حاجة فتياتنا للقدوة الصالحة 2019

تعد طريقة التعلم واكتساب السلوك من خلال القدوة من أكثر طرق التعلم تأثيراً وسهولة،
فالنفس بطبيعتها تميل للتقليد ،ويزيد هذا الميل في مرحلة المراهقة ،
وقد تصل إلى مرحلة يطلق عليها بعض علماء النفس “تقديس الأبطال”
والتقديس لله وحده عز وجل،ولكنها إشارة إلى قوة تأثير القدوة في هذه المرحلة.

والقدوة نوعين يوضحهما لنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
(‏مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ ‏ ‏الْكِيرِ ‏ ‏فَحَامِلُ الْمِسْكِ
إِمَّا أَنْ ‏ ‏يُحْذِيَكَ ‏ ‏وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً
وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه البخاري.
فهي إما أن تكون قدوة حسنة صالحة يكتسب الفرد من خلالها قيم ومثل عليا ،
وتسمو به في درجات الدين والخلق والطبع،
وإما أن تكون قدوة فاسدة تهوي بالقيم والمبادئ في دركات المفاسد والخطايا .
وغياب إحداهما يفرض الأخذ بالأخرى والتماثل معها.
وبالنظر إلى واقع فتياتنا المعاصر وما يجدنه من ضعف قنوات الاتصال وتكالب التحديات (داخلية _ وخارجية )عليهن ،
نجد أنهن بحاجة ماسة للقدوة المسلمة.

لماذا القدوة المسلمة الآن؟

إذا كانت القدوة المسلمة حاجة ماسة لكل عصر وزمان، فإن الحاجة إليها في عصرنا الحاضر أصبحت أكثر إلحاحاً؛ لما تعانيه المجتمعات المسلمة من هجمة شرسة على المرأة المسلمة خارجياً وداخلياً، فعلى المستوى الخارجي هناك مؤتمرات المرأة والسكان، ومواثيق التمييز ضد المرأة ودعاوى المساواة بين المرأة والرجل…وجميعها ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

وعلى المستوى الداخلي هناك دعاة التغريب والعلمنة وهؤلاء يسعون بخطى دؤوبة لتصوير وقائع المرأة المسلمة بأنه واقع مأساوي محزن، فهي متخلفة عن ركب الحضارة ..بائسة ..مقهورة…لماذا..!!؟..
لأنها الوحيدة في العالم التي لا يسمح لها بتقليد الغرب علناً .!!!

ويزيد من قوة تأثير هذه الدعاوى أمرين خطيرين :

** ضعف البناء العقدي لبعض فتياتنا، وعدم وعي بعض الأسر المسلمة بأهمية تكوين قاعدة ثقافية إسلامية لدى الفتاة المسلمة تمكنها من الثقة في عقيدتها ومنهجها،والمدافعة والوقوف في وجه مثل هذه التيارات.

** غياب المرأة المسلمة القدوة عن ساحة الإعلام أو الظهور بصفة عامة،ولا نعني بذلك أن تظهر المرأة المسلمة في وسائل الإعلام ،وتختلط بمحافل الرجال،ولكن نقصد أن جهود وإنجازات المرأة المسلمة _في الماضي والحاضر_ هي شبه مغيبة عن حاضر فتياتنا، و يقابله تشويه متعمد لصورة المرأة المسلمة، كما يقابل ذلك كم هائل من الغثائية الأنثوية التي لا تمثل قيم ومبادئ ديننا الحنيف بصورة صحيحة،

في حين أن جهود وإنجازات المرأة الغربية هي محط الأنظار والمتابعة بصورة دائمة، فهذه قد أصبحت وزيرة ..ورئيسة دولة..وشاركت في الجيش..وقيادة الطائرات …إلخ.

ومن هنا تظهر لنا حاجة فتياتنا للقدوة المسلمة، وأن تفرض هذه القدوة وجودها على الساحة، إنجازاً وفكراً، بشكل يظهر لفتياتنا قوة المنهج الإسلامي وعزة المرأة المسلمة داخل إطار هذا المنهج، ويأخذ بيدهن إلى برّ الأمان، والقيم والمبادئ الإسلامية الخالصة المستقاة من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ..

فما السبيل لذلك..؟

** نحن بحاجة للقدوة المسلمة في محيط فتياتنا في المنزل..والمدرسة..وحلقات تحفيظ القرآن..وأن تتصف هذه القدوة بأنها إسلامية المنهج عصرانية الحياة، قادرة على التأثير في سلوك وتوجه فتياتنا، وأهم من ذلك أن تتمكن من تحقيق الإشباع والاحتواء العاطفي للفتيات من خلال فهم النفسيات وتقدير خصائص المراحل العمرية، والرفق واللين, وأن يكون شعارها نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران/159.

** نحن بحاجة لمتابعة حية ومستمرة لإنجازات المرأة المسلمة في شتى المجالات، فتلتزم وسائل الإعلام أولاً بدورها التربوي والتوعوي في عرض ومتابعة هذه الانجازات العلمية والأدبية والدعوية والتثقيفية …وغير ذلك، فيتم الإعلان عن صدور الكتب، وتحقيق الانجازات والجوائز، ومواعيد المحاضرات والدورات…، ثم تلتزم المحاضن التربوية الأخرى بالمتابعة، فتُحضر الأسرة للفتاة الإنتاج العلمي والأدبي للمرأة المسلمة، وتحرص على حضورها للمحاضرات والندوات، وتحرص المدرسة كذلك على المتابعة، واستضافة النماذج المشرقة.

** يحتوي التاريخ الإسلامي على إنجازات ومساهمات عظيمة للمرأة المسلمة في شتى المجالات، وهذا الكم الهائل من الانجازات, وبكل أسف, يعتبر شبه مهمش ضمن أدبيات المرأة المسلمة المعاصرة، فهناك شخصيات مسلمة أثبتت وجودها في المجال العلمي كالسيدة فاطمة بنت محمد علي البغدادية عالمة الحديث التي أخذ عنها الفقيه عبد الله بن أحمد المعروف بابن قدامة، والسيدة نفيسة التي يروى أن الإمام الشافعي لما دخل مصر حضر إليها وسمع منها الحديث .. وغيرهن، ففتياتنا بحاجة للتعرف على هذا الميراث العظيم الذي يثبت تقدير الإسلام للمرأة في شتى الأصعدة، ويمثل في ذات الوقت قدوات صالحة لهن.

** ربط القدوة بجانب الموهبة والابتكار لدى الفتاة، فالكثير من فتياتنا يتمتعن بمواهب وقدرة على الابتكار في مجالات شتى، ونحن بحاجة لأن ترتبط هذه الموهبة بقدوة مسلمة تستثمرها وتوجهها التوجيه السليم، وواجب المجتمع أن يحرص على توافر هذه القدوة المعاصرة، كما أن التاريخ الإسلامي ذاخر بمثل هؤلاء، .

** نحن بحاجة لأن تسعى المحاضن التربوية لإخراج القدوة الصغيرة لفتياتنا، فبما أن تماثل الخصائص أكثر قدرة على التأثير؛ فإن إيجاد قدوة للفتيات من بينهن أمر يستحق التخطيط له والحرص عليه، ليصبح لدينا قدوة صغيرة في السن في مجال الدعوة، والتوجيه، وفي المجال العلمي والأدبي.. ويمكن لذلك أن يتحقق من خلال تشجيع وتكريم ذوات الموهبة والقدرة على الانجاز، فالتعزيز الايجابي والتكريم يجعل منهن قدوة تسعى الأخريات للاحتذاء بها .

وبصفة عامة نحن بحاجة لأن تتكاتف مؤسسات المجتمع التربوية والدعوية لتكوين القدوة الصالحة للفتاة المسلمة، فكما تسعى هذه المؤسسات مأجورة للوقوف في وجه تيار الغزو العقدي والفكري الموجه للمرأة المسلمة والتصدي له، فإن لها دور لا يقل أهمية في صناعة القدوة المسلمة وإظهارها على الساحة بصورتها المشرقة والمؤثرة، فإذا ما أخذت هذه دورها القيادي البارز استغنت الفتاة المسلمة عن غيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى