أهمية علم أصول الدين , الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

ملخص هذه المادّة
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: –
[بسم الله الرحمن الرحيم حسبي الله ونعم الوكيل، وبه نستعين، الْحَمْدُ لِلَّهِ، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد:
فإنه لما كَانَ علم أصول الدين أشرف العلوم، إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إِلَى فقه الفروع، ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين: الفقه الأكبر وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا طمأنينة، إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها، بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه] إهـ.
الشرح:
بدأ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- كتابه بهذه الخطبة -خطبة الحاجة- التي كَانَ النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كما صح عنه- يستفتح بها، وهذه سنة ينبغي لنا أن نقتدي بها جميعاً.
وكل خطبة لا يذكر فيها الشهادة أو لا يتشهد فيها، فهي كاليد الجذماء، كما جَاءَ في الحديث. وكذلك في الحديث: {كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع } أو (فهو أبتر) وإن كَانَ في الحديث ضعف من حيث الإسناد، ولكن هو ثابت من فعل النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبه ومكاتباته إِلَى الملوك وغيرهم.
فالبداية بذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ، أو بالْحَمْدُ لِلَّهِ، أو ببسم الله، أو بخطبة الحاجة، هي سنة ثابتة عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينبغي العدول عنها، وهكذا بدأ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ.
ثُمَّ قال بعد ذلك: “أما بعد”، وهذه أيضاً سنة النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبه وكتبه، كَانَ بعد أن يسمي الله أو يحمد الله، أو يثني عَلَى الله تَعَالَى بما هو له أهل، يقول: أما بعد، ثُمَّ يبدأ في الموضوع الذي يريده.
وعلم أصول الدين أشرف العلوم؛ لأن شرف الشيء من شرف موضوعه، وموضوع علم التوحيد هو معرفة الله وصفاته، وما ينبغي لوجهه من التعظيم والثناء، وما ينبغي لحقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ من العبادة وهو حقه عَلَى العباد.

وبذلك نستنتج قضية مهمة لا ينبغي أن نفوتها -وإن كانت معلومة ومفهومة لدى الجميع- وهي التشكيك في تعليم التوحيد والعقيدة وأصول الدين، والقول بأن هذه الأمور لا داعي لها.
فيُردُّ عليهم بمثل ما افتتح المصنف، أن شرف العلم بشرف المعلوم، فمعرفة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى هي الفقه الأكبر، وهي أعظم العلوم والغايات، وأشرف ما يسعى إليه المؤمنون جميعاً، فلا يجوز لأحد أن يُهوِّنَ من أمرها أو يشكك فيها، أو يقول: ليس هناك داعٍ إِلَى معرفة توحيد الأسماء والصفات!!
لو قال رجل: ليس هناك داع أن يعلم الناس الصلاة والزكاة، لأنكر عليه جميع الْمُسْلِمِينَ. فكيف بالتوحيد! وهو أعظم؛ لأن معرفة الله تَعَالَى في ذاته أعظم من معرفة حقه، فاعتقادنا فيه أعظم من فعلنا له، وكما سيأتي من كلام المُصنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ وهو يقول: إن القُرْآن كله توحيد، فأفضل ما في القُرْآن هو ما يتعلق بتوحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ.

والنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمضى الفترة الطويلة في تعليم التوحيد، ثُمَّ لم يزل في المدينة تنزل عليه أحكام الفروع مرتبطة بالعقيدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة:183].
وهكذا الجهاد في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ شرع لتكون كلمة الله هي العليا، ومن أوائل ما شرع وفرض هو قتال أهل الكتاب الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، والذين قالوا: إن الله هو المسيح عيسى ابن مريم.
فأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورةِ التوبة بقتالهم، وهو واجب محتم كقتال الْمُشْرِكِينَ المعطلين، فمن عرف الله ووصفه بغير صفته، أو جعل له خدناً أو صاحبةً أو ولداً، أو أشرك في صفاته في أي نوع من أنواع الشرك، فإنه يقاتل كما يقاتل المشرك المعطل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى