توالت النِّعَم ولَكِن!.. بقلم عبد اللطيف البوني

السودان اليوم:

(1)
من نعم الله التي لا تُحصى، الخَريف الناجح الذي يُغَاث النّاس فيه غَيثاً نَافعاً.. ويقول العلماء الغيث غير المطر، فالغيث فيه النفع فقط، أما المطر فيحتمل النقمة وهذه مسألة أُخرى.. فالمولى عز وجل أغاثنا هذا العَام غيثاً نافعاً وتوالت نعمته علينا أن أعقب الشتاء الخريف دُون فاصلٍ يُذكر، فتوالى هُطُول الغَيث حتى مطلع أكتوبر ثُمّ كانت بقية أكتوبر ونوفمبر دُون ارتفاعٍ يُذكر في درجات الحَرارة، وها هو ديسمبر تنخفض فيه درجات الحرارة بصُورةٍ كبيرةٍ.
ففي لحظة كتابة هذا المقال يَعم بردٌ قارسٌ وسط وشمال السودان (القديم) أي كل السُّودان المُتبقي، فاقتران الخريف والشتاء في ثقافتنا التقليدية من علامات السِّعد وهو بالفعل كذلك لأنّ الطقس المُعتدل يفيد الزرع والضرع لا بل جسم الإنسان هذا بلغة الجُغرافيا، أمّا بلغة الاقتصاد فيعني مواسم زراعيّة ناجحة وإن شئت لغة الزراعة، فقل عروة صيفية ناجحة تعقبها عروة شتوية ناجحة هذا إذا توفّرت المقومات الأخرى المُرتبطة بالتدبير البشري عليه.
ولكل الذي تقدّم، يُمكننا القول إنّ هذا الموسم (2018 – 2019) مُوسمٌ استثنائيٌّ لم يشهد السودان له مثيلاً على الأقل في العقد الأخير وربما في العقديْن الأخيريْن.
(2)
أهَـا تَعال شُوف المُفارقة، ففي هذا المُوسم الذي سَخت فيه الطبيعة علينا بإذن الله تعالى سخاءً كبيراً وعظيماً، شهدنا مُعاناة حياتية لم نشهد لها مثيلاً في العقد الأخير وربما في العقديْن الأخيريْن.
ففي اليوم الذي يكتب فيه هذا المقال، أزمة الوقود بمُكوِّناته كَافّة من جازولين وبنزين وغاز لم تُغادرنا بعد، بينما استفحلت أزمة الخُبز التي ظَلّت تعلو وتَهبط لشهورٍ هذا في العاصمة، أما الأقاليم فأزمة الوقود مازالت مُستفحلة.. أما السيولة وقيمة الجنيه السوداني فسوء الحالة لم يشهد السودان لها مثيلاً من قبل، فماذا نقول في هذه المُفارقة غيث نافع وشتاء مُبشِّر وزرع ناضر وضرع مُمتلئ وصفوفٌ مُتراصّةٌ تبحث عن القُوت والوقود و(الفَكّة) وأرضٌ خضراءٌ تضحك وتسعد (كل الشافا) وإنسان يبكي بالدمع الهتون!! القطن إنتاجية عالية، والسمسم إنتاجية عالية، والذرة إنتاجية عالية، وكذا الدخن وزهرة الشمس وكمان في فول صويا وكركدى وتسالي ومع ذلك تتوقّف بواخر النفط في ميناء بورتسودان دُون أن تفرغ حُمُولتها في انتظار الدفع فـ(الدفع قبل الكَب) لانعدام الثقة!!
(3)
قَد يَقُول قائلٌ، إنّ المُعاناة هذا العام عبارة عن امتدادٍ للمُعاناة في الأعوام السابقة، فالعملية عملية تراكمية وفي هذا بعض المنطق، ولكن المنطق يقول إنّ مُعطيات هذا العام لن تَسمح بتلك المُعاناة أن تصل قِمّتها الحَاليّة، فهذا العام بكل المقاييس كان يُفترض أن يكون عام رخاء نسبي ولن نقول إنهاء المُعاناة أو حَتّى تَخفيفها ولكن ليس من المنطق أن تزداد أبداً.. فأين يكمن اللغز؟ ما هو السّبب؟ هل نسأل العنبة الرامية في بيت ناس الحلنقي؟ الطبيعة ما قصّرت فأبحثوا في الإنسان.. الإنسان الذي يُجيد (الحفر) و(الدّفن)، ولذات الحلنقي جُملةٌ غنائيةٌ بليغةٌ تقول (حسرة سنيني الفاتت ما ترحم الجايات…)!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى