بطُول سلامة، ولتبشر صُفُوف الرغيف بطُول سلامة، وليبشر الجنيه السُّوداني بالشبع مَوتاً، وليذهب شعار الاكتفاء الذاتي للجحيم.. ويا حسرة على مُوسم البرد المُبشّر هذا العام ومافيش حَد يقول إنّ هناك مُؤامرة على زراعة القمح في السُّودان..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى