أين ذهبت مكتبة عبدالملك ؟!.. بقلم زهير السراج

السودان اليوم:

* فى كل بلاد العالم تعطى الأولوية فى التعليم وكل مجالات الحياة الأخرى للأشخاص ذوى الحاجات الخاصة، وتزاح أعقد المشاكل من طريقهم لمساعدتهم على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم التى لم تقعدهم الظروف الصعبة عن محاولة تحقيقها والوصول إليها .. من شدة الإهتمام الذى يجده أصحاب الحاجات الخاصة فى العالم المتقدم تتمنى لو كنت أحدهم !!

* أما فى بلادنا فتوضع أمامهم المتاريس والعقبات، ويعانون القسوة والحرمان والنظرة الدونية، ويعاملون كالأشياء الغريبة، وكلنا نفهم ونعرف ذلك، وربما كنا أنفسنا بعض من نلقى عليهم تهمة إزدراء وإحتقار أصحاب الحاجات الخاصة فى بلادنا !!

* تناولت أجهزة الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعى فى الأيام الماضية، مأساة طالب كفيف رفضت رئيسة قسم للغة الفرنسية بكلية الآداب، جامعة الخرطوم تسجيله بحجة أن القسم ليست به إمكانيات، واقترحت عليه تجميد العام الدراسى الحالى والإلتحاق بالدفعة القادمة بعد ان يتلقى كورسات فى اللغة الفرنسية، وذلك بالرغم من أن بعض الطلاب المكفوفين درسوا بالقسم من قبل، وعين أحدهم مساعداً للتدريس!!

* أذكر أننى تناولت قبل اربعة أعوام فى مقال مشكلة عدد من الطلاب المكفوفين بكلية التربية تعرضوا لمعاملة وحشية من الصندوق القومى لرعاية وإسكان الطلاب، وقارنته بسلوك مدير الجامعة السابق (بروفيسور عبدالملك محمد عبد الرحمن) تجاه الطلاب ذوى الإحتياجات الخاصة، وأجد نفسى فى حاجة للتذكير به والتساؤل: أين الثقافة والروح التى ارساها بروفيسور عبدالملك، وأين المعينات والمكتبة السمعية التى أنشأها، أم أنها ذهبت أدراج الرياح أو أدراج الإهمال أو أدراج الجيوب، ككل شئ فى الوطن الجريح؟!

* عندما كان البروفيسور عبدالملك محمد عبدالرحمن مديرا لجامعة الخرطوم وبروفيسور عبدالرحيم السيد كرار (برعى) مديرا للعلاقات الخارجية وصلتنى دعوة لحضور افتتاح اول مكتبة سمعية بالجامعة… كان ذلك على ما أذكر فى نهاية عقد التسعينيات عندما كانت الجامعة لا تزال تحتفظ ببعض البريق رغم الصلف والظلم والتسلط الذى كانت تمارسه السلطة على الجامعة والوطن بأجمعه!!

* قال لى البروفيسور برعى ان المكتبة أنشئت خصيصا لطلاب الجامعة المكفوفين وطلاب الجامعات الاخرى بعد حصولهم على بطاقة خاصة، وفى لقاء جمعنى بالبروفيسور عبدالملك بعد ذلك قال لى انه اصدر منذ وقت قرارا بإعفاء كل الطلاب المكفوفين وبعض شرائح الطلاب ذوى الاحتياجات الخاصة من الرسوم الدراسية واى رسوم اخرى ووجه بتوفير كافة الاحتياجات لهم فى اماكن الدراسة والسكن ولو على حساب الجامعة !!

* كان ذلك تعامل بروفيسور عبدالملك مع اصحاب الاحتياجات الخاصة بمساعدة مجموعة طيبة من اساتذة جامعة الخرطوم الذين جاءوها من باب العلم لا من باب السياسة ومنهم البروفيسور عبدالرحيم السيد كرار (برعى)!

* تعالوا الان لتروا كيف صار التعامل مع الطلاب المكفوفين .. أقرأوا هذا الخبر الصحفى:

* تم طرد ثمانية طلاب مكفوفين من داخلية كلية التربية – جامعة الخرطوم ، عند الثالثة فجرا من صباح يوم الخميس المنصرم، وذلك عن طريق مدير الصندوق القومي للطلاب دكتور أمين، وكان بمعيته عدد من أفراد الشرطة.

* تعود تفاصيل القضية الى السنة الفائتة، إذ نفذ طلاب كلية التربية إعتصاما داخل الحرم الجامعي، وكان مطلبهم الاساسي هو السكن في الداخلية الموجودة بكلية التربية، بالاضافة الى تحسين بيئة الداخلية، ولكن الاوضاع تفاقمت بعد أن قامت جهات بحرق داخلية الطلاب الموجودة داخل الحرم الجامعي، وأدى هذا الى استمرار الاعتصام لأكثر من ثلاثة ايام، الامر الذي أدى الى تعليق الدراسة بكلية التربية لمدة ثلاثة شهور .

* ويقول الطالب علي (أحد الطلاب المكفوفين): “بعد حرق داخلية الطلاب الموجودة داخل حرم كلية التربية، قام الصندوق القومي للطلاب بترحيلنا الى داخلية (لزبير )، وهي عبارة عن مجمع مكون من ستة طوابق، وفي فترة اجازة مابين السمستر قال لنا أحد المسؤولين في الصندوق القومي للطلاب بأن الصندوق يريد صيانة الداخلية لذلك تم ترحيلنا مجددا الى داخلية ( أم المؤمنين ) وهي عبارة عن عمارة مكونة من ثلاثة طوابق ، وتعتبر صغيرة مقارنة مع عددنا، نحن أكثر من 450 طالب والداخلية بها 11 غرفة فقط ، لذلك اضطر الطلاب الى الاكتظاظ في الغرف ، إذ تجد في الغرفة الواحدة أكثر من 25 طالب، فالمكان ضيق جداً ، حتى أن أغلب الطلاب ينامون في المسجد المجاور للداخلية”!!

* ويواصل: “نحن شريحة المكفوفين عددنا بسيط ، نحن ثمانية طلاب مكفوفين وسط مجموعة كبيرة من الطلاب المبصرين ، لا نستطيع التواجد في مكان ضيق كهذا ، لذلك قمنا بالرجوع الى داخلية ( الزبير ) وهي داخلية أوسع ومريحة بالنسبة لنا، وبعد ان رجعنا قدمنا خطابا لإدارة الصندوق بأننا لا نستطيع التواجد في داخلية ((أم المؤمنين ) لأن المكان ضيق جداً لذلك سوف نسكن في داخلية ( الزبير) ولكننا تفاجأنا عند الثالثة من فجر اليوم بمدير الصندوق القومي للطلاب دكتور أمين ومعه أفراد من الشرطة ، قاموا بطردنا من داخلية ( الزبير)، وقال لنا بالحرف ( بعدين الساعة ستة صباحاً ما أجي ألقاكم هنا )، وها نحن الان حملنا حقائبنا وأمتعتنا وجئنا بها الى الجامعة، وهي الان في ساحة النشاط بشارع المين . عندما ذهبنا الى إدارة الكلية قالوا لنا بأنهم لا علاقة لهم بالامر، وقالوا إن علينا أن نحل مشكلتنا مع الصندوق القومي للطلاب”.

*ويختم حديثه: “هذه هى الحكاية ، نحن الان لا نعرف أين نبيت ، لا مأوى لنا ، نحن كشريحة طلاب مكفوفين لا نطالب بالمستحيل ، ولكننا نطلب مكانا للسكن، هل هذه جريمة حتى نطرد بالشرطة ونلقى فى الشارع؟!” إنتهى.

* كان ذلك ما فعله مدير الصندوق آنذاك، الذى لم يسلم من أذاه حتى المكفوفين، ولا تزال نفس الممارسات قائمة الى اليوم ، فى أعلى منارات العلم فى بلادنا التى كان من المفترض أن تكون القدوة والمثل الجميل للآخرين، ولكنها سقطت فى الوحل كما سقط غيرها .. أفيقوا أيها الناس!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى