أهمية طلب العلم , رحلة التوحيد , الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

عناصر أهمية طلب العلم (رحلة التوحيد)
1 – العلم الشرعي ضرورة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، خير معلم للبشرية لم تعرف البشرية معلماً قبله ولا بعده خيراً منه صلوات الله وسلامه عليه، ولا عرفت طلاب علم وهدى وحق مثل أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وصلى عليهم وعلى التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
سأتحدث -إن شاء الله تعالى- في هذا الموضوع عن أهمية طلب العلم، وعما أعده الله تبارك وتعالى للعالم ولطالب العلم من الفضل والأجر والخير العميم؛ لأننا في زمن شغل الناس وفتنوا بالدنيا، وانصرفوا عن الآخرة إلا من رحم الله، ومن جملة وأعظم ما انصرف الناس ورغبوا عنه هو طلب العلم، حتى أن طلاب العلم الذين يطلبون العلم في المدارس يقل عند الكثير منهم الرغبة في طلب العلم، وحتى أن من يحبون أو يحضرون بعض المواعظ -وفيها خير كثير- قد لا يحضرون ولا يرغبون في تعلم العلم الذي يتفقهون به وهو:
أولاً: في العقيدة والتوحيد ومعرفة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو أشرف العلوم.
وثانياً: في معرفة الحلال والحرام الذي به يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكم من عابد على جهالة!
وكم من مشرك أو متلبس بشرك يظن أنه على التوحيد!
وكم من مصلٍّ وصلاته باطلة؛ لأنه لا يقيمها ولا يحسنها!
وكم من حاج حجه باطل؛ لأنه لم يقم به وفق ما شرع الله تبارك وتعالى من الأحكام، وكما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
وكيف نعرف ذلك كله؟ إنما نعرفه بالعلم، وبالفقه وبالتفقه في الدين.
والتفقه في الدين أمر شاق، ولكن أجره عظيم، والمتفقهون أو الراغبون في التفقه في الدين قليل؛ ولكنهم كالنجوم في السماء، وهم الذين يهتدى ويقتدى بهم {عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد } كما صح ذلك عن بعض السلف وروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فلا شك أن العلم فضله عظيم، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9] لا يستويان أبداً؛ حتى في الحيوان لا يستوي المعلَّم وغير المعلَّم، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الكلاب نجسة، ومعروف أنه إذا ولغ الكلب في إناء أحدنا فإنه يغسله سبعاً إحداهن بالتراب، وما ذلك إلا لنجاسته؛ لكن هذا الحكم وهو النجاسة في لعابه وريقه إذا كان غير معلم، أما لو كان معلَّماً كان كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4].
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصل ذلك لـعدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه لما سأله، ففرق له بين ما إذا أرسل كلبه المعلم، وبين ما إذا أرسل كلبه غير المعلم -سبحان الله العظيم!
إذا كان العلم وهو العلم الصحيح النافع يحول الحيوان النجس إلى حيوان تؤكل فريسته التي يصطادها، فبدلاً من أن نغسله سبعاً أولاهن بالتراب, فإننا نأكله هنيئاً مريئاً، ونشكر الله الذي علمنا والذي سخر لنا هذا الحيوان.
فما بالكم بالعلم! كيف يغير في ابن آدم الذي هو أكرم ما خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] أكرم ما خلق الله هو هذا الإنسان, وكرمه وشرفه بالعلم.
وأكرم من في بني آدم هم العلماء، لأن الأنبياء هم أفضل الخلق وهم أعلم الناس بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا العلم أشرف العلوم جميعاً، ثم من بعدهم كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي الدرداء {ألا وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم }، فالعلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة } فكل ما يتركه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بعده من آنية أو سلاح أو أرض أو متاع فهو صدقة لا يورث، ما الذي ورّث؟ {وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر }.
لهذا فإن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه لما رأى الناس فتحت وتوسعت عليهم الدنيا، ورأى الانكماش في طلب العلم ذهب يصيح: [[أيها الناس! ميراث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم في المسجد ]].
ففرحوا لمحبتهم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كل واحد ترك بضاعته وشغله، وجاءوا يجرون, وكلٌ يريد أن يأخذ مما تبقى من أشيائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كانت آنية أو أي شيء من سلاحه ولو من شعره، فهذا مما يتبرك به.
جاءوا وجلسوا وإذا به يقول: [[حدثني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.., فقالوا: أين الميراث يا أبا هريرة ؟! قال: هذا الميراث، ما ورث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا العلم.. وهذا الهدى.. وهذا النور، ونحن إليه أحوج من كل ميراث ]].
وكما ذكر ابن القيم -رحمه الله- أنه قد يعيش الناس بلا أطباء، ويتداووا بما يسر الله لهم من أعشاب أو مما تعارفوا عليه، والمهم أن يكون حلالاً، لكن هل يمكن أن يعيش الناس وتستقر وتهنأ وترغد حياتهم بلا علم أو بلا علماء؟!
لا يمكن؛ ولهذا بين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما في الحديث الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العلم قال: {إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً يأخذه من صدور العلماء، ولكن ينزعه بموت العلماء، فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا }.
ففي آخر الزمان حيث لا يذكر فيه الله، ولا يقال: لا إله إلا الله لقلة العلماء، ليس فيهم عالم يفقههم ويبين لهم.
والجاهلية التي كانت قبل بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محاها الله ببعثته، محاها بالتوحيد وبالوحي والعلم الذي آتاه الله إياه، لكن لها عودة، فترات وتعود، أما الجاهلية المطلقة فإنها لا تعود بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً؛ لأن الله تعالى تكفل وتأذن أنه لابد أن تبقى وتظل طائفة قائمة على هذا الدين حتى يأتي أمر الله، وهو الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين قبيل قيام الساعة، ويبقى شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، فلا يكون ذلك إلا بهلاك أو بذهاب أو باضمحلال أو فقد العلم الذي ينتفع به الناس.
ستظل طائفة على الحق؛ لكن الجاهلية تأتي على طوائف، وعلى مناطق، وعلى أمم، كما كان عندنا في جزيرة العرب ، كانت جزيرة العرب قبل دعوة محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- في ظلام؛ بل إنها رجعت إلى الجاهلية الأولى، حتى بعث الله عز وجل الرجل الذي يجدد هذا الدين -ولله الحمد والفضل والمنة- فيمكن أن تعود الجاهلية في أي مكان، ولكن سرعان ما ترتفع الجاهلية عن هذا المكان أو عن هؤلاء القوم بالعلم؛ لأنه الذي ينور الله تبارك وتعالى به القلوب يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما بين لنا ولخلقه أجمعين أعظم قضية تهم الإنسان في الدنيا فيها أعظم شاهد وأعظم شهداء.
فما هي القضية؟ ومن الشاهد؟ ومن الذين استشهد بهم؟
قال الله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] أعظم قضية في هذه الدنيا وفي الوجود كله هي: قضية التوحيد، وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانية وأنه لا إله إلا هو، وأعظم شاهد هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك بدأ بنفسه الكريمة -سبحان الله- قال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18].
ثم ثنى بالملائكة ولا غرابة, فالملائكة عباده المكرمون لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] فجعلهم الله تعالى شهداء.
والثالث: اختار من خلقه شهداء يشهدون معه -وهو أعظم شاهد- في أعظم قضية؛ فلا بد أن هؤلاء المختارين هم خير وأفضل الناس.
ولم يستشهد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالملوك ولا بأهل المناصب والجاه والدنيا، ولا بأهل الأموال، ولا بأهل الأحساب والأنساب الرفيعة؛ لكن قال: وَأُولُو الْعِلْمِ [آل عمران:18] فجعل أعظم الشهود معه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومع ملائكته الكرام هم أهل العلم، ولذلك قال: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ [الشعراء:197]، وكل علماء بني إسرائيل يعلمون أن هذا الدين حق يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146].
لكن وجد منهم من أداها مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقد أدى الشهادة وشهد أن هذا هو الرسول الذي كنا ننتظره, وشهد أن هذا هو الدين الحق.
2 – حال اليهود وموقف عبدالله بن سلام عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة

أول ما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً من مكة إلى المدينة ، ظهر وصعد أحد أحبار اليهود وقال: يا بني قيلة! يا بني قيلة! هذا صاحبكم الذي تنتظرون، وهو من أحبار اليهود الذين لم يؤمنوا.
يقول: يا بني قيلة -وهم الأنصار الأوس والخزرج- هذا صاحبكم الذي تنتظرون، وما يزال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعيداً، والسراب يحول بينه وبين الناس.
فقد عرفوا أنه الحق, وعرفوا أنه هو الرسول، وأن هجرته ستكون، وأنه سيأتي من هذا الطريق، لأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فـعبد الله بن سلام رضي الله عنه وهو من أحبارهم وعلمائهم الذين نور الله قلوبهم وطلبوا الحق وأرادوه يقول: { فجئت إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو يخطب الجمعة بـقباء , وهي أول خطبة وأول جمعة في الإسلام، قال: فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب صلوات الله وسلامه عليه }.
ما هذا الوجه بوجه كذاب ولا طالب دنيا, أو طالب مال, أو شهوة, أو شهرة، فالصدق والنور واليقين يلمع من جبينه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم جلس وسمعه وهو يقول: {أيها الناس! أطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وأفشوا السلام, وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام } هذه خطبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاها قلب عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
فلما استشهد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على أن هذا الدين حق، كان من علماء بني إسرائيل ممن شهد بالحق، وهو هذا الرجل العالم رضي الله عنه، ومنهم من لم يشهد؟ قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14] فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]. وكيف لا يكذبونك؟ ألم يقولوا: إنه كذاب, وكاهن, وساحر, وشاعر، فهم لا يكذبونك، أي: لا يعتقدون في أنفسهم أنك كاذب، لكن يكذبون بأفواههم وهم يعلمون أنه الحق، فالشاهد من هذا هو: شهود من استشهد الله بهم، منهم من يقوم بالشهادة ومنهم من لا يقوم بها.
3 – فضل العلم والعلماء

أما من قام بها فقد قام مقام الأنبياء، كما قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه -بعد موت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام بها في حروب الردة، وأيضاً قام بها الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه، ومما أثر في هذا أنه قيل: ‘قام أبو بكر في يوم الردة، وقام أحمد بن حنبل في يوم المحنة’ .
هذا مقام الأنبياء أنهم صدعوا وجهروا وقالوا كلمة الحق، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله }، {وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب }.
وفرق بين من يعبد الله على جهل أو يفتي بجهل، وبين من يعبده بالعلم أو يفتي بالعلم، وهذا من خير ما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لا حسد إلا في اثنتين -أي لا غبطة-: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها… } والحكمة لا تكون إلا على علم، وكذلك البصيرة لا تكون إلا على علم.
4 – حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً وما فيه من الدلائل على فضل العلم

انظروا إلى الرجل الذي ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصته في التوبة، وكلنا محتاجون إلى التوبة.
هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً, مائة إلا واحداً، قتلهم ظلماً وعدواناً، فذهب وأراد أن يتوب فقيل له: هذا فلان فدل على عابد جاهل، عابد ترك الدنيا، وترك الشهوات، وانقطع عن الخلق في صومعة للعبادة، ولكنه جاهل لا يعرف الحق ولا يفتي ولا يقضي به، فذهب إليه وقال: قتلت مائة إلا واحداً هل لي من توبة؟
فاستعظم ذلك!! مائة نفس إلا واحدةً! فقال العابد: لا أجد لك توبة.
فقال: إذاً ما فائدة الحياة، فأكمل به المائة.
الفتوى الجاهلة أدت إلى تقنيطه من رحمة الله، وأيضاً أدت إلى قتل هذا المفتي بغير علم، فأكمل به المائة.
ثم دل على عالم فذهب إليه, وقال: قد قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟
قال العالم: ومن الذي يمنعك من التوبة.
ثم قال له: اذهب إلى أرض كذا فإنها أرض خير, ودع قريتك هذه فإنها أرض سوء، ثم قبضه الله في الطريق، فاختصمت فيه الملائكة وشملته رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد ذلك.
والمقصود أننا نعرف الفرق بين من يفتي بغير علم، وإن كان زاهداً, وورعاً عن الدنيا, ومجتنباً المحرمات، وقد يؤتى بعض الجهال بياناً وفصاحة، لكن إذا لم يكن على علم بما قال الله وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يكن أيضاً على فقه في الدين فلا خير فيه، فقد تنقلب هذه الفصاحة وبالاً وخساراً على صاحبها، نسأل الله العفو والعافية.
أما العالم فإنه ينفع الناس وينتفع منهم كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن الله وملائكته وخلقه -أو قال: والدواب- حتى الحيتان في جوف الماء، وحتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير } يصلون عليه: أي يدعون ويستغفرون له كل شيء حتى الحيتان في جوف الماء، وحتى النملة في جحرها، كلها تستغفر لهذا العالم الذي طلب العلم لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, والذي نفع اللهُ تبارك وتعالى بعلمه، فعلم الناس ما هم أحوج ما يكونون إليه.
ومن فضل العلم والعلماء ما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28].
فالذين يخشون الله في كل حركة وخطوة, وفي كل كلمة, هم العلماء: العلماء بالله، والعلماء بأحكامه الله وبدينه، فأما العلماء بالله فهم يعلمون أن الله عز وجل عظيم، وقدره عظيم، ليس كأحبار اليهود الذين قال الله فيهم: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].
جاءوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا له: يا محمد! بلغنا أن الله يوم القيامة يضع الأرض على ذه، والجبال على ذه، والشجر على ذه، فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصديقاً لقوله وقرأ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].
كلامهم هذا حق، لكن لم ينفعهم، فهم يعلمون أنه بهذه العظمة والكبرياء، والعزة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن لم ينتفعوا به، فالذي ينتفع بذلك هو العالم الذي له هذا الأجر وهذا الفضل, وهو العالم بالله الذي يخاف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, ولذلك إذا خافوا الله لم يخافوا من أي مخلوق كما قال الله عنهم: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب:39] ولهذا كان قيامهم مقام الأنبياء أنهم يصدعون بالحق، ولا تأخذهم في الله لومة لائم كائناً من كان، لا يخافون أن يغضب عليهم الناس، أو يغضب عليهم السلاطين أو الملوك أو الظلمة من أي نوع، لأنهم يبلغون عن الله، ولأنهم أمناء على هذا الدين، ولذلك يخشون الله ويعرفون قدره فكيف يخافون غيره!
دخل بعض العلماء على بعض سلاطين الظلم فيما مضى وقد قيل له: إن السلطان يريدك في أمر مهم، ولكن نخشى إن ذهبت إليه أن يقتلك.
فقال: توكلت على الله, ودخل عليه وكلمه وخاطبه وأمره ونهاه وأغلظ عليه، ثم خرج من عنده.
فلما خرج سألوه: كيف فعلت؟
قال: تذكرت عظمة الله عندما دخلت عليه، ورأيت عظمته وجنوده وملكه، فأصبح أمامي كالهر!
فعندما يتذكر الإنسان عظمة الله تهون أمامه عظمة أي إنسان كائناً من كان.
هذا المخلوق الذي قد يرجئ أو يخشى أو يسكت عن كلمة الحق، سيكون يوماً على آلة حدباء محمول.
يوماً ما سيحمل ويلقى في ذلك الموضع الذي يعرفه كل أحد، والذي سينتهي إليه كل واحد، لكن هذا العالم لو سكت وداهن وخاف منه ممن إذاً سيتكلم! وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] يسأله الله يوم القيامة لماذا لم تبلغ دين الله؟
5 – خشية الله وقول الحق

وأعظم ما يجب أن يتأدب به طالب العلم هو: خشية الله ومعرفة الله، فمن عرف الله عز وجل فقد عرف كل خير، ومن جهل ربه ولم يعرف قدره فمهما حوى من العلم فهو كما ضرب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المثل بعلماء بني إسرائيل كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] علماء بني إسرائيل لم يكن ينقصهم العلم، ولكن كان ينقصهم قول الحق والعمل به كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79] أي لا ينهون أتباعهم عن قولهم الإثم وأكلهم السحت.
كانوا يرون المنكر فيأمرون أول الأمر ثم لا يمنعهم بعد أن يكون أحدهم لفاعل المنكر قعيداً وأكيلاً وجليساً، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض, ولعنهم على لسان دواد وعيسى بن مريم، نسأل الله العفو والعافية.
مع أنهم علماء لكن أخفوا أحكام الله وغيروا وبدلوا دينه، كما حدث ذلك في عهده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن قدم المدينة أن زنى رجل بامرأة، فلما فعلا الفاحشة المحرمة، قالوا: قد جاءنا هذا النبي وهو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعلمون أنه نبي، ويعترفون بذلك فيما بينهم، فلنذهب إليه فإن أفتانا بشيء غير الرجم قبلناه، وإذا سألنا ربنا يوم القيامة قلنا: يا رب! هذا نبيك بعثته وأخذنا بحكمه، وإن لم يفتنا به عدنا إلى ما كنا نعمل. فالمسألة كما هو حال كثير من الناس، وهذه القضية مهمة.
وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه لما سمع رجلاً يقول في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] قال -وهو صادق-: هذه في بني إسرائيل -وهذه سوف نذكر قصتها قريباً- قال حذيفة رضي الله عنه: [[نِعْمَ أبناء عم لكم اليهود، ما كان من حلوة فهي لكم، وما كان من مرة فهي لهم ]]، معنى هذا الكلام أننا إذا جئنا وقرأنا كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] قلنا هذه في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا قرأنا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143] قلنا: نزلت فينا هذه الآية.
وإذا قرأنا قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32] قلنا: هذه فينا والحمد لله، وإذا جئنا وقرأنا قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] قلنا: هذه نزلت في اليهود.
وقوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78] قلنا: هذه في اليهود، ونحن من أمة محمد، ونحن على خير! وهكذا. فيقول حذيفة : [[نعم أبناء العم، لو كان الأمر كذلك ]] أي كل شيء فيه مدح فهو لنا، وكل شيء فيه ذم فهو على اليهود.
وقد فسر الصحابة والتابعون المغضوب عليهم: باليهود، والضالين: بالنصارى.
وقال ابن عباس وسفيان بن عيينة رضي الله عنهما: [[من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى ]].
هؤلاء اليهود لما غيروا حكم الله، وبدلوا دينه، قالوا: {سلوا محمدا عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه فسألوه } وكان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد سبق وأنزل الوحي عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين له الحكم، وقال: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ [المائدة:43] فالحكم في التوراة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستطيع أن يقول: الحكم الرجم، فارجموهم.
هنا الشاهد؛ حتى يعلم أن هؤلاء علماء ضلالة، وأنهم ما أتوا في أمور أخرى، فلم جاءوا هذه المرة. قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ما تحكمون في هذا أنتم؟
قالوا: نحن نحكم أن يجلد ويحمم وجهه ويطاف به في الأسواق.
قال: هل هذا الحكم في التوراة؟
قالوا: هذا الذي في التوراةُ.
قال: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93] فاتفقوا كلهم على حذف هذا الحكم من التوراة فأخذ أحدهم يقرأ -وتعلمون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمي, ولكن الله عز وجل يظهر الحق له دائماً، وكان شاهد بني إسرائيل موجوداً- فوضع القارئ يده على آية الرجم وتجاوزها لأنهم لا يريدون حكم الله ويكرهون ما أنزل في التوراة، لأن فيه فضيحة على العاصي، فلجئوا إلى تبديل حكم الله } .
وهذا ذنب على ذنب، أولها غلط وتبديل لكلام الله، وآخرها تبديل لدين الله، وغمط وجحد لما أنزل الله.
{فقال له عبد الله بن سلام رضي الله عنه: ارفع يدك! فإذا آية الرجم تظهر فقرأها عبد الله فقال: هذه يا رسول الله، والله تعالى قد أخبر نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر بهما فرجما.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما الذي حملكم على ذلك؟
قالوا: كنا قد أقمناه زماناً، ثم فشا فينا الزنا وانتشر في أشرافنا } كما قال الله: رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:67] إنهم الكبراء والوساطات، فإذا زنا ابن الفلاح, قالوا: ارجموه؛ لكن إذا زنا ابن الأمير أو كبير من الكبراء في بني إسرائيل قالوا: لا، هذا لا يرجم. فاستمروا على هذا يرجمون الضعفاء ولا يرجمون الكبراء، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه } فالذي ليس لديه وساطة، لا في شرطة، ولا في محكمة يقيمون عليه الحد، أما الشريف فلا؛ لأن شرفه وشفاعته تحول بينه وبين الحد فلهذا يتركونه.
ثم اصطلحوا على حكم مناسب للقوي والضعيف، فقالوا: نجعل التحميم والتشهير والجلد؛ فإن كان ضعيفاً تحمم ومشى إلى سبيله، وإن كان من أولاد الكبراء فيصبر على التحميم قليلاً، لكن الكل لا يرجم, وقالوا: هذا حل وسط.
ولكن هل هذا حل وسط حقيقة؟!
كثير من الناس من العلماء وطلاب العلم والقضاة -وكلنا نحتاج أن نفقه هذا الشيء- يحكمون أو يقضون بغير ما أنزل الله ويظنون أن هذا من قبيل الإصلاح إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً [النساء:62] ويقولون: ما قصدنا إلا الخير، ونريد أمراً يرضي الجميع.
لكن لا يجوز ذلك أبداً، ما كان من حكم الله فينفذ، وما كان من صلح لا يحلل حراماً أو يحرم حلالاً فهذا له أبواب أخرى.
المقصود أن هؤلاء الناس الذين كانوا على علم، ولكن كانوا على غير الحق والهدى، وباعوا دينهم وعلمهم من أجل أبناء الأشراف, ومن أجل الزنا الذي انتشر فيهم، وهم من أشراف القوم نسأل الله العفو والعافية.
إذاً من أعظم ما يجب أن يتحلى به العلماء وطلاب العلم هو خشية الله وقول الحق كما قال الله تعالى في أوصافهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].
وإذا الأمة ركنت واستكانت، وطالب العلم والداعية لم يقل كلمة الحق، وانتشر المنكر وطغى، وظهر الفساد في البر والبحر، فالأمر كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] ولن يضيع دينه أبداً.
بل يذهب الله بهؤلاء ويأتي بقوم أول صفة من صفاتهم أنهم يحبهم ويحبونه، ومن أحب الله فإنه لا يقدم على مرضاته شيئاً، ومن أحبه الله حفظه وعصمه وأنجاه بإذن الله تعالى، وبعد ذلك فإن قوتهم وشدتهم وغلظتهم تكون على الكفار، أما على المؤمنين فإنهم رحماء فيما بينهم, بل هم أذلة على المؤمنين، ثم إن من صفاتهم أنهم يجاهدون في سبيل الله، وهذا العلم جهاد, بل هو أفضل الجهاد، كما بين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {نشر العلم جهاد }، بل قد جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث بإسناد حسن أنه قال: {إن الشهيد الذي قتل في سبيل الله إذا رأى أجر العالم يوم القيامة يتمنى أنه كان مكانه } فالشهيد الذي هو أعظم الناس أجراً، يتمنى أن يكون عالماً عندما يرى الخير والبركة لهذا العالم، ولطالب العلم الذي كان يعمل بالحق وينشره، ويعلم الناس الحق والخير. مع أن الجهاد باليد هو ذروة سنام الإسلام.
حتى قتال الكفار إن لم يكن على علم وإن لم يكن قادته علماء كما كان شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمة الله عليه وغيره من العلماء الأفذاذ يقودون المعارك، إن لم يكن كذلك؛ فإنه قد يدخله الخلل وقد يدخله الدخن، لابد أن يكون المجاهد على علم: من يجاهد, ومتى يكون الجهاد، وما هي أحكام الصلح، وما هي أحكام الرق.. إلخ, وكل ذلك نحتاج فيه إلى العلم.
فلا يستطيع أحد أن يستغني عن العلم في حال من الأحوال، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الناس فقال: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] الواجب علينا أن نسألهم، ولا خير في الدنيا بعد ذلك كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالماً أو متعلماً } إن لم تكن عالماً فكن متعلماً، وقليل من الناس من يكونون علماء، وهذا شيء معروف فكن طالب علم {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة } حتى تكون معه وتحشر معه و{المرء يحشر مع من أحب } ويحشر الخليل مع خليله يوم القيامة، ولا نعني بطالب العلم الذي تفقه وتخرج من كلية الشريعة ويخطب الجمعة فقط، مع أن هؤلاء طلاب علم في نظرنا، لكن طالب العلم هو الذي يطلب علم الكتاب والسنة ولو كان في أي مكان.
تعلمون أن بعض الناس يتعلمون ويتفقهون على الإذاعة! وكلكم تتابعون برنامج نور على الدرب، والله إننا نعيش في نعمة لا تقدر والحمد لله على ما فينا، نحن الآن نستطيع أن نطلب العلم ونعمل ونتعلم والحمد لله، وهناك دول قريبة منا على حدودنا لا يستطيع الواحد أن يقرأ كتاباً واحداً، ولا أن يطلب علماً، ولا أن يلتقي بشيخ وهم يتعلمون عبر برنامج نور على الدرب! وبرامج أخرى في الإذاعة يستمعون إليها، ولذلك كم يأتي من العراق ، ومن غيرها, لكي يتفقهون ويتعلمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى