د. علي الحاج: هناك انطباع بأن الاسلاميين هم اهل مصالح

السودان اليوم:

لقد تشكلت ملامح الافق السياسي السوداني قبل الاستقلال بفعل خارجي ربما، ولكن ليس بارادة وطنية خالصة، فتكوين الاحزاب السياسية تم باشارة من الاستعمار ربما استجابة لرغبة وطنية او لمحاولة الابقاء على روح الاستعمار في جسد وطني بعد عام 1947م، فالتشكيل المؤسسي الاول ولد وفي داخله الاختلاف، ثم كانت محاولة التحكم عبر الطوائف في تجربة تكوين الاحزاب (الحزب الوطني الاتحادي والامة)، فهذه الملامح التي شكلت الافق السياسي ولدت معها حالة من عدم الاستقرار السياسي لتجارب الحكم الوطني التي استمرت من بعد ذلك ولم يحالفها التوفيق في ان تبقى او ان تستقر هي نفسها او ان تستقر بالبلاد، فاضحت هذه الدائرة الشريرة متلازمة (انقسامات.. تمرد.. انتفاضات.. انقلابات)، هكذا في تجربة الحكم العسكري الاول التي نُسبت الى حزب سياسي بعينه، ثم التجربة العسكرية الثانية في مايو 1969م التي قدمت ثلاثة انواع من التجارب السياسية حُسبت على اليسار في بدايتها ومضت نحو الوسطية في مرحلتها الثانية ثم انتهت يمنية في اواخر عهدها، فلازم عدم الاستقرار كل تلك الحقب والفترات، وما بين التجربة الديمقراطية الثانية والثالثة كان الصراع السياسي احد ابرز معالم تلك الحقب ذات العمر القصير، ومن ثم جاءت الإنقاذ وسط امواج وظروف سياسية محلية واقليمية ودولية وتحديات كثيرة، ومازال السودان يمر بمطبات ومحطات شاقة من حيث جمع كلمة القوى السياسية والتأسيس للثوابت الوطنية.. وفي ظل هذا الخضم يتواصل حوارنا مع الدكتور علي الحاج الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي كشاهد عصر ونافذ في الديمقراطية والإنقاذ.. فسألناه هنا بداية:
> في الحلقة السابقة من هذا الحوار سألناك عن الربيع العربي الذي مرت به المنطقة العربية، وقلت ان وعي الشعب السوداني هو الذي عصم السودان من الذي حدث، فهل بعد كل هذه السنوات ندمت على قيام الانقاذ وانت احد رموزها؟
< لم نندم على قيام الانقاذ، ولكن صحيح هناك مطعيات معينة جعلتنا نتخذ قرار القيام بثورة الانقاذ في ذاك الوقت، ولكن نعترف بأن هناك سلبيات كثيرة حدثت بعد ذلك.
> يُقال في زمان مضى سبق الانقاذ نفسها ان الاسلاميين لم يركزوا على العمل العسكري وتكوين خلايا لذلك، الا بعد ان تكشفت لهم دموية جعفر نميري ونظامه.. فهل هذا صحيح؟
< حقيقة التفكير الجاد في العمل العسكري جاء بعد احداث شعبان من عام 1973م، اذ في تلك الفترة وقبلها كان العمل سياسياً محضاً والكل كان يركز جل اهتمامه في العمل السياسي، وكاد العمل السياسي ان ينجح، ولكن الفشل الذي اصاب العمل السياسي في شعبان هو الذي ادى الى التفكير في العمل العسكري المسلح من خارج السودان، والشخصية الأساسية في ذلك كان الشريف حسين الهندي الذي أقام بالفعل المعسكرات في ليبيا، والشريف حسين الهندي وقتها بنى كل المعسكرات على قاعدة الأنصار.
> د. علي الحاج منذ نشأته هل كان حركة اسلامية؟
< أنا بدأت حياتي السياسية بالحركة الاسلامية، ومن الناحية التقليدية اهلنا كانوا هم تيجانية وانصار سنة، ومن بعد ذلك اصبحت حركة اسلامية منذ المدرسة المتوسطة، واستمررنا كذلك فالجذور الدينية كانت موجودة.
> ما هي رؤيتكم لمستقبل البلاد خاصة بعد توليكم منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بعد رحيل الترابي، وهل يبحث د. علي الحاج عن موقع ومنصب في 2020م؟
< كلا ثم كلا.. هذا ليس همي ولا ابحث عنه، وأعتقد ان السنوات العملية التي قضياناها وما نلناه من مناصب يكفي، فالآن نشعر بأن المسؤولية كبيرة جداً قياساً بالظرف الموجود بل خاصة في الحركة الاسلامية، فنحن على صلة ودراية بتاريخ الحركة الاسلامية والتطورات المتوقعة، لذلك فأنا اعوّل على الشعب السوداني كله لا على الحركة الاسلامية ولا على المؤتمر الشعبي، وذلك للخروج من هذه الازمة، وهذه الأزمة لن يخرج منها الاسلاميون لوحدهم، وانما لا بد لكل الشعب السوداني من ان يخرج منها، واعتقد والقلة اعلم ان ما تم من مخرجات حوار ربما كانت هي الطريق الاقرب الى ان نصل لبر الامان.
> اذا سلمنا بأن الواقع مرير ومحبط ولكن غير مستحيل تصحيحه.. هل تتفق مع ذلك؟
< بالتأكيد ولا يأس هنا.
> الناس يقولون ان وجود الاسلاميين في المؤتمر الوطني والاصلاح الآن والمؤتمر الشعبي هو شتات ومصالح شخصية ليس الا.. فماذا تقول؟
< لا ليس كل ما يجري هنا مصالح شخصية وذاتية، ولكن هناك انطباع بأن الاسلاميين هم اهل مصالح وهذا الانطباع لم يأت من فراغ، لأنك عندما تتحدث عن الفساد والذين فسدوا والاسماء التي ذكرت فكلها رموز تدعى انها حركة اسلامية وهذا واقع.
> هل هذا يعود بنا الى قولة مشهورة للترابي في زمان مضى وهي (افتحوا الحركة) فتسلل المنافقون؟
< ليس كل المنافقين، وبالتالي فالذين وردت اسماؤهم في الفساد هم في الظاهر اخوان دون الخوض في الباطن ونحن علينا بالظاهر.
> الناظر اليك يشعر بأنك متجاذب شيئاً ما بين الحكم والمعارضة فاين تقع؟
< ابداً لا يوجد تجاذب بل العكس، فبعد وفاة شيخ حسن فرض علي ان اكون المسؤول، ووفقاً للنظام الاساسي فإن الامين السياسي لا يحق له ان يتبوأ اي منصب تنفيذي، وانا من هذه الناحية محصّن لانني لا اشغل اي منصب تنفيذي، وانا اعرف ان هناك اخطاءً، ولذلك يجب ألا يفهم الناس اننا جئنا من أجل ان ننقذ الاسلاميين بل جئت من اجل انقاذ المشروع.
> اين هو المشروع الآن؟
< اصلاً اية مشروعات في الدنيا من الوارد ان تحدث فيها انتكاسات منذ التاريخ البعيد، وهناك غزوات حدثت فيها الانتكاسات (منكم من يريد الآخرة ومنكم من يريد الدنيا)، ولكن في الآخر تصبح عظات وعبراً، وبالتالي ليست هي نهاية المطاف، ومن أجل ان ننقذ الموقف لا بد لنا من الاعتراف بالاخطاء ومحاولة التصحيح مع الشخص الموجود وليس بآخرين، ولهذا فإننا عبر الحوار نريد التغيير، وانا اشعر بأن هناك فرصاً ولذلك انا لست يائساً، فهناك كما ذكرت فرص للتغيير بالحسنى والسلم، لأننا لا نريد تكرار اي عنف حدث في السابق في اية منطقة من المناطق سواء كان في الجنوب سابقاً او في دارفور او جنوب كردفان او النيل الازرق، فنحن لا نريد للعنف ان يتكرر، وهذا هو الشيء الاساسي الذي ندعو له الآن، وصحيح الطريق قد يكون صعباً وفيه الكثير من الاشواك والمشكلات، ولكن اعتقد ان هذه هي المهمة الأساسية.
> نراكم كحزب مؤتمر شعبي لم تقرروا بعد الانضمام لاية كتلة او تحالف سياسي.. ما السبب؟
< القضية ليست تحالفات، وفي العهد الاول سبق ان تحالفنا مع ما تسمى الجبهة الوطنية، وقبلها كان هناك تحالف، ولذلك نقول ان القضية ليست تحالفات، ونحن الآن لا نتحدث عن تحالف، واذا جاز لنا الحديث هنا عن تحالف نقول ان القوى السياسية التي شاركت في الحوار وواصلت فيه الى مرحلة المخرجات تعتبر متحالفة على الاقل على اساس مخرجات الحوار، ولذلك فنحن الآن دعوتنا ليست للتحالف وانما نريد الحديث عن القضايا.
> على ذكر القضايا كيف تنظرون لقانون الانتخابات؟
< نحن اوضحنا رأينا في القانون وانتقدناه وحاورنا فيه، وذلك من اجل الوصول الى اشياء معنية نراها موضوعية جداً، ابرزها الحريات ورفع حالة الطوارئ وانتخاب الوالي والانتخاب على المستويات المختلفة، اضافة الى التأكيد على حرية الانتخابات القادمة ونزاهتها، فاسلوبنا ونهجنا هو النقاش حتى في القضايا الاخرى مثل قضية السلام والقضية الاقتصادية، وكذلك البرنامج الانتخابي في ماذا نحن طارحون للانتخابات القادمة، فنحن لا نتكلم عن اشخاص بل عن برامج، وبالتالي اذا فرغنا من قانون الانتخابات سنأتي بعد ذلك للبرنامج الانتخابي وما يلي ذلك، ونحن نعتقد ان هذا كله عبارة عن محاولات تصحيح لما جرى بالنسبة للسودان.
> عودة الصادق المهدي المرتقبة.. كيف تنظرون لها؟
< نحن نرحب بعودة الصادق المهدي لبلاده، وكذلك نرحب بكل الذين في الخارج، والصادق كان مع الحوار الذي جرى، ولكن ربما كانت هناك ظروف جعلته يغير رأيه.
> ما هو موقفكم من نداء السودان؟
< نحن بالنسبة لنا الرأي واضح هنا، فهناك نوعان للمعارضة سلمية واخرى تحمل السلاح، ونحن لسنا مع حمل السلاح، وعندما كنا في الخارج قلنا للمعارضة ان الحل السلمي هو الانفع والاجدى، والآن في تقديري ان كل المعارضين < وانا لا اتحدث بالنيابة عنهم < قد يكونون مجمعين على ان الحل الامثل هو الحل السياسي السلمي، وانا مرة اخرى اقول انني لا امثل المعارضين، ولكن هذا هو انطباع، وما سمعته من بعضهم قبل ان اتى للخرطوم قبل المشاركة وبعد المشاركة، فجل المعارضين ان لم يكونوا كلهم ساعون نحو الحل السياسي السلمي، اما الى اي مدى الحكومة ستتجاوب لا ادري هنا، ونحن بوصفنا مشاركين في الحكومة ايضاً نشجع الحكومة على انه لا بد من ان يكون هناك حديث عن السلام مع القوى السياسية الموجودة، ولا نتمسك بالشكليات لأننا نعتقد اننا حتى الآن متمسكون بالشكليات اكثر من الموضوعيات.
> 2020م هل تتوقع ان يخلص الناس الى حزبين غالبين؟
< اتوقع في عام 2020م ان يكون هناك اكثر من حزبين من حيث الاغلبية.
> قضية الحوار التطلعات والآمال.. كيف ترى المستقبل هنا؟
< نحن مازلنا نأمل في ان يقود هذا الحوار في النهاية الى الحل الشامل والمنشود، فالتطلعات مازالت كبيرة، والاعتماد ايضاً يبقى استناداً الى شعب السودان ووعيه وادراكه، ومبادرة الحوار جاءت من الحكومة، وبالتالي فهذه فرصة للقوى السياسية ينبغي أن تغتنمها، ورغم ان الحوار قد طال وتطاول من حيث الزمن مما جعل الناس بين متردد ومتشكك، إلا أن الأمل مازال معقوداً على هذا الحوار الوطني بأن يحقق الغايات المنشودة منه.

الانتباهة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى