أنا لست فاتنة بل ظالم 2019

اسمها فاتنة وهي كاسمها جريئة متحررة مثقفة في كل شيء إلا في الدين ..
الدين عندها أن تكون ذات قلب طيب ولا عليها بعد ذلك..
تخالط من تشاء.. تلبس ما تشاء.. تفعل ما تشاء ..
جمعت ليلة صويحباتها في الكلية للاحتفال بعيد ميلادها,, عيد ما أنزل الله به من سلطان ورثناه عن الكفار تشبهاً وتقليداً
ومن تشبه بقوم ..سأترك البقية لكم ..
كانت في أجمل هيئة وأحسن مظهر.. بدأت تدور بين صويحباتها تطلق الضحكات هنا وهناك تسألهن:
أتدرين يا بنات ماذا ينقص حفلتنا هذه ..
فأجبنها إجابات وهي تقول لا، ثم لا وهي مصرة على سؤالها،
ثم قالت مجيبة على سؤالها وهي تضحك: تنقصنا الشيخة علياء ..تنقصنا الشيخة علياء..
فانطلقت موجات الضحك من كل مكان ..
ثم قالت أحداهن مدافعة: لماذا كل هذا الضحك..لماذا كل هذا الضحك والاستهزاء بعلياء..
أليست زميلتنا في الصف! ..أليست صديقتنا في الكلية !
ألم تكن إلى عهد قريب رفيقة لنا في سهراتنا وحفلاتنا وهي الآن في محرابها مع صلواتها وقرآنها ..
إنها تبحث عن الآخرة ونحن عن ماذا نبحث ؟! فتجاهلن سؤالها ..
قالت أخرى : لقد ذهبنا إليها – أي إلى علياء- لندعوها لعيد الميلاد ولكنها اعتذرت وأعطتنا محاضرة طويلة عريضة في الأخلاق والدين والعادات والاجتماعات..
قالت فاتنة: مسكينة علياء.. لقد كانت عاقلة متحررة قبل أن يصيبها هذا الهوس الديني الذي اختطفها من بيننا ..

(قلت أنا: سبحان الله أصبح الدين هوساً وجنوناً ..)
ثم تابعت فاتنة حديثها وهي تقول :فعلاً مسكينة علياء ..
لقد انقلبت بسرعة وتسممت أفكارها وتغيرت هيئتها ،
لقد أطالت ثيابها فأصبح منظرها ككبيرات السن ..
لم تعد تؤمن بأن خير اللباس ما قل ودل ..
والأدهى من ذلك شعرها أصبح بضاعة محرمة مغطاة تحت ذلك السواد
مسكينة علياء نسيت أن الله يهمه منا القلب وكل ما عدا ذلك شكليات..
(الله اكبر أصبح الحجاب والتمسك بالدين شكليات..
قاتل الله الشاشات و القنوات..)
ثم تابعت فاتنة حديثها عن علياء ..إنها تخوفنا من النار وأن الله سيحرق به أجسادنا المكشوفة ..
أنها تنذرنا من شيء اسمه الموت و آخر تسميه الحساب ..
بل اسمعوا يا بنات أنها تحملنا مسؤولية إغواء الشباب و إغراء الرجال ..
فقالت أحداهن: لقد قتلتها الهواجس والوساوس ونسيت إن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال ..
مسكينة علياء أين ستجد فتى أحلامها.. أين ستجد السعادة والأنس..
لقد قتلت نفسها وهي في ريعان الشباب ، ولا بد أن نصنع شيءََ لإنقاذها..
(مساكين ما دروا أنهن هن بحاجة إلى الإنقاذ ..)
فارتفعت الأصوات لا بد من إنقاذها إنها تقتل نفسها بطول العبادة وكثرة الصيام وقراءة القرآن ولزوم البيت فلا أسواق ولا حفلات.. ما هذا الفهم الخاطئ للدين إن الحياة متعة وحرية أما الموت فمالنا وله الآن..
نعم سنموت عندما نشيخ ونهرم
إنه الأمل الطويل .. إنه الأمل الطويل ..ووالله ما حال بين الناس وبين الصدق في التوبة إلا طول الأمل ..
ومن أطال الأمل أساء العمل ..
قال الله تعالى عنهم ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل )
انتهى الاحتفال ودارت سنوات تخرجت فيه فاتنة وتخرجت علياء وثبتت على طريق الاستقامة والالتزام ..

فماذا حدث لفاتنة وماذا حدث لعلياء .. تعالوا أحبتي ..أعطوني المسامع نتابع القصة من مكان أخر..
في إحدى المستشفيات في الدور الرابع في غرفة من الغرف صوت أنين مريضة يملأ الغرفة ..
إنها في تلك الغرفة منذ عدة أشهر ، ولقد آيس الأطباء من حالتها وأصبح صوت أنينها معتاداً مألوفاً في المستشفى ولا أحد يستطيع أن يفعل لها شيء ..
لقد تعودت الممرضات على سماع أنينها ..
أما الطبيبة المناوبة الجديدة في المستشفى فلم تستطع أن تتجاهل ذلك الصوت وذلك الأنين فقلبها مليء بالرحمة وهكذا الإيمان ..
فأخذت بعض العقاقير والمهدئات ,ودخلت لتلك الغرفة.. فتحت الباب فإذا بامرأة على السرير في شبه غيبوبة ..
جست نبضها فإذا هو ضعيف على وشك التوقف ..أصغت إلى تنفسها فكان التنفس مضطرباً خافتاً ..
جلست بجانبها وأعطتها بعض المنعشات.. فأفاقت بعد قليل واستوت على سريرها..
أدارت عينيها فيما حولها- المريضة- ثم ثبتت نظرها على وجه الطبيبة ثم أخذت تفرك عينيها بيديها الضعيفتين ..
ثم زاد اضطرابها ثم قالت للطبيبة : أسألك بالله من أنت ؟!.. أسألك بالله من أنت ؟!..
فقالت: أنا الطبيبة يا أمي ..أنا الطبيبة يا أمي ..
فقالت المريضة : أنا لا أسألك عن مهنتك ،أنا أسألك عن اسمك ..
أسألك بالله ألست أنت علياء؟.. أسألك بالله ألست أنت علياء؟
فقالت الطبيبة باستغراب : بلى أنا علياء..
وفي لحظات إذا بالمريضة تأخذ برأس علياء تطوقه بذراعيها وتضمه إلى صدرها وتقبله وتجهش بالبكاء ..
زاد استغراب علياء وصعقت ..من عساها تكون هذه المرأة ؟!وهل بها مس من جنون ؟!
كيف عرفتني وأنا لم أقابلها من قبل ولم يسبق لي علاجها بل هذه أول ليلة لي في هذا المستشفى كطبيبة مناوبة ..
فرجعت علياء برأسها إلى الوراء وأخذت تنظر إلى المريضة مشدوهة لا تدري ماذا تفعل ،
ثم قالت للمريضة من أنت يا خالة ، وكيف عرفتي اسمي ، وهل التقينا من قبل؟!
فردت المريضة بصوت تخنقه العبرات: نعم يا علياء لقد التقينا مرات ومرات..
إن اسمك وصورتك لم يفارقا خاطري خاصة عندما أصابني المرض قبل ثلاث سنوات..
آه يا علياء ..آه يا علياء ..أنا التي أكلت لحمك واستهزأت بك ..
أنا فاتنة يا علياء..أنا فاتنة يا علياء ، ثم انفجرت بالبكاء والنحيب ..
صدمت علياء ولم تستطع الكلام ثم قالت وهي لا تصدق ما سمعت: أقسمت عليك بالله أأنت فاتنة !..
مستحيل فاتنة كانت كإسمها أصغر وأجمل وأنضر ،
فقالت فاتنة بصوت خافت متقطع : نعم أنا التي كان يقال لها ذات يوم فاتنة ..أنا التي كان يقال لها ذات يوم فاتنة ..
فأكبت عليها علياء تضمها إلى صدرها وتجهش بالبكاء المرير الأليم عليها ..
فلما هدأ البكاء أخذت فاتنة تروي قصة سبع سنين منذ أن افترقتا ،
قالت: تخرجت من البكالوريا وحاولت إكمال الدراسة ، فلم أستطع ..
كنت لاهية متمردة على كل شيء..
لم أكن أشك بالله.. لم أكن اشك بالله..
ولكني كنت أعتقد بأن كل ما له عليّ أن أكون طيبة القلب وكفى ..
تعرفت على كثير شبان وفتيات وفتيان..ثم ارتبط برجل تعرفت عليه في الوظيفة ..
أحبني وأحببته.. لكننا كنا نعيش حياة غافلة بعيدة عن الله
ثم بعد زواجنا بسنوات رزقنا الله بطفلة صغيرة جميلة رائعة سميتها سوسن على اسم صاحبتي التي تعرفينها ..
ثم بدأت أشكو من آلام في بطني فقال الأطباء : إنها قرحة ..فقال الأطباء إنها قرحة ..
فأخذت أتعالج دون فائدة ..أخذت آلامي تزيد وهمومي تزيد
وبدلاً من أن أهرب إلى الله فررت إلى مزيد من الغفلة والضياع ..
وبدلاً أن ألجأ إلى الله وأفر إليه فررت إلى مزيد من الغفلة والضياع ..
ثم تدهورت صحتي وجاء التشخيص الجديد ليقول بداية تورم خبيث في المعدة..
وهكذا استحالت القرحة إلى سرطان
ثم أخذ السرطان يستفحل ويزيد إلى أن أقعدني هنا أصارع الألم وأنتظر الموت في أية لحظة..
لم أرَ ابنتي منذ أربعة أشهر.. عمرها الآن أربع سنوات..
وزوجي لم يأتي لزيارتي منذ أسبوعين، لقد تعب من التردد علي كل يوم ..لعله ملني أو كرهني ..
فلما سمعت علياء قصتها لم تتمالك نفسها وانخرطت في بكاء شديد ..
ثم تمالكت نفسها وقامت إلى فاتنة تضمها إلى صدرها تواسيها وتخفف عنها..
لا تجزعي يا فاتنة ..لا تجزعي يا فاتنة لقد عرفتك شجاعة قوية ..لا تقنطي من رحمة الله..
لا تستسلمي لليأس قد يكتب الله لك الشفاء وقد يكون هذا ابتلاء فاستسلمي إلى قضاء الله وقدره
واصبري..فالصبر جميل والله مع الصابرين ..
هدأت فاتنة وغطت وجهها بكفيها و أخذت تقول : عفوك يا الله عفوك ياالله لم يبقَ لي سواك فهل تقبلني ..
رحماك يا الله ليته الابتلاء.. ليته الابتلاء
ولكنه الانتقام لكم تجاهلت تلك الآيات تقرأ على مسامعي..
لكم تجاهلت كلام أمي الصالحة الحنون ..
إنه الانتقام للضحايا الذين فتنتهم وأغويتهم..
يا الله كم أغويت من شاب وكم أفسدت من فتاة ..
ثم أخذت تردد وتقول: اقترب مني يا موت فلطالما خدعتني أوهامي
لقد ظننت أنك لا تأخذ إلا الكبار والشيوخ وتترك الشباب ..
لقد خدعتني نفسي وغرني أملي

يا غافلاً عن العمل
الموت يأتي بغتة
وغره طول الأمل
والقبر صندوق العمل

ثم أخذت تسأل علياء: أصحيح يا علياء أن القبر مظلم!..
أصحيح أن القبر ضيق!..
فتجيب نفسها: نعم صحيح وعما قليل سأحمل إليه جسداً بارداً هامداً..
هناك لن يكون معي أهل ولا أحباب ، ولن يكون معي مال ولا ثياب ،
لن يكون هناك زوج ولا أصحاب..
يا الله كيف سأفارق صغيرتي سوسن ..
أنا لا زلت صغيرة ولم أشبع من الحياة ..
ثم تلمست عينيها وقالت بكما أرى النور وكم أسقطت بنظراتي من شاب ..
أحقاً سيأكلكما الدود وينهشكما التراب..
أخذتها علياء بين ذراعيها وضمتها إلى صدرها وأخذت تقرأ عليها القرآن وتدعوا لها بالشفاء،
وأخذت تقول لها: كفى يا فاتنة لا تيأسي من رحمة الله ولا من شفاء الله..
قالت فاتنة أسألك بالله يا علياء: أيغفر الله لي وقد فعلت ما فعلت وأجرمت ما أجرمت ..
فقالت علياء بصوت واثق : وكيف لا يا فاتنة ..أليس الله واسع المغفرة ..
أليس الله تواب رحيم ..
ألم تسمعي قول الله وهو يخاطب العصاة :
( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم )
فقالت فاتنة: بربك يا علياء لا تناديني بعد الآن فاتنة..
ناديني ظالمة ..نعم ظالمة
لقد ظلمت نفسي كثيراً وأجرمت في حق نفسي جرماً كبيراً .
ثم وبقدرة عجيبة استوت فاتنة على سريرها ورفعت يديها إلى السماء وهي ترتجف ضارعة
وأخذت تدعو الله برقة وخشوع : اللهم اشهد بأني قد رجعت إليك، وأنبت إليك،
فها أنذا طريحة على بابك ..اللهم إن كنت قد كتبت لي الشفاء وهذا ليس صعباً عليك وقد أخفق الأطباء وعجز الحكماء فاشهد يا حكيم..
اشهد يا حكيم بأني لن أعصيك أبداً ما بقيت ..
اللهم وإن كنت قد قدّرت علي الموت عاجلاً فاشهد يا رحيم بأني لن أيأس من رحمتك..
اللهم وإن كنت قد قدّرت علي الموت عاجلاً فاشهد بأني لن أيأس من رحمتك ولن أقنط من مغفرتك طالما بقي في صدري نفس يتردد
يا رحمن الدنيا والآخرة.. يا الله ظلمت نفسي ظلماً كبيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت إنك أنت الغفور الرحيم..

إلهي: لئن جلت وعظمت خطيئتي
إلهي: لئن أعطيت نفسي سؤلها
إلهي: ترى حالي وفقري وفاقتي
إلهي: فلا تقطع رجائي ولا تزغ
إلهي: أجرني من عذابك إنني
إلهي: أذقني طعم عفوك يوم
فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع
فها أنا في روضة الندامة أرتع
وأنت مناجاتي الخفية تسمع
فؤادي فلي في نهر جودك مطمع
أسيرٌ ذليلٌ خائفٌ لك أخضع
لا بنون ولا مالَ هناك ينفع

قال أحد الصالحين : إن ملك الموت عليه السلام إذا ظهر للعبد أعلمه أنه قد بقي لك من عمرك ساعة وأنك لا تسـتأخر عنها ..
وأنك لا تسـتأخر عنها طرفة عين فيبدو للعبد من الأسف والحسرة ما الله به عليم
فيتمنى على أن يضاف إلى تلك الساعة ساعة أخرى ليتدارك التقصير والتفريط فلا يجد إلى ذلك سبيلا ..
وهذا معنى قول الله : ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) ..
وإلى هذا أشار الله جل في علاه بقوله : ( من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب ) ..
قيل الأجل القريب الذي يطلبه أنه يقول لملك الموت : أخرني يوماً .. أخرني يوماً أعتذر فيه لربي وأتوب وأتزود صالحاً لنفسي ،
فيقول له : فنيت الأيام فلا يوم .. فنيت الأيام فلا يوم ..
فيقول: فأخرني ساعة ..
فيقول: فنيت الساعات فلا ساعة ..
فيغلق عليه باب التوبة ..فيغلق عليه باب التوبة ..
فيا خسارته ويا ندامته حين يموت على تلك الحال ..
( وما ظلمهم الله) ..( وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم كانوا يظلمون )..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى