سيكولوجية اليتيم(هام) 2019

بالنسبة للأطفال، فقدان الشخص الذي يحبونه هو جرح و صدمة نفسية كبيرة. و لا يمكن تجنب مثل هذه المواقف في حياتنا، ففقدان الأم أو الأب، يشكل دائما موقفا صعبا جدا و مؤلم، غالبا ،ما يحتاج إلى جهد كبير لمحاولة تحمله. و في حالة، فقدان الوالدين معا، تقع مسؤولية كبرى على الجدين إذا وجدا، لرعاية الأطفال. كما هناك موقف آخر، و هو الزوجة التي تفقد زوجها و تجد نفسها مع أطفالها، مواجهة موقفا صعبا، و هنا سنحاول تقديم بعض النصائح حول كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، كيفية تفسير الموضوع للأطفال و مداواة جراحهم.
يختلف تأثير فقدان الأب على الأطفال، باختلاف أعمارهم، ففي السنوات الأربعة أو الخمسة الأولى، يكون الأطفال متعلقين أكثر بالأم، لهذا هناك احتمال أن لا يشعروا كثيرا بحالة فقدان الأب.
لكن طبعا، فقدان شخص كانوا يطلقون عليه لقب ” بابا ” داخل المنزل، اعتيادهم على وجوده و اللعب معهم و قضاء وقت معين معه، يجعلهم يحسون نوعا ما بالحزن رغم أنهم لا يستوعبون تماما ما حدث حولهم.
بالنسبة لطفل في مرحلة الدراسة الإبتدائية، يجسد الأب في حياته، الحب، الحنان و الأمان، و عند فقدانه، يكون الأمر صعبا كثيرا عليه، و تصبح الحياة أقسى بالنسبة للطفل. فقدان الأم يشكل ألما و مرحلة صعبة لكل الأطفال.
كيف يجب أن تفسر الأم غياب الأب لأطفالها ؟
تعاني كل زوجة تفقد زوجها الأمرين، و تعيش حالة صعبة من الألم و الحزن، فمن جهة، فقدت رفيق دربها و سندها، و من جهة أب أطفالها، الذين يعتبرونها الآن الأمل و السند الوحيد، فتجد نفسها تتحمل مسؤولية جسيمة، حيث عليها ملأ الفراغ الذي تركه زوجها و أن تكون الأب و الأم لهم. و هذه بالطبع، مسؤولية كبيرة، تتطلب تخطيطا و جهدا عظيما، فالطفل في هذه الفترة، يكون مجريحا، محطم النفسية، لكن مع توجيه و رعاية من شخص خبير، يمكن أن يصبح إنسانا قويا، يتخرج من هذه الحياة غنيا بتجارب مفيدة.
نوصي الوالدين بشكل عام، أن لا يحاولوا إخفاء الحقائق عن أطفالهم أو تزويرها، و الموت بالتأكيد، حقيقة لا يمكن إخفاؤها عن الأطفال. الدور المهم الذي يضطلع به أحد الوالدين الذي يكون مسؤولا عن تفسير فقدان الآخر للأطفال هو، تقريب مفهوم ” الوفاة ” لذهن الطفل، بلغة يفهمها و يتقبلها.

و ما يجب توفيره لكل طفل فقد والديه أو أحدهما ، هو الحب و الإحساس بالأمان، فلا يجب أن يترك الطفل وحيدا، يواجه تساؤلات بعد فقدان من يحب مثل : ” لقد فقدت والدي، لن يحبني أحد بعد اليوم، سأكون وحيدا في مواجهة الأخطار. ”
لكن لا يجب أن ننسى أنه علينا توفير هذه الإحتياجات ضمن حدود المعقول، فبطبيعة الحال، الطفل يكون في مواجهة موقف صعب، لكن علينا أن لا نغفل على تلقينه القواعد الأخلاقية الصحيحة، حتى في تلك الظروف الصعبة، و علينا أن نربيه ليصبح فردا قادرا على تحمل الصعاب و المسؤوليات و يحترم القواعد العامة للنظام، و أن يميز بين الجيد و السيء، و ما بين الصح و الخطأ.
عندما يتحمل أحد الوالدين مسؤولية الأطفال لوحده في غياب الطرف الآخر، يكون معرضا للتعاسة و الحزن و التوتر، لأن التعرض لمثل هذا الموقف ليس بالأمر اليسير، لكن الفرد الذي يعيش في ضغط نفسي و حزن يفقده حيويته، يجعل من الصعب عليه تأمين أساس حياة سليمة لأطفاله.
لأن الأطفال يمكنهم الإحساس بهذه المشاعر السلبية، الثي بالتالي تجعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم و من حولهم، عندما يتدنى مستوى الحب و الرعاية التي اعتادوا عليها في حياة كلا الوالدين.
لهذا يجب إيلاء الإهتمام للأطفال، مهما كان الحمل ثقيلا، لا يجب أن نجعلهم يحسون بالفراغ و الحزن، علينا محاولة التركيز فقط على تأمين أساس جيد لنفسية سليمة للأطفال، و القيام معا بأنشطة من شأنها تقريبهم إلينا و نسيان المشاكل و نتائج الفقدان لمن نحب.
فقدان الطفل للقدوة
يأخذ الطفل جزءا من سماته الشخصية من الأب و الأم كليهما، و تمثل الجينات %30 إلى 40% من نسبة بناء شخصية الطفل، فيما تشكل نسبة 60% إلى 70%، منها، النموذج و القدوة التي يتخذها الطفل مصدرا لمعارفه. و كما هو معروف، فالأب يمثل القدوة بالنسبة للطفل، و الأم بالنسبة للطفلة، و هنا تبرز أهمية الهوية الجنسية ” ولد ” أو ” بنت ”، لأن الطفل الذي يفقد والده، يمكنه تقبل الأم كقدوة، لكن يبدأ بمواجهة مشكلة هذه الهوية، و يصبح محتاجا ليضع أحدا مكان الأب : العم أو الخال بالنسبة للولد، العمة أو الخالة بالنسبة للبنت، و أحيانا و في مثل هذه المواقف، تضطر الأم للزواج، فقط لتوفير هذه القدوة لطفلها، لكن يجب تحليل نتائج مثل هذا الزواج، و ما يمكنه إن يجلب من جديد و فائدة لحياة الأطفال، فالتفكير في مثل هذه الخطوة بدون تعمق، و اتخاذ قرار سريع بالزواج ليس صحيحا.
الحل المهم لهذه المسألة، هو توسيع مفاهيم الطفل حول الهوية الجنسية، و مساعدته على تخطي الصعاب الناتجة عن فقدانه لرمزها، و طلب الدعم و المساندة من المقربين.
تجنب استعمال كلمة ” يا ليت ”
اليتيم يعيش نتائج صعبة بسبب فقدان والديه أو أحدهما، و هذه النتائج ربما يظل تأثيرها ممتدا على المدى الطويل، و أهم سلاح لمواجهة هذه النتائج هو الحب، الحنان و توفير أساس متين من الإنضباط في حياتهم موازاة مع توفير الإحساس بالحب و الأمان لهم.
و نكرر نصيحتنا بأن نفكر في حل للمشكلة و ليس المشكلة بحد ذاتها، فأكثر كلمة تضعف الإدارة البشرية هي ” يا ليت ”. يجب التفكير بإيجابية عند حدوث المشاكل و المواقف الصعبة، يجب أن نتذكر دائما أن كل فرد يكون معرضا لإمتحان معين، و عليه اجتيازه بنجاح، على كل واحد منا، أن ينظر لكل مشاكله على أنها وسيلة لينهض من جديد، و ينسى الماضي، ليكون أقوى في مواجهة المستقبل، و عند التفكير بهذه الطريقة، يكون الفرد قد قام بالخطوة الأولى لاجتياز كل الصعاب. و بهذا نكون قدوة حسنة لأطفالنا، و نساعدهم على اجتياز كل محنهم بقوة و عزيمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى