~ سُـرَّاقُ الحَيـاة :” 2019

~ سُـرَّاقُ الحَيـاة :”

قد يُوجَدُ بيننا لُصوصٌ لا نعرفهم ، ولا تتَّضِحُ لنا هُويَّتُهم .
بل قد يُخالطوننا في كُلِّ لحظةٍ ولا نشعرُ أنَّهم يسرقوننا
دُونَ أن ننتبِهَ لهم .

لُصوصٌ يلبسون ملابسَ أنيقةً ، ويتحدَّثونَ بكلماتٍ رقيقةٍ ،
ويُظهِرونَ صداقتَهم وحُبَّهم لنا ، وتعلُّقَهم بنا ، وقُربَهم مِنَّا .

ومع مرور الأيَّام تظهرُ لنا حقيقتُهم ، وتنكشِفُ نيَّتُهم ،
وتتَّضِحُ مَقاصِدَهم .

فنُفيقُ على حقيقةٍ لم تخطُر ببالنا ، ولم نتوقّعها يومًا .
ونُصدَمُ حين نعلمُ أنَّ كثيرًا من مُمتلكاتِنا ومُتعلَّقاتِنا قد سُرِقَت مِنَّا .
والأصعبُ حين نعلمُ أنَّ قلوبنا هِيَ التي سُرِقَت .
بل المُحزِنُ أن نُسرِقَ ويُذْهَبَ بنا بعيدًا على حين غفلةٍ مِنَّا ،
وكأنَّنا كُنَّا في حالةِ إغماءٍ وغيابٍ عن الوَعي .

سُـرَّاقُ الحَيـاة :” Fassselllyy66.png

مِن بين هؤلاءِ اللصوص : التِّقنياتُ الحَديثةُ ؛ حاسباتٌ وجوَّالاتٌ ،
بما تحويه من مواقع ، وبرامج ، ودعواتٍ ، وحِواراتٍ ، ومُحادثاتٍ .

يُنادِيها أبوها : يا بُنيَّة ، أحضِري لي كُوبًا من الماءِ ؛ لأشربَ .
فتَرُدُّ عليه قائلةً : انتظِر قليلًا يا أبي .
فهِيَ مشغولةٌ في مُحادثةٍ مع زميلتِها على الواتس أب .

تطلُبُ منه أُمُّه أن يشتريَ لها بعضَ المُتطلَّباتِ من مَحَلٍّ قريبٍ
من البيتِ ، فيقولُ لها : سأُحضِرُها في وقتٍ لاحقٍ بإذن الله .
فهو مشغولٌ بقِراءةِ التَّغريداتِ على تويتر .

تُعِدُّ زوجتُه العَشاءَ وتُنادِيه ، فيقولُ لها : لا أُريدُ أن آكُلَ الآن .
فهو مشغولٌ بمُشاهدة الصور على انستقرام ،
وإرسال الإعجاباتِ على فيس بوك .

جاء مَوعِدُ مُحاضرتِها ولم تخُرج من البيت .
تقولُ لها أُمُّها : ما زِلتِ هُنا ! لقد بدأت مُحاضرتُكِ .
فتَرُدُّ ببُرودٍ : لا بأس ، سأكتُبُها من إحدى زميلاتي .
فهِيَ مشغولةٌ بالبحثِ عن تطبيقاتٍ جديدةٍ تُناسِبُ جوَّالَها .

سُـرَّاقُ الحَيـاة :” Fassselllyy66.png

سرقتنا التِّقنياتُ من بين أهلنا وأحبابنا ، بل سرقتنا من أنفُسِنا .
أعطيناها جُلَّ اهتمامِنا ، حتى أثَّرت على عُقولنا ،
وأنستنا كثيرًا من أدوارنا ، وأشغلتنا عمَّن حولَنا .
ولكنَّ الأكثرَ ألمًا حين تسْرقُنا من عباداتنا :”

فهذه تنقُرُ الصَّلاةَ كنقر الغُراب ؛ حتَّى لا يفُوتَها اجتماعُ الصَّديقات ،
وتِلك تُؤجِّلُ وِرْدَها اليَوميَّ ، وأُخرى تتنازلُ عن بعض السُّنن .

لنُراجِع أنفُسَنا مُراجعةً دقيقةً ، ولنُعِد مُمتلكاتِنا المسرُوقة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى