أهميّة العمل في حياة الإنسان

مفهوم العمل

العملُ هو الجهدُ الذي يقوم به الإنسان بوعيه، والذي يبتغي منه إنتاج السّلع والخدمات لتلبية احتياجاته، ولذا فإنّه يُمكن الحُكم على جهدٍ ما بأنّه عمل إذا كان يصدر من إنسانٍ واعٍ. كما يمكنُ أن يُعرَّفُ العمل بأنّه مجموعة من الواجبات والمسؤوليّات تستلزم شروطاً مُعيّنةً في عاملها، وتتوافق مع ماهيّتها ونوعها، وتحقّق الأهداف المَرجوّة من إيجادها.[١]

العملُ منذُ بدء الخليقة قد عُرف بأنّه شرطٌ أساسيّ للاستقرار وتحقيق الحاجات للاستمرار في هذه الحياة، وكغيره من الأمور فإنّه بالطّبع يتطوّر بتطوّر التّكنولوجيا، ويزداد بازدياد الحاجات والمسؤوليّات النّاتجة من تزايد النّاس وحاجاتهم.

مسيرة العمل عبر التّاريخ

منذُ بدء وجود الإنسان على هذه الأرض وهو يعمل، فالعمل مُهمٌّ للإنسان منذ القِدم، به يُوفّر حاجاته، ويشغلُ وقته، ويُفرّغ طاقته. ومع كثرة الأعمال وتنوّعها وتنوّع المهارات التي تحتاجها، فإنّ نوع العمل ليسّ مُهمّاً بقدرَ أهميّة أن يكونَ العمل حلالاً شريفاً لا يُعارض أحكام الشّريعة الإسلاميّة، فقد عملَ أنبياء الله عليهم الصّلاة والسّلام في مِهَن مُختلفة، كما قال عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)،[٢]فكان أوّل الأنبياء آدم عليه السّلام يعمل مُزارعاً، ونوح عليه السّلام عمل نجاراً، وإدريس عليه السلّام كان خيّاطاً، ونبيّ الله موسىعليه السّلام كان راعياً للغنم، كما جاء في الذّكر الحكيم: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ)،[٣] وخاتم الأنبياء والمرسلين محمدعليه الصّلاة والسّلام كان راعياً للغنم وتاجراً بعد ذلك.

أهميّة العمل

للعمل أهميّة كبيرة في حياة الإنسان، سواءً للفرد أو المُجتمع أو الدّول، ولذلك تُقاس جديّة الدّول وتقدُّمها باهتمامها بالعمل والعاملين. ولم تصل الدّول المُتقدّمة إلى ما وصلت إليه من مُستوى رفيع في تقدير العمل والعاملين والرقيّ بمجتمعاتهم إلا من خلال جديّة شعبها وإحساسه بالمسؤوليّة، وهذا ما يُرى جليّاً في المُجتمعات الإسلامية الغابرة حيث لم تُبنى الحضارة الإسلاميةالكبيرة بإنجازها ورُقيّها إلا بإخلاص المُسلمين السّابقين في العمل.[٤]

يُمكن تلخيص أهميّة العمل في حياة الفرد والمجتمع بالآتي:

  • العمل هو ما يَبني الحضارات والأمم، وهو أساسُ نهضتها وتطورّها، ولأهميّة العمل فقد حثّ عليه الإسلام في القرآن الكريم، كما في قوله عزوجل: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)،[٥] وفي السُنّة النبويّة الشّريفة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده).[٦]
  • العمل الشّريف هو المصدر الذي يكسب منه الإنسان رزقه ورزق عائلته ليُلبّي حاجته، ويحفظ كرامته، ويُغنيه عن النّاس ومدّ يد الحاجة لهم، فيعيشُ بعيداً عن ضنك الفقر. كما أنّ العمل يُطهّر النّفس من شرّ البطالة وشرّ الحسد والحقد، إذ يُلبّي المرء حاجاته ولا يتطلّع إلى ما بين أيدي النّاس، ممّا يجعل الأمّة قويّةً فيما بينها دون ضغائن. وقد فضّل الله جلّ وجلّ المُؤمن القويّ على المُؤمن الضّعيف، فقد قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف).[٧]
  • العمل ضرورة لتقوية الأبدان من أجل تدريبها على التحمّلوالصّبر، ومُجابهة الأعداء، وتحمّل شدائد الدّهر.[٨]
  • العمل رياضة للفكر والجسم، وشغل للنّفس عن البطالة واللّهو، وإبعادها عن الخمول.[٩]
  • يُقلّل العمل نسبة البطالة بين أفراد المُجتمع، وعليه تقلّ الدّيون، وتقلّ نسبة الجريمة، ونسبة إدمان المُخدّرات، كما أنّه يُؤدّي إلى الاكتفاء الذاتيّ من الإنتاج وتقليل الاستيراد من الخارج، فتقوى الأمّة ولا يتمّ التحكّم في قراراتها وسياساتها.[١٠]
  • الفرد الذي يعمل بجدّ وإتقان ليكسب قوّته يُجزيه الله تعالى بالأجر والثّواب، فالعمل أيضاً عبادة يُؤجَر عليها المُسلم، حيث قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام-: (إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).[١١]
  • العمل يُسببّ السّعادة للإنسان، فمن استطاع توفير قوت عائلته سيطمئنّ ويهدأ، ويشعر بالسّعادة التي لن تأتيه إذا ظلّ مُحتاراً يمدّ يده للنّاس. فالإنسان يسعد بعمله ويشقى كذلك بعمله، وهو من يُحدّد شعوره إمّا سلباً أو إيجاباً، وقد قال الخليفة عمر بن عبد العزيز: (اللّيل والنّهار يعملان فيك، فاعمل فيهما، بل إن الله سبحانه وتعالى أقسم بالعصر الذي هو مُطلق الزّمن).[١٢] فحجمك أيها الإنسان عند الله بحجم عملك، قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا).[١٣]

أنواع العمل

يُقسم العمل إلى عدّة أنواع، كلٌّ حسب طبيعته، وهو كالآتي:

أنواع العمل حسب تنفيذه

يُقسم العمل بحسب طبيعة تنفيذه إلى قسمين:[١٤]

  • العمل الذهنيّ أو العقليّ: هو العمل الذي يرتكز أساساً على مجهود العقل والذّهن والتّفكير، كعمل العلماء والمُفكّرين والمُخترعين والمُهندسين .. الخ. ويشمل العمل العقليّ استقبال المعلومات ومُعالجتها، ومُقارنتها مع باقي المعلومات المُتاحة، وتحديد المشاكل والحلول وطرق تنفيذها، والحلول الأكثر مُلائمةً.
  • العمل الجسديّ أو العضليّ: هو العمل الذي يرتكز على مجهود وأداء الجهاز العضليّ لجسم الإنسان، وهو لا يعني بأيّ شكل من الأشكال انعدام العقل، لكنّه استعمال القوّة الجسديّة ومهارات الجسد بشكل أكبر في تنفيذ العمل، كعمل البنّائين والنجّارين والمُزارعين .. الخ.[١٥]

أنواع العمل حسب الأُجرة

يُقسم العمل بحسب طبيعة أُجرته إلى عدّة أنواع، هي:[١٦][١٧]

  • العمل بدوام كامل: هو العمل المُنتَظم، ويكون بموجب عقد يُوقّعه الفرد مع الجهة العامل لديها، حيث يتقاضى أجراً ثابتاً جرّاء عمله الثّابت واليوميّ، والذي يكون بواقع 40 ساعة أسبوعيّاً.
  • العمل بدوام جزئيّ: هو العمل الذي يُكلّف عامله وقتاً أقلّ من العمل بدوام كامل، ولكثرته ولقلّة التنافسيّة عليه فإنّه يُمكن الحصول عليه بسهولة أكثر من وظائف الدّوام الكامل، حيثُ تكون هذه الأعمال أكثر مرونةٍ من غيرها فيما يخصّ تواجد المُوظّف ضمن مكان العمل، ويتقاضى العامل بدوام جزئي أجراً مُتفّقاً عليه جرّاء عمله الذي لا يتجاوز 30-35 ساعة أسبوعيّاً.[١٨][١٩]
  • العمل الموسميّ: هو العمل الذي يتمّ خلال مواسمَ سنويّةٍ مُخصّصة، كموسم الصّيف والشّتاء مثلاً. ترتبط هذه الأعمال عادةً بالأعمال الزراعيّة والسياحيّة والفندقيّة؛ لكون هذه الأعمال تنشط خلال موسم مُعيّن بشكلٍ أكبرَ من غيره.[٢٠]
  • العمل الحُرّ: هو العمل دون التّعاقد مع جهة مُعيّنة ودون الحصول على راتب ثابت، يكون فيه صاحبه مُديراً لنفسه وحساباته الشخصيّة.
  • العمل من المنزل: ويمكن تسميته أيضاً بالعمل عن بُعد، ويُعدّ هذا النّوع من العمل من أكثر الأنواع مرونةً؛ لعدم ارتباطه بمكان مُعيّن، ويتمّ غالباً عبر وسائل التّواصل عن بعد.
  • العمل التطوعيّ: هو العمل الذي يقوم به الإنسان بلا أيّ مُقابل ودون أجر، حيث يُخصِّص به الإنسان جزءاً من وقته لصالح مُجتمعه والإسهام لأجل رفعته. وهو عملٌ يقوم به الإنسان دون أيّ ضغوطات، إلّا أنّه وفي بعض الدّول، كسويسرا مثلاً، يُعتَبر التطوّع مُلزمِاً للأفراد الذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكريّة ممّن هم في سن 20-60 سنة.[٢١]

العمل في الإسلام

إنّ الإسلام ينبذ حياة الكسل ويحرّم التسوُّل من الشّخص القادر على الكسب والعمل،[٢٢] حتّى لو كان الرّزق من الله، فليس معنى هذا أن يتكاسل الإنسان ويترك العمل؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى حثّ على العمل لتعمير الأرض وكسب الرّزق، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).[٢٣]

حتّى في يوم الجمعة الذي هو خير أيام الأسبوع يحضّ الله عباده على القرآن الكريم على طلب الرّزق، ويأمرهم بالسّعي في أرزاقهم، قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ).[٢٤]

العمل منهج حياة

إنّ النّاظر في سيرة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في تربية أصحابه وتعليمه لهم يجدُ أنّ إتقان العمل والإحسان فيه هو من أكثر ما حرص الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على غرسه في قلوبهم وحثّهم عليه، ولأجل هذا، فقد بيَّن عليه الصلّاة والسّلام في الحديث أن خُلُقَ إتقان العمل هو ممّا يُحبّه الله ويرضاه، فقد قال: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)؛[٢٥] ويعني أنّ الله يُحبّ أن يكون العمل على صورته المُتقَنة والحسنة والجميلة.

ويُلاحظ أنّ كلمة (عمل) تشمل جميع الأعمال، سواءً أكانت أعمالاً دنيويّةً أم أعمالاً تعبُّديّةً، بل إنّ الأعمال الدنيويّة من المُمكن أن تصبح أعمالاً عباديّةً إذا تم تأديتُها بإتقان وإحسان وكان القصد منها مرضاة الله.[٢٦]

واقع العمل في المجتمع

إنّ المُجتمع يلزمه الكثير من التّغيرات في مفاهيم العمل والإنتاج وأهميّتهما، ويحتاج كذلك إلى نشر الوعي فيما يخصّ إتقان العمل والإحسان فيه، ومن المُؤسف أن تكون ثقافة الكسب السّريع والربح المُريح، واللامبالاة بالوقت وقيمته، واندثار الإحساس بالمسؤوليّة المُجتمعيّة، والغش هي السّائدة في المُجتمع على حساب الإتقان والإحسان ومخافة الله في كل الأمر، وهذا بالطّبع قد صاحبه تأثيرٌ كبير على مُؤسّسات التّربية والتّعليم، وعلى الإنتاج، والمُؤسّسات الحكوميّة، وعلى حياة الأفراد جميعاً.[٢٦]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى