خطبة الطريق إلى القدس , لفضيلة الشيخ محمد حسان

أحبتى فى الله :

إننا نكرر دائما أنه لا ينبغى أن يكون العلماء والدعاة فى واد وأن تكون الأمة بجراحها فى وادٍ آخر .

ومن هذا المنطلق فأننى استحى من الله جل وعلا أن أقف اليوم بين أيديكم وسط هذه الآلام والجراح .

دون أن أتكلم عن القدس الجريح . لذا فإن عنوان لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم المبارك بعنوان :

الطريق إلى القدس

وكما تعودنا فسوف ينتظم الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان فى العناصر التالية :

أولا : مؤامرة حقيرة قديمة حديثة .

ثانيا : كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة .

ثالثا : نبذ الفرقة وتوحيد الصف وتحقيق معنى الأخوة فى الله .

رابعا : التخلص من الوهن .

خامسا : رفع راية الجهاد فى سبيل الله .

سادسا : الدعاء وصدق الملجأ إلى الله جل وعلا .

وأخيرا : المؤمنون الصادقون لا يعرفون لليأس طريقاً.

فأعيرونى القلوب والأسماع أيها الأحباب فإن هذا اللقاء الآن من الأهمية والخطورة بمكان والله أسأل أن يقر أعيننا وإياكم بتحرير القدس الشريف إنه ولى ذلك والقادر عليه.

مؤامرة حقيرة قديمة حديثة

أيها الأخيار الكرام إن الصراع بين الحق والباطل قديم بقدم الحياة على ظهر هذه الأرض .والأيام دول كما قال الله جل وعلا : وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ولا زال هذا الإسلام العظيم منذ أن بزغ فجره واستفاض نوره لا زال إلى يومنا هذا مستهدفاً من قِبَلِ أعداءه الذين لا يتفقون على شئ قدر اتفاقهم على الكيد للإسلام واستئصال شأفة المسلمين ولا زال التحدي قائماً ، بل وأعلن الأعداء بسفور ووضوح عن مؤامرتهم الحقيرة الرهيبة .

فقبل أربعين سنة وقف رئيس وزراء إسرائيل ( ابن غريون ) في هيئة الأمم بعد أن اعترف العالم كله بالُغِدَّة السرطانية الخبيثة التى تسمى بدولة إسرائيل التي أعلن قيامها فوق الثرى الطاهر والأرض المباركة فوق مسرى الحبيب محمد .

وقف رئيس وزراء هذه الغدة السرطانية المدمرة ليعلن للعالم كله عقيدة اليهود فى فلسطين ، وأتمنى أن تتعلم الأمة هذه العقيدة لتعلم يقينا أن اليهود لا يتكلمون فى مؤتمرات ولا فى مفاوضات إلا من خلال عقيدتهم المبدلة المحرفة المغيرة التى يعتنقونها ويجلونها ، ويحترمونها وهم على الباطل فى الوقت الذى تنكر فيه أهل الحق للحق الذى من أجله خلق الله السموات والأرض !!!

قال رئيس وزراء إسرائيل فى اللحظات الأولى لميلاد دولة إسرائيل قبل أربعين سنة تقريباً :

قد لا يكون لنا فى فلسطين حق من منطلق سياسي أو قانوني ولكن لنا في فلسطين الحق من منطلق وأساس ديني .

فهي أرض الميعاد الذي وعدنا الله وأعطانا الله إياها من النيل إلى الفرات وإنه يجب علي كل يهودي أن يهاجر إلى أرض فلسطين .

وأنه على كل يهودي لا يهاجر اليوم إلى إسرائيل بعد إقامتها أن يعلم أنه مخالف للتوراة وأنه يكفر كل يوم بالدين اليهودي .

ثم قال : لا معنى لفلسطين بدون القدس ، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل بدون فلسطين !!

وحتى تعلموا يقينا أن هذه عقيدة لا تتبدل ولا تتغير بتغير رؤساء الوزراء فهذا ما أصله رئيس وزراء إسرائيل الحالي ( نيتنياهو ) يوم أن نجح في الانتخابات الأخيرة قال : لقد صَوَّت اليهود أخيراً للتوراة !!

ثم قال – فُضَّ فُوه – بمنتهى الوضوح : لا مجال للحديث فى أى مفاوضات عن تقسيم القدس ، فإن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل !!

فالصراع بيننا وبين اليهود ليس صراع أرض وحدود ولكنه صراع عقيدة ووجود .

إن اليهود لم يتنازلوا عن ( اريحا ) إلا لأنهم يقرأون في التوراة المحرفة المبدلة جملة تقول (ملعون من سكنها) فما تنازلوا عنها إلا من أجل عقيدة يعتنقونها ويعتقدونها .. أما القدس فلا ..

مهما طالت المفاوضات ومهما جلسوا على موائد المفاوضات فلن يتخلى اليهود عن القدس أبداً ولا مانع عند اليهود أن يبذلوا من أجلها الدماء والأموال .

قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ[البقرة: 120]

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]

وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:109]

أحبتى فى الله : إن للقدس طريقا واحدا .. لن تصل الأمة إلى القدس إلا من خلاله ولو عاشت الأمة آلاف السنين ..

هذا الطريق وَضَّحَ الله جل وعلا معالمه فى القران العظيم وبين النبي المصطفى حدوده .

لو ظلت الأمة بعيدة عن هذا الدرب وعن هذا الطريق فلم تستطع ولن تستطيع أبداً أن تصل إلى القدس الشريف ، فما هى معالم هذا الطريق وما هي خطواته ؟‍!

أولا : كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة

مستحيلٌ أن يحرر الأقصى جيل لم يعرف الله .

كيف يحرر الأقصى جيل تحدى الله وحادَّ شرع الله وانحرف بعيداً عن منهج الله
جل وعلا ؟!!

عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس وهو يقرأ قرآن ربه جل وعلا أما اليوم فإن الأمة قد نحَّت قرآن الله وتحدَّت شريعة الله .

الفاروق عمر فتح القدس واستلم المفاتيح لأنه جاء وقد أحنى رأسه ذلاَّ لله وتواضعا لله

جاء عمر الفاروق يتلو كتاب الله وينزل من على ظهر الدابة ليركب الخادم مرة وأمير المؤمنين مرة ومرة ثالثة يترك الأمير والخادم الدابة لتستريح !!

بهذه القلوب فتحت القدس ولن تحرر القدس إلا بمثل هذه القلوب التقية النقية الورعة.

وأمام القدس المبارك وعلى ثرى الأرض الطاهر يمر عمر الفاروق بدابته على مخاضة (بركة ماء) فينزل الفاروق من على ظهر الدابة فيلتفت إليه قائد الجيوش أمين الأمة أبو عبيدة ويقول : يا أمير المؤمنين والله ما أحب أن القوم قد استشرفوك ، لا أحب أن يراك القوم وأنت على هذه الحالة .

فقال فاروق الأمة : أوهِ يا أبا عبيدة لو قالها غيرك ، لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالاسلام فمهما ابتغينا العز فى غيره أزلنا الله !! الله أكبر .

وهذا صلاح الدين الذى تحرر قلبه انطلق ليحرر الأقصى الكريم المبارك صلاح الدين الذى سُئل يوماً : لماذا لم تُرى مبتسماً ؟!!

فيقول القائد البطل : والله لن أبتسم والقدس فى أيدى الصليبيين !!!

إنها القلوب التى عرفت ربها جل وعلا وجاءت مزعنة .. منقادة إلى الله ، فذلل الله لها الأرض ، بل وأنزل الله لها الملائكة .

أيها الأخيار الكرام : كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة .

فلن تتوحد كلمة الأمة إلا إذا التقت قلوب أبناءها على كلمة التوحيد .. على كلمة لا إله إلا الله

فإننا ندين لله بأن الخطوة الأولى على طريق تحرير القدس هى العقيدة، تصحيح العقيدة وتصحيح العبادة وتحقيق الشريعة وعودة الأمة إلى الله .

كلمة التوحيد تلزم الأمة أن تصرف العبادة كاملة لله .

كلمة التوحيد تلزم الأمة بأن تحكم شريعة الله .

كلمة التوحيد تلزم الأمة بالموالاة لله ورسوله وأن تتبرأ الأمة من الشرك والمشركين .

كلمة التوحيد تستلزم هذا كله .. أن ترجع الأمة للتوحيد بشموله. فالتوحيد ليس كلمة فحسب بل كلمة باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان .

ففى صحيح مسلم ممن حديث أبى هريرة أنه قال :

(( …. إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))(1) .

قال الحسن البصرى : ليس الايمان بالتمنى ولا بالتحلى ولكن الايمان ما وقر فى القلب وصدقته الأعمال .

فمن قال خيراً قُبِلَ منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه .

لن يحرر القدس إلا رجل العقيدة الذى عرف قدر الله وعظمة الله وامتثل عمليا قول الله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163]

لن يحرر الأقصى إلا رجل العقيدة الذى استقر فى قلبه مفهوم الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين .

لن يحرر الأقصى إلا رجل العقيدة الذى استقر فى قلبه مفهوم البراء من الشرك والمشركين وراح يحول قلبه وواقعه ومنهج حياته قول الله جل وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]

ثانياً : نبذ الفرقة وتوحيد الصف وتحقيق معنى الأخوة .

إن الفرقة شر .. والخلاف هزيمة وضعف .

قال جل وعلا : وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [لأنفال:46]

والله الذى لا إله غيره إن اليهود ما تلاعبوا بالأمة وضربوا الأمة بالنعال على أم رأسها إلا يوم أن علم اليهود أن الأمة مبعثرة وأن الأمة متشرذمة .فالأمة قد تمزقت إلى دويلات ، بل وتفتت الدويلات هى الأخرى إلى دويلات !!!.ودق العدو الفاجر مسماراً قذراً يسمى مسمار الحدود بين الدول الاسلامية والعربية ، ولا تكاد نار الفتنة تهدأ وتخمد على حدٍ بين دولتين إلا ويطرق الأعداء على رأس هذا المسمار بقوة فى مكان آخر لتشتعل النار مرة أخرى بين بلدين مسلمين عربيين . الأمة ممزقة والعدو لا يعترف إلا بالقوى !!

فالعالم لا يحترم الضعفاء .. والفرقة ضعف والاتحاد قوة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى