الخيرة هي فيما اختاره الله 2019

يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: (والذي نفسي بيده ، لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له ، إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له ، وليس ذلك لأحد غير المؤمن).

و قال ابن القيم رحمه الله: (لو كشف الله الغطاء لعبده.. وأظهر له كيف يدبر الله له أموره.. وكيف أن الله أكثر حرصاً على مصلحة العبد من العبد نفسه.. وأنه أرحم به من أمه.. لذاب قلب العبد محبة لله ولتقطع قلبه شكراً لله).

_______________________

الإنسان بطبعه – نظراً لقِصَرِ نظره وما جُبِلَ عليه منَ العَجَلَة وتغليب التَّشاؤم على التَّفاؤُل- يكره المصائب و الأقدار المؤلمة، و لا يكاد يرى بعين بصيرته إلى ما وراء شرنقة الحزن و الألم و الحسرة التي حشر نفسه بداخلها حدّ الإختناق.

و لأن منحة الله قد تكون مخفية في عمق محنته، و عطائه قد يتجسّد في ابتلائه، فكثيراً ما تمرّ في حياتنا لحظات صعبة ثقيلة على النفس لكن من خلالها تحديداً تتجلّى لنا مظاهر حكمة الله و لطفه و حسن تدبيره.

و لاشك أن كلّ منا تعرّض لموقف أو مواقف توجَّع منها و ضاق بها ذَرْعاً، و ربما شغل عقله و قلبه بردِّها والوقوف في وجهها، أو تحسَّر على أسبابٍ وموانع في ظنِّهِ أن لو اتَّخذها لنجا منها. فيفتح على نفسه باب (لو) الجالبة للحسرات والأحزان. حتى كشفت له الأيام مصداق قوله تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

فأحببت أن يكون هذا الموضوع – كما يوحي عنوانه – مكاناً نجتمع فيه و يذكر كل منّا موقفاً معيناً ألحّ فيه وراء حاجة أو رغبة.. فقضى له الله بعكس ما اشتهى.. ثم كشف له بعدها أن الخيرة فعلاً هي فيما اختاره الله العليم الحكيم الرحمن الرحيم.

اسمحوا لي أن أبدأ بنفسي أولاً

مع بداية العام الدراسي الجديد دعوتُ الله طويلاً و بإلحاح أن يجنبني عناء تدريس طالبات الصف الأول الإبتدائي. فقد درستُ هذه المرحلة عامين متتالين حتى تدهورت صحتي و انهارت أعصابي. و لازلتُ حالياً في مرحلة نقاهة بعد عملية جراحية صعبة.. فخشيتُ على نفسي من ضغوطات و متاعب تدريس هذه المرحلة العويصة للسنة الثالثة على التوالي.

استبشرتُ خيراً حين أسرّت لي الوكيلة المساعدة بأني سأدرّس طالبات الصف الثالث و الرابع لهذا العام، و فرحتُ حين تأكّدت من ذلك بعد أن اختلست نظرة إلى جدول العام الجديد.

لكن ما أن بدأت الطالبات بالعودة للمدارس و بدأنا بتدريسهن حتى فوجئت برئيسة القسم تسحب مني الصف الرابع و تكلّفني بتدريس صفين أول ابتدائي! تألمت كثيراً في البداية لكن الله سبحانه ربط على قلبي و وفقني حتى لا أجزع أو أتسخّط (و أنا بطبعي كثيرة التذمر و الشكوى). واصلت الدعاء حتى أتخلص من هذا العناء و ألححت فيه، لكن لم يتغيّر شيء.

مع مرور الأيام اكتشفت ما لم أتوقعه: معظم معلمات الصف الرابع يشكين مرّ الشكوى من مستوى طالباتهن الضعيف و سوء سلوكهن. بينما طالبات الصف الأول اللاتي بدأت في تدريسهن – و كذلك طالبات الصف الثالث – ظهر أنهن قمة في الأدب و الذكاء. لدرجة أنني لم أضطر حتى الآن لرفع صوتي عليهن قط – وأنا التي بحّ صوتي لمدة أسبوعين و أصابني صداع مزمن بعد تدريسي لهذه المرحلة خلال العامين الماضيين!- لأنهن لا يكدن يعصين لي أمراً، و إن فعلت احداهن فتكفي نظرة أو كلمة تهديد واحدة حتى ترتدع.

فأحببتهن و أحببت تدريسهن، و هو ما لم أتوقعه أبداً.

و قبل فترة أخبرتني رئيسة القسم أن معلمة جديدة ستنتقل إلى قسمنا قريباً جداً و ستتكفّل بتدريس صفٍ من هذين الصفين عوضاً عني حتى أرتاح.

فسبحان الله الذي لا يخرج تقديره عن حكمة أو رحمة أو عدل. و الحمد لله حقاً في كل حال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى