الثقوب السوداء , اقتراح ستيفن هوكنغ , حل مشاكل معلومات الثقوب السوداء

تَصَدّر ستيفن هوكنغ الصُّحُف في كانون الثاني عندما أعلن للعالم عن حلًّه المُحتَمل لمُعضِلة المعلومات في الثّقوب السّوداء. بكلمات أخرى، تفسيره لكيفيّة قيام الثّقوب السّوداء بمحوِ المعلومات وحِفظِها.
وضع هوكنغ بحثه على موقع arXiv.org في شهر يناير الماضي وتركَهُ مدة سِتة شُهور ليتلقى الطّعنات من الفيزيائيين الآخرين، إلى أن نشرتهُ مؤخرًا PHYSICAL REVIEW LETTERS، في السادس من حُزيران لهذا العام 2016. ترى هذه المجلة أنه رُبما نكون قد إقتربنا من معرفة حل هذه المُعضِلة بشكل نهائي للأبد.
حتى نَفهم أهميّة هذه القضيّة وماهي مُعضِلة المعلومات في الثّقوب السّوداء، علينا أن نعود إلى بدايات القصّة.
في فهمنا الأساسي للثقوب السّوداء حسب النظريّة النسبيّة لأينشتاين، كلُّ شيء يَتجاوز أفق الحدث للثقب الأسود يضيعُ للأبد. حتى الضّوء لا يستطيع الهروب من براثن الثّقب الأسود ولهذا ارتبط الثّقب الأسود بهذا الاسم ولهذا السبب أيضاً لا نستطيع رؤيته.
لكن في عام 1970، خَرَج ستيفن هوكنك بفرضيّة جديدة تقولُ أن الثّقوب السّوداء ممكن أن تُشِع أيضاً. مُستنداً في كلامه على قوانين ميكانيك الكم. لتبسيط الفكرة، عندما يَبتلع الثّقب الأسود أحدَ الجُسيمات في مُزدوجة (مادة –مادة مضادة) فإن الجُسيم الآخر يَهرب من الثّقب الأسود على شَكل إشعاع بَعد أن يَسرق القَليل من طاقة الثّقب.
بتكرار هذه العمليّة مع الوقت يفقد الثّقب الأسود كلَّ طاقته ويختفي ولا يبقى من آثاره سِوى بقايا الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي خرج منه، وهو ما يُسمى إشعاع هوكنغ.
المُشكلة في هذه الفرضيّة (حَسَب أَفضل حسابات هوكنغ) إن هذا الإشعاع لا يملك أي معلوماتٍ مُفيدة عن ماهية المواد التي ابتلعها الثّقب قبل تبخُره، أي أن المعلومات التي ابتلعها قد اختفت للأبد. إن اختفاء المعلومات هذا يَتعارض مع مفاهيمنا الفيزيائيّة الحديثة التي تقول أنه من الممكن دائماً الرجوع بالزمن لإعادة الماضي في الأحداث الفيزيائية. على سبيل المثال تحطم كأس وقع على الأرض أو حصول صاعقة أو تصادم مجرات، في كل الأمثلة السابقة يمكن تخيل الزمن يعود إلى الوراء. لكن هذا لا ينطبق على الحالة التي يقوم فيها الثقب الأسود بابتلاع المعلومات.

يقول العالم Dennis Overbye لصحيفة نيويورك تايمز:
“يُمكن تشبيه الكون بكمبيوتر خارق، يجب على هذا الكمبيوتر أن يُسجل ما إذا كانت السّيارة التي تدخل الثقب الأسود
شاحنة خضراء أو بورش حمراء، أو فيما إذا كانت مَصنوعة من المادة أو المادة المضادة، هذه الأشياء يمكن تدميرها لكن المعلومات عنها يجب أن تَعيش للأبد. ونَقصد بالمعلومات خصائصها الفيزيائيّة الأساسيّة.”
هنا تكمن المُفارقة، في الواقع هذه مُشكلة كبيرة لعلماء الفيزياء الفلكيّة، إذا كانت قوانين ميكانيك الكَم لا تَنطبق على الثّقوب السّوداء فلماذا يجب أن تنطبق علينا؟
يظن هوكنغ أنه قد وجد الحل أخيراً لهذه المفارقة، ربما يوجد هالة من “الشعر الناعم” حول الثّقوب السّوداء، وهذا الشَّعر يتمتع بقُدرةٍ على تَخزين المَعلومات.
هذا “الشَّعر” ليس الشَّعر الذي تخيّلته، بل هو عبارةٌ عن استثاراتٍ كموميّة مُنخفضة الطّاقة، تَحمِل أنماطًا مُحدَّدة لكلِّ ما تمَّ إبتلاعُه من قِبَل الثّقب الأسود. وتَحتفظ بهذه الأنماط لفترة طويلة بعد تبخُّر الثّقب الأسود.
يقول Overbye : “هذه الأنماط مثلُ نقاط البِكسل في هواتفنا المَحمولة أومثل الأخاديد الصَّغيرة في الإسطوانات الموسيقيّة القديمة، و في حالةِ الثّقوبِ السّوداء فإنها تَحتفظُ بمعلوماتٍ عن كُل ما تجاوز الأفق الحدث وأختفى.”
لكي يَصل هوكنغ لهذا الإستنتاج قام بتحديد مُشكلتين في إفتراضاته الأوليّة، الأمر الذي جعلهُ يُقر بأن حساباته السابقة التي تفترضُ ضياع المعلومات في الثقب الأسود، هي حساباتٌ خاطئة.

أول مشكلةٍ هي انهُ اعتبر الفراغ vacuum في الجاذبيّة الكموميّة مميزاً، والمُشكلةُ الثانية هي افتراضُهُ بأن الثّقوب السّوداء لا تملكُ أشعارًا كمومية. هنا تصبح الأمور أكثر تعقيداً, لكن في النّهاية نعلم أن ستيفن هوكنغ واثق من حساباته عندما نشرها، وهو اليوم واثقٌ بأن الثّقوب السّوداء تملك هالة من الشّعر النّاعم حَولها.
تم تقييم هذه الفرضيّة من قبل الزُملاء بعد أن تم نشرها في مجلة Physical Review Letters. ويعتقدُ الباحثون أنها مازالت تحتاج للكثير من العمل لكن علماء الفيزياء يعتقدونَ بأنها قد تكونُ خطوةً باتجاهِ حلِ مُعضِلة المعلومات في الثّقوب السّوداء.
يقول عالم الفيزياء Gary Horowitz من جامعة سانتباربرا في كاليفورنيا:
“من المهم أن نَعلم أن هذه الورقة البحثيّة لا تحلُّ مُشكلة المعلومات في الثّقوب السّوداء.
أولاً يجب إعادة التّحاليل على الحقول الجاذبيّة بدلاً من الحقول الكهرومغناطيسيّة وحدها، هناك فريق من الباحثين الذين يَعملون على هذه التحاليل حالياً. تُشيرُ الحساباتُ المبدئيةُ التي قاموا بها إلى أنّ حالةَ حقول الجاذبيّة ستكون مشابهةً لحالةِ الحقولِ المغناطيسية.” ويضيف أيضا “ربما تكونُ المشكلةُ الأهم هي أن الشعرَ الناعم المُقترح لا يملك قُدرة كافيّة على تخزين كافة المعلومات عن خصائص المواد التي سَقَطت في الثّقب الأسود.”
تكمنُ مُشكلةُ العالم غاري هورويتز Gary Horowitz معَ هذه الفرضيّة، في عَدمِ وُضوح فيما إذا كانت المعلومات التي يبتلعها الثّقب الأسود فعلا قادرة على التّحول إلى شعر ناعم، أو أن كلِّ ما تمَّ إبتلاعُه يتحول إلى نمطٍ مُحددٍ من الطّاقة.
لكنَّه يعترف في نفس الوقت “من المُرجح أن مُتابعة التَّحقيق في هذه الفرضيّة قد يَكشِف المَزيد من التّفاصيل عن هذا الشّعر، وربما نصل في النهايّة إلى حل لمُعضة المعلومات.”
وهذا سيكون يوماً مشهوداً في تاريخ الفيزياء، لأنها ستكون خطوة أخرى نحو فهمنا لأكثر الأسرار غموضاً في كوننا المنظور. خطوةٌ نحو فهم الثّقوب السّوداء الغريبة الأطوار.
ماذا يعني هذا لنا؟
يقول ستيفن هوكنغ مازحاً : “الثّقوب السّوداء ليسَت سجون مُؤبدة. في حال علقت في ثُقب أسود لا تَفقِد الأمل، رُبما هناكَ وسيلة للهُروب.”
أو ربما يبقى منك أثرٌ صغير عالق في الفضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى