الزواج العرفى, خطبة عن الزواج العرفى , الشيخ محمد حسان

أحبتي في الله :

نتحدث اليوم عن ظاهرة خطيرة تنتشر في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم فإنه لا ينبغي أن يكون العلماء بموضوعاتهم وأطروحاتهم في جانب وأن تكون الأمة وأن يكون المجتمع بمشاكله وهمومه في جانب أخر .. نحن اليوم على موعد مع هذه الظاهرة التي تسمى بـ (( الزواج العرفي )) وكما تعودت حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الخطير في العناصر التالية :

أولاً : الزواج آية ربانية ، وسنة نبوية ، ومملكة إيمانية .

ثانياً : الزواج السري باطل .. شرعاً وعرفاً .

ثالثاً : الضحايا يعترفون .. والمأساة مروعة !!

رابعاً : هذه هي الأسباب .. وهذا هو العلاج .

وأخيراً : فهل من توبة ؟!!

فأعيروني القلوب والأسماع ، والله أسأل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ

أولاً : الزواج آيه ربانية ، وسنة نبوية ، ومملكة إيمانية :

أحبتي الكرام : إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها ، وإنما ينظمها ، ويرفعها عن المستوى الحيواني و البهيمي .. وهذا هو الذي يليق بالإنسان الذي كرمه الله عز وجل .

قال تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [ الإسراء: 70].

فالزواج آية من آيات الله ، وسنة من رسول الله ، والإسلام يقيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس من المشاعر الطاهرة الرقيقة التي تبنى على السكن النفسي والبدني والمودة والرحمة . قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] .

أما بيت الزوجية فمملكة إيمانية . الزوج ملكها ، وربانها ، والمسير لأمورها و شؤونها ، بما جعل الله له من قوامة في قوله تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْوالزوجة هي الأخرى ملكة متوجة في هذه المملكة الإيمانية لأنها شريكة الحياة ورفيقة الدرب وقرة العين ، أما الرعية في هذه المملكة الطيبة بين هذين الملكين الكريمين ، فهم ثمرة الفؤاد .. ولب الكبد .. وزهرة الحياة الدنيا .. هم الأولاد قال تعالى : المالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .

هذه المملكة إن ظلل سماءها منهج رب البرية .. و سيد البشرية ، وروى نبتها بماء الإخلاص والمودة والرحمة الندية ، أتت ثمارها كل صبح وعشية .. وأينعت في أرضها زهرات الحب ، والوفاء ، والإخلاص ، الأخلاق العلية .

وهذا هو السبيل الشرعي الوحيد الذي يضمن للمرأة حقوقها ، وكرامتها ويضمن للأولاد حقوقهم ، وكرامتهم ، في المجتمع الإسلامي ، لأن الزوج في هذا الزواج الشرعي مسئول مسئولية كاملة عن زوجته وأولاده في الدنيا والآخرة لقوله تعالى :

لينفقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق: 7]

ولقول الله تعالى : يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]

ولقول النبي كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري و مسلم من حديث ابن عمر ((كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ .. وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِىْ أَهْلهِِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))(1) . ولقول النبي كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله (( … اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ)) ثم قال المصطفى ((‏وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))(2) .

هذا هو الزواج الشرعي الذي عرفه المسلمون منذ زمن الوحي إلي أن صرنا إلي هذا الزمان الذي يموج بالفتن ، فتن الشهوات والشبهات .. إلى أن صرنا إلى هذا الزمان الذى اختلت فيه المقاييس الصحيحة للحلال والحرام !! وتجرأ فيه كثير من الناس على محارم الله جل وعلا وعلى حدود !! ‍‍ورأينا ظاهرة جديدة تنتشر الآن في المجتمع انتشار النار في الهشيم ، تلك الظاهرة التي تسمى بالزواج العرفي وهو عنصرنا الثاني من عناصر هذا اللقاء.

الزواج السري الذي يطلقون عليه ((العرفي)) باطل شرعاً وعرفاً فأعيروني القلوب والأسماع جيداً ، لأن هذا العنصر هو لب الموضوع وأساسه ونظراً لأهميته وخطورته فسوف أركز الحديث فيه على ثلاثة محاور .

المحور الأول : صورة الزواج العرفي القائم

المحور الثاني : بطلانه عرفاً .

المحور الثالث : بطلانه شرعاً .

أولاً : صورة الزواج العرفي القائم :

تتلخص في التقاء الرجال بالنساء أو الشباب بالفتيات في العمل أو المدارس والجامعات ، فيترصد الشاب لفتاة مستهترة !! وهذه الفتاة يعرفها الشباب جيداً ، وذلك من خلال شعرها المكشوف ، وثوبها الضيق أو العاري الذي يظهر كل فتنة مخبوءة في جسدها ، يعرفها الشباب من خلال عطرها الأخاذ وبرفانها العاصف وحركاتها المثيرة وكلماتها المؤثرة وإلا فأنا أتحدى أن يترصد شاب مستهتر لفتاة تجلببت بجلباب الحياء والعفة والمروءة والطهر والشرف ، يترصد الشاب بفتاة مستهترة – من هذا النوع الذي ذكرت – ويلهب مشاعرها وأحاسيسها بكلمات الحب ، والعشق ، والغرام التي حفظها من كتب الأدب المكشوف ، أو من المسلسلات والأفلام ، ويقسم لها الشاب بالتوراة والإنجيل والقرآن أنه يحبها حباً قد أحرق فؤاده ، وأنه لا يصير على فراقها في لحظة من ليل أو نهار ، ومن ثَمَّ فهو يريد أن يتزوج بها ولكن – ولكن ماذا ؟!! ولكن الظروف لا تسمح الآن !! من هنا يحاول الشاب أن يقنع الفتاة أن يتزوجها سراً !! يعني بدون علم الولي ، يعني بدون علم والد الفتاة المسكين ، الذي يربي و ينفق ، ثم تتزوج ابنته زواجاً باطلاً من غير أن يدري المسكين عن هذا الزواج شيئاً .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!!

يأتي هذا الشاب ليكمل فصول خديعته ، وخيانته الكبرى ، فيأتي بورقة ويُشهد عليها زميلين من زملائه المقربين ، ممن يعرفون علاقته المحرمة والمشبوهة ، يُشهد هذا الشاب زميليه على هذا العقد العرفي الباطل ليكون هو بدوره شاهداً لواحد منهما على عقد عرفي باطل جديد .

وأقول لكم أيها الأحبة : إن أي عقد زواج يباركه الولي – يعني والد الفتاة أو وليها – ويشهد عليه الشهود ويعلن للمجتمع الإسلامي فهو عقد شرعي صحيح وإن لم يوثق في وثيقة زواج رسمية عند مأذون شرعي ، وأي عقد زواج لا يباركه الولي وبدون إعلان وشهود فهو باطل وإن سجل في وثيقة زواج رسمية عند مأذون شرعي ، لأن وثيقة الزواج الرسمية ليست شرطاً في صحة العقد إنما هي من باب المصالح المرسلة التي يضمن من خلالها حقوق النساء في زمن خربت فيه الذمم ، وقل فيه أهل الأمانة !!

أما المحور الثاني : و هو سؤال مهم : هل يُقر عُرف الناس ذلك ؟!

الجواب : لا ورب الكعبة ، بل العرف يبطله ، لأن العرف عند علماء الأصول : هو ما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم ، وقد يقر الشرع عرفاً ، وقد لا يقر الشرع عرفاً ، بمعنى أن الشرع المطهر قد يحكم على عرف من أعراف الناس بالجواز ، وقد يحكم على عرف من أعراف الناس بالبطلان ، فالشرع قد يقر عرفاً وقد يبطل عرفاً آخر .

أما العرف المعتبر شرعاً : هو العرف الذي لا يخالف نصاً شرعياً أو قاعدة من قواعد الشريعة ، هذا هو العرف المعتبر في ميزان الشرع .

والسؤال : ائتوني برجل مسلم عاقل على وجه الأرض – لا في مصر بل في بلد أوروبي – يقول بأن المسلمين منذ زمن الوحي إلي هذا الزمان قد تعارفوا في تزويجهم لأبنائهم وبناتهم على هذه الصورة السرية الخبيثة !!

بمعنى أن تزوج البنت نفسها بدون إذن وليها وأن ينطلق الشاب أو الفتى ليتزوج بأي فتاة بدون علم الوالد أو بدون علم الأسرة .. هل تعارف الناس على هذه الزيجة الخبيثة والعلاقة المحرمة ؟!! التي تقوم على أساس من الغش والنفاق والخداع والخيانة ؟! خيانة من شاب وفتاة ، من شاب خان أسرته وأهله ومجتمعه بعد أن خان الله ورسوله ، ومن فتاة خانت أسرتها ومجتمعها بعد أن خانت الله ورسوله وإن توهم أحد من الشباب أنه قد تزوج زواجاً شرعياً صحيحاً ، فأنا أساله – وأرجو أن يصدق في الجواب -: إن كنت تعتقد أنك تزوجت زواجاً شرعياً صحيحاً فلماذا أخفيته عن أهلك ؟! وعن أقرب الناس إليك ؟!! فالحلال لا يعرف السرية ولا يخشى الظهور .

ثم .. لماذا تتلصص و تبحث عن مكان خفي لا يراك فيه أحد من الناس لتخلو بفتاة أو بزميلة في الجامعة في شقة مفروشة أو في غرفة فندق مظلمة لتزني بدعوى الزواج ؟.

ثم .. ألا تشعر بالخيانة والنفاق والخداع وأنت تأخذ المصروف من والدك كل صباح بحجة الذهاب إلي الجامعة و أنت ذاهب إلي شقة مفروشة أو غرفة مظلمة لتمارس الدعارة

والزنى بدعوى الزواج ؟! ثم .. هل تقبل أنت أن يأخذ زميلك في الجامعة أختك إلي نفس الشقة المفروشة ليزنى بها بدعوى أنها زوجته وأنت وأسرتك لا تعلمون عن هذا الزواج شيئاً ؟!!

ثم .. هل تقبل بعد ذلك أن تخرج أبنتك أنت إلي الجامعة لترجع إليك بجنين في أحشائها بدعوى أنها تزوجت بزميلها في الجامعة ؟!! وأنت في البيت لا تعلم عن ذلك شيئاً ؟!

اصـدق في الجواب .. وتذكر قول الله تعالى : بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة : 14 – 15] ولا تنس قول الله تعالى : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء : 47]. وردد دوماً قول القائل :

يا هاتكاً حرم الرجال و تابعاً
من يزني في قوم بألف درهم
إن الزنى دين إذا استقرضته

طرق الفساد فأنت غير مكرم
في قومه يزنى بربع الدرهم
كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم

أأنت تباهي بالزنا فرحاً ؟ أأنت تعبث بالأعراض تيهاً ؟

فقال : بل ذاك شرعاً صار متبعاً كم تاه غيري به قبلي و كم باها !!

فقلنا : ألست تخاف الله منتقماً ؟! فقال في كبر : لا أعرف الله !!

ويح الشباب إذا الشيطان نازعهم على العقول فأوهاها وألغاها !!

قد علمتهم أفانين الخنا و سائل غشى بصائرها زيغ وأعماها !!

ومطربة ومطرب في المذياع لقنهم ألحان فحش وزكاها وغناها !!

ووالد غافل لا هي ومدرسة نظامها من نظام الدين أقصاها !!

لو أن لي قوة في أمتي ويداً ألزمت حواء مثواها ومأواها !!

كان لها بيت عزاً .. كان لها بيت ملكاً .. فيه ترى السلطان و الجاه

فقوضت بيدها عرشها وغدت رعية وذئاب الأرض ترعاها !!

هذه الحضارة دين لا أدين به إني كفرت بمعناها ومبناها !!

لا يقر عرف العقلاء ولا عرف المسلمين ذلك ، ولم يعرف المسلمين هذه العلاقة المحرمة الخبيثة من زمن الوحي إلي أن صرنا في زمن الفتن . الشهوات والشبهات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

والسؤال الثالث : هل يقر شرع الله ذلك ؟.

والجواب : لا ورب الكعبة ، بل شرع الله يبطل هذا الزواج الخبيث وهذه العلاقة المشئومة ، فعقد الزواج في الإسلام ميثاق له قدسية كبيرة عند الله تعالى وعند رسول الله .
فعلى الزوجين أن يستمتع كل منهما بالآخر – على الوجه الذي شرعه الله – إلا بالقبول ، والإيجاب ، والإعلان ، والولي ، والمهر ، والشهود .

أما القبول و الإيجاب : فهما ركنان لا يصح العقد إلا بهما ، وهي صيغة العقد المعروفة ، ومذهب جمهور العلماء أن العقد يصح بأي لفظ يدل على ذلك .
أما الشروط : فأول شرط من شروط صحة العقد : الولي إذ لا يصح أي عقد في أي أرض ، وتحت أي سماء ، ولأي ظرف من الظروف ، إلا بهذا الشرط وهو شرط الولي . والولي هو والد الفتاة أو من يزوجها إذا توفى أبوها أو إن غاب . وليها من أهلها . قال تعالى : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة : 232].

قال الشافعي – رحمة الله – وهذه الآية هي أبين ما في القرآن كله على أنه لا نكاح إلا بولي ، وستعجبون إذا علمتم سبب نزول الآية ، فلقد نزلت في حق معقل بن يسار فلقد زوج معقل أخته لرجل من المسلمين وأحسن إليه معقل وأكرمه ، وبعد فترة طلق هذا الرجل أخت معقل ، فلما انقضت عدتها جاء الرجل مرة أخرى ليرد المرأة ، فقال له معقل بن يسار : زوجتك وأفرشتك ، أكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ، والله لا تعود إليك أبداً ، وكان رجلاً لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فنزل قول الله تعالى علي النبي المصطفى وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أي : فلا تمنعوهن ، فالعضل في اللغة هو : المنع والتضييق والتعسير ، فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ، فلما سمع معقل بن يسار الآية ، قال : الآن أفعل يا رسول الله ، وفي لفظ سمعاً وطاعة الآن أفعل يا رسول الله .. فأعادها إليه بمهر جديد فأنكحها إياه .

استدل جمهور المفسرين بهذه الأية على أنه لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها أو أن تزوج غيرها ولو كانت ثيباً – لأن أخت معقل بن يسار لم تكن بكراً وإنما كانت ثيباً ، ومع ذلك قال الله لوليها ، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ – إذا لو لم يكن لعضل الولي معنى ما أمر الله ولي المرأة أن يردها إلي الرجل مرة أخرى .

قال تعالى : وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور : 32 ]. وانكحوا خطاب من الله لأولياء المرأة واستدل جمهور المفسرين والإمام البخاري بهذه الآية على أنه لا نكاح ألا بولي ، لأن الخطاب من الرب العلي لأولياء المرأة .

وقال تعالى : فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ وكيف تتزوج البنت بدون إذن الولي ؟! بدون إذن الوالد وبدون علم الأسرة ؟! هذا تشريع الله الحكيم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .

وقال تعالى : وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ وهذه الآية أيضاً خطاب من الله لأولياء المرأة فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها أو غيرها ، وهذا قول جمهور المفسرين الذين فسروا هذه الآيات الكريمات ، وتأتي السنة – على صاحبها أفضل الصلاة والسلام – لتأكد تأكيداً لا لبس فيه ، ولا غموض .. بل ولا تأويل ، لتأكد أنه لا زواج إلا بولي قال المصطفى في الحديث الذي رواه أحمد ، و أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والبيهقي ، والدارقطني ، والبغوي ، والطبراني ، والحاكم من حديث أبو موسى الأشعري أن الحبيب النبي قال : ((لَا نِكَاحَ إِلَّا ‏ ‏بِوَلِيٍّ))(1)وفي رواية ((لَا نِكَاحَ إِلَّا ‏بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ ‏‏وَلِيُّ ‏‏مَنْ لَا ‏‏وَلِيَّ ‏لَهُ)) في الحديث الصحيح الصريح الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والبيهقي ، والبغوى ، وابن حبان ، والدارقطني ، والطبراني والحاكم من حديث السيدة عائشة أن النبي قال ((‏أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ ‏ ‏مَوَالِيهَا ‏ ‏فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، ‏فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، ‏فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ))(1).

ماذا تريدون بعد ذلك يا من توحدون الله ؟ و يا من تثقون و تقصدون رسول الله ؟. ورسول الله هو المشرع في هذه الأمة .

وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه ، والبيهقي ، والطبراني من حديث أبي هريرة أنه قال ((لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا))(2). قال أبو هريرة : الزانية هي التي تزوج نفسها ، وقال ابن عباس : البغي هي التي تزوج نفسها .

وقد يحتج علينا – من باب الأمانة العلمية في طرح الموضوع – بحديث للنبي قال وبقول لأبى حنيفة ، أما الحديث فصحيح رواه مسلم ، وأبو داود ، والترمذى من حديث أبى هريرة أن النبى ((الثَّيِّبُ ‏أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ ‏‏وَلِيِّهَا ‏‏وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذَنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا))(3) والحديث لا يعكر على كلامنا ، فالمراد بالحديث – كما قال جمهور أهل العلم -: أنه لا يجوز لولي المرأة الثيب أن يزوجها رغماً عنها ، بل لا يجوز له أن يزوجها ألا بأمرها و رضاها ، فإن زوَّجها رغماً عنها فلها أن تفسخ النكاح عند ولي الأمر أو من ينوب عنه ، واستدل العلماء على ذلك بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري ، وأحمد من حديث خنساء بنت خدام أن أباها زوجها وكانت ثيباً ، فكرهت المرأة ذلك وذهبت للنبي فاشتكت له فرد النبي نكاح والدها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى