بحث عن دور هزيمة 67 في إدخال البغاء الى السينما , بحث علمى عن دور هزيمة 67 في إدخال البغاء الى السينما

أيهما البغي؟ من يتاجر بالجسد أم من يتاجر بالأفكار؟

هذا السؤال الذي طرحته السينما المصرية في تناولها لقضية البغاء منذ ظهور أول فيلم ناقش هذه القضية فيلم ( ليلى ) إخراج توجومز راحي 1942 م والمأخوذ عن قصة غادة الكامليا هذا ما يرصده المخرج د . خالد بهجت في كتابه الصادر حديثا في السينما المصرية مستعرضا تاريخ البغاء في مصر منذ كان فعلا مقدسا يمارس في المعبد ومرورا بتقنينه بعد دخول الإسلام وفترات انتشاره والتي ترتبط عادة بوجود احتلال مثلما انتشر في مصر في العصر العثماني وأثناء الحملة الفرنسية ثم الاحتلال الإنجليزي ثم صدور مرسوم بإلغائه رسميا عام 1947 م.

ولكن كيف تناولت السينما هذه القضية الشائكة؟ يقول د . خالد بهجت في كتابه إن شخصية العاهرة كانت دائما ذات جاذبية خاصة لصناع السينما لكن دونما الغوص في أعماقها وإبعادها الحقيقية وبصفة عامة يرى إن السينما المصرية متخلفة عن إيقاع مجتمعها واقفة عند نوع من البهلوانيات الفنية على حبال سيرك من الأفكار تتأرجح في كل اتجاه ماعدا الاتجاه الحقيقي الذي كان يجب إن تلتزم به في مجتمع تبلغ نسبة أميته درجة عالية.

ويأتي الفصل الأول تحت عنوان البغاء بين الواقع والسينما المصرية وإعادة بناء الوقائع فيؤكد انه كان طبيعيا إن تعالج السينما ظاهرة البغاء وكان الأمل إن تسهم بدور مؤثر في مواجهة هذا الانحراف لتجيب على أسئلة جديدة ولكن هذا لم يحدث فقط امتلأت معظم الأفلام في هذا
الموضوع (البغاء) بحشد من المشاهد الجنسية بقدر ما خاضت بمشاهد الرقص والغناء والاستعراض، وهي العناصر التي استخدمتها السينما لتغيب الوعي وإثارة غرائز المتفرج ، إذ ما يهم ضاع الفيلم هو شباك التذاكر.

والغريب كما يرصد د . خالد بهجت إن الرؤية السينمائية تزداد جرأة والأغرب هو موقف الرقابة والتساهل الذي نظن انه كان نتيجة لواقع معين فرض على الرقابة قدرا من التسامح حتى يستلب الشعب في الجنس وخاصة بعد هزيمة 67 وجاء نموذج العاهرة في معظم الأفلام السنيمائية أنها ” بغي ” تحمل مثلا عليا وقيما إنسانية بل وشرفا أكثر من غيرها ممن يدعون الشرف من الطبقات الأعلى منهن اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا ، وغالبا ما تنتهي الأفلام بموت العاهرة الضحية المضحية مما يعلى من قيمتها الإنسانية ، وقد انحصرت الدوافع التي تضطر البطلة إلى طريق الانحراف هي العوامل الاقتصادية والاجتماعية ولم يهتم فيلم واحد بالدوافع النفسية باستثناء فيلم ” بئر الحرمان” وان كان لم يهتم بالبناء العلمي لدراسة مثل هذه الحالة ، ويفسر د. خالد بهجت لماذا ترجع جميع الأفلام تتناول قضية البغاء إلى قبل ثورة يوليو 1952 حتى التي تمت صناعتها في الثمانينات باستثناء ( حمام الملاطيلي ) فكان بعد نكسة 1967.

لم تقتصر صورة البغي على تلك الفتاة الفقيرة المسكينة فظهرت بغايا من طبقات برجوازية أو لهن أحلام من الثراء ، ربطت معظم هذه الأفلام بين الجنس والفساد بعامة وبالحالة العامة التي تعيشها مصر بعد هزيمة 1967 وهما تحديدا ” ثرثرة فوق النيل ” “وحمام الملاطيلي ” وأظهرت هذه الأفلام إن السقوط ليس خطيئة فرد فحسب بل هو نتاج لمجتمع كله فاسد وساقط.

يعتبر المخرج حسين كمال حتى عام 1985 فترة انتهاء الدراسة التي بين أيدينا هو أكثر من قدم أفلاما بها شخصيات العاهرات أو تتحول إلى عاهرات في ستة أفلام منهم أفلام غنائية واستعراضية ، يليه المخرج حسن الإمام ، وهنري بركات ، وبالطبع ليس غريبا إن تحقق هذه الأفلام أعلى الإيرادات في مواسم عرضها ، ويرى د. بهجت إن هذا يتسق تماما مع بنية السينما المصرية والجمهور الذي أدمنها ويتهم د. خالد السينما ذاتها بأنها لعبت دورا أساسيا تبغي تقدم نفسها بكل عناصر الإغواء والأغراء وكانت مغيبة للوعي بالقضايا الأساسية للمجتمع الذي كان في أمس الحاجة إلى رسالتها.

وباستعراض أهم الأفلام التي تناولت هذه القضية يأتي فيلم ليلى إخراج توجومزراحي 1942 فيرى د . خالد إن الفيلم لم يناقش الأسباب التي أدت بليلي إلى الخطيئة وأنصب الاهتمام على ديكورات الباذخة والحفلات الصاخبة والألفاظ الأجنبية والإغراق في الطبيعة الميلودرامية وهذه العناصر لتغيب الوعي ولم تناقش أي من إبعادها ثم فيلم “البؤساء ” 1943 عن رواية فيكتور هوجو ولم يختلف كثيرا في تناوله بهذه القضية الحساسة فاستمر تكرار شخصية البغي بما تقدمه من سلعة متدنية تجدب نقود العملاء من خلال قوادين هم ( المنتجون ) الذين يسعون للربح ولا شيء غيره خاصة في ظل رفع شعار الجمهور عاوز كده.

وتتوالى الأفلام النمطية المكررة لنفس النموذج بنفس التفاصيل ، فيقدم حسين فوزي فيلم “عزيزة” 1954 واحمد بدرخان بفيلم “عهد الهوا” 1955 ، “والجسد” إخراج حسن الإمام 1956 ويختلف ما قدمه صلاح أبو سيف في فيلم ” شباب امرأة ” فيصبح البغي رجل وليس امرأة ، وتعود التيمة مجددا عام 1957 بفيلم لحسام الدين مصطفى “حياة غانية” ثم “وكر الملذات” لحسن الإمام ، “طريق الأمل” عز الدين ذو الفقار ويدخل إلى الحلبة يوسف شاهين عام 1959 بفيلم “حب إلى الأبد” والذي تبرز فيه البغي باعتبارها نموذجا أفضل خلقا من رجل الأعمال المرشح لدخول البرلمان ، ويرصد المؤلف د. خالد بهجت أفلام أخرى مثل “بداية ونهاية” “اللص والكلاب” زقاق المدق “شفيقة القبطية” “بين القصرين” “الراهبة” القاهرة 30 “قصر الشوق”السمان والخريف “البوسطجي” أبي فوق الشجرة ” بئر الحرمان “دلال المصرية ” نحن لا نزرع الشوك “اختى” الخيط الرفيع ” ثرثرة فوق النيل” الذي يتوقف عنده المؤلف فيرى تطور في نوعية البغي فهي أنيقة ذات مستوى راق في ملابسها وعطورها تتشابه مع عاهرة فيلم “انف وثلاث عيون” وعاهرات الطبقة البرجوازية في فيلم ” دمي ودموعي وابتساماتي ” والذي جاء نسخة كربونية من فيلم “امرأة سيئة السمعة” وبعد هذا الاستعراض يهاجم د. خالد بهجت السينما المصرية التي تخلت عن رسالتها فأصبحت سينما سيئة السمعة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى